خلف الأبواب المغلقة، وفي أروقة إحدى قاعات فندق “سويس إن” بأكتوبر التي شهدت اجتماعات الجمعيات العامة لشركة جهينة للصناعات الغذائية، دارت واحدة من أشرس المعارك القانونية والمالية في سوق المال المصري مؤخرًا.
هي قصة “صراع إرادات” لم تكن مجرد خلاف على مقعد في مجلس إدارة، ولكن كانت “مبارزة كسر عظم” بين رجل الأعمال المخضرم صفوان ثابت، مؤسس قلعة جهينة، وبين شركة “بلدنا” القطرية ورئيسها معتز الخياط، الذي قرر ألا يتنازل عن موطئ قدم له في قمة هرم الإدارة المصرية، بعد رحلة صعود تجاوزت فيها حصته الـ 16% من أسهم الشركة.
بدأت فصول القصة تتسارع في 21 أغسطس الماضي، حين استشعر صفوان ثابت خطر الزحف القطري نحو مقاعد مجلس الإدارة، بذكاء وخبرة سنوات، دعا “ثابت” لجمعية عامة غير عادية، مفجرًا مفاجأة بوضع بند لتعديل “المادة 22” من النظام الأساسي للشركة.
التعديل كان يبدو ظاهريًا تنظيميًا، لكنه في جوهره كان “فخًا قانونيًا” صمم خصيصًا لمنع تمثيل “بلدنا”؛ حيث اشترط ألا يترشح لعضوية المجلس أي شخص يمثل شركة تمارس نشاطًا مشابهًا أو منافسًا، في تلك اللحظة، سجلت “بلدنا” اعتراضها الرسمي الأول، معتبرة أن المصطلحات الفضفاضة مثل “نشاط مشابه” هي قيد تعسفي يحرم المساهم من حقه القانوني في التمثيل النسبي، ويخالف قواعد القيد بالبورصة المصرية التي تضمن المساواة بين الجميع.
المعركة لم تتوقف عند طاولة الاجتماعات، ولكن انتقلت لساحة الهيئة العامة للرقابة المالية، هناك، نجحت “بلدنا” في استصدار قرار تاريخي أوقف تعديلات صفوان ثابت، وحسمت الرقابة المالية الجدل وأكدت أن إقصاء فئة من المساهمين يخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويفتح الباب لسيطرة فئة واحدة على القرار، وهو ما يتعارض مع أبسط قواعد الحوكمة، هذا القرار كان بمثابة “الضربة القاضية” لتعديلات المادة (22)، لكن معتز الخياط وفريقه لم يكتفوا بالدفاع، بل قرروا الانتقال إلى الهجوم الشامل.
وفي يوم 18 ديسمبر الجاري، وتحت رئاسة رجل الأعمال الشهير أحمد الوكيل للجمعية العامة غير العادية، وصلت الإثارة لذروتها، لم تكتفِ “بلدنا” بإسقاط المادة (22)، بل فاجأت الجميع بطلب “راديكالي” وهو “عزل مجلس إدارة شركة جهينة بالكامل”، مبرر “بلدنا” في هذا الطلب كان قاسيًا، وهو اتهام المجلس بتمرير قرارات في أغسطس الماضي تهدف لفرض هيمنة مطلقة على التشكيل، ضاربين عرض الحائط بحقوق الأقلية والمساهمين الرئيسيين.
هنا، اشتعلت الأجواء داخل القاعة؛ فالمستشار القانوني لشركة جهينة انبرى للدفاع، مؤكدًا أن طلب “بلدنا” لا يتسق مع أحكام الجمعية العامة غير العادية، مشيرًا إلى أن الطريق القانوني لمثل هذا الطلب هو اللجوء للهيئة العامة للاستثمار لطلب التفتيش في جمعية عامة عادية، معتبرًا أن طلب العزل في هذا التوقيت “في غير محله” لأن الجمعية الحالية مخصصة لتعديلات النظام الأساسي فقط.
وفي لحظة فاصلة، تدخل “شهبندر التجار” أحمد الوكيل، بصفته رئيس الاجتماع، ليحسم الجدل التنظيمي، و بخبرته الطويلة في إدارة الأزمات، طلب تسجيل طلب شركة “بلدنا” بعزل مجلس الإدارة رسميًا في المحضر لمناقشته، فاتحًا الباب أمام المساهمين للتعبير عن آرائهم، إلا أن المساهمين الحاضرين آثروا الصمت ولم يبدوا أي مناقشة لهذا الطلب في تلك اللحظة، ربما انتظارًا لما ستسفر عنه جولات التفاوض في الغرف المغلقة.
هذا المسار الدرامي، من تعديل المادة 22 إلى إيقافها بقرار رقابي، وصولًا إلى التهديد بعزل المجلس، وضع إدارة جهينة أمام خيار واحد لا ثاني له وهو “الرضوخ”، فقد أدرك الجميع أن الاستمرار في مواجهة الحقوق القانونية لشركة “بلدنا” قد يؤدي لتصعيد أكبر يهدد استقرار الشركة في البورصة.
