تلقيت من صديق العمر الكاتب الكبير «إبراهيم عيسى» دعوة لمشاهدة العرض الخاص لفيلم «الملحد» مساء الليلة (السبت).

أغبطتتنى الدعوة، وبت سعيدًا، فيلم «الملحد» أخيرًا سيرى النور، وهذا من طبائع الأمور، المنع ليس حلًا معتمدًا، وليس آخر الدواء.

لم نشاهد الفيلم حتى نصدر فى وجهه المنع، ونشهر سيف المصادرة، دعونا نشاهد بأريحية فكرية معالجة «إبراهيم عيسى» لقضية الإلحاد، وكيف اقترب من المساحة المحرمة، وكيف سيمرق من حقل الألغام المفخخة!.

هناك من يتربصون بالفيلم الدوائر، وهذا شأنهم، لا نصادر على الفكرة، أخشى فحسب «إبراهيم عيسى» يحوم حول قضية شائكة (الإلحاد) يوشك أن يواقعها، وهذا ما يتحسب منه عادة مخافة الوقوع فى مساحة الفراغ العقلى. ومع سوء الظن مسبقًا بمؤلف الفيلم (ولأسباب وقضايا ومعارك سبقت) والتربص من قطاعات من المغلقة عقولهم، وحالة العداء المستحكم من (السلفية/ الإخوانية)، كلها من أسباب الخشية على الفيلم. فضلا عن سابقة دخول الفيلم المحكمة قبل العرض، يقال فيلم (وش محاكم)، أخشى يدخل الفيلم المحكمة مجددًا بتهمة جاهزة مغلفة دينيًا تسمى (ازدراء الأديان)!.

الفقرة «واو» الملتوية فى المادة ٩٨ من قانون العقوبات جاهزة للاستخدام المجانى، الفقرة المفخخة تتناول تجريم ازدراء الأديان، وتُعرّف بأنها «استغلال الدين فى الترويج أو التحبيذ لبرامج أو أفكار متطرفة» أو «التعدى» على المقدسات الدينية..

للأسف مادة يستخدمها المحتسبون الجدد فى المصادرات والمنع وجرجرة المفكرين فى المحاكم، والمحتسبون الجدد طائفة من يرفعون المصاحف فى وجوهنا ترهيبًا. كلها أسباب تضع الفيلم تحت حد سيف التكفير، سيقف المحتسبون الجدد بنصالهم المسنونة على كل حرف فى كل جملة فى كل مشهد.

أخشى الأحكام الجزافية التى تطلقها مسيرات سلفية مفخخة قد تنفجر فى الفيلم وكاتبه وصناعه. ما أتمناه للفيلم فحسب مشاهدة هادئة عاقلة تصنع حالة حوار، ينتظم من حول الفيلم المختلفون فى حوار صحى حول قضية الإلحاد، وهى قضية خطيرة لو تعلمون، فحسب دون أحكام مسبقة جاهزة تصادر الفيلم الذى أجازت عرضه المحكمة.

والفيلم بالفيلم يذكر، فى العام ١٩٣٧ من القرن الماضى، يوم نشر «إسماعيل أدهم» رسالته تحت عنوان «لماذا أنا ملحد؟!، وقال فى مستهلها إنه كتبها بعد أن قرأ رسالة للشاعر «أحمد زكى أبوشادى» وعنوانها «عقيدة الألوهية».

يومها، لم يصادروه، ولم يكفروه، ولم يفسقوه، بل تكفل كبار المفكرين بالرد عليه، وصارت معركة فكرية عظيمة تلح على ذاكرتى وأنا استبصر مآلات الفيلم فى المستقبل المنظور. دشن المعركة الفكرية الراقية الكاتب الكبير «محمد فريد وجدى» فى مقالة بعنوان «لماذا هو ملحد؟!» حاول أن يفند فيها الأفكار المطروحة فى رسالة أدهم. وعلى غرار لماذا أنا ملحد؟ رد الكاتب الكبير «أحمد زكى أبو شادى» برسالة فلسفية بعنوان «لماذا أنا مؤمن؟» أو «لماذا أنا مسلم؟»، ليناقش التوفيق بين العلم والدين، وأسهم فى المعركة الشيخ «مصطفى صبرى» وتكفل بتفنيد أفكار إسماعيل أدهم وكتب ردودا عليه محفوظة حتى ساعته، وجميعها تقول تحكيم العقول منجاة من شبح المصادرة على الأفكار.

الذكرى تنفع المؤمنين بالحرية الفكرية، والفكرة تواجه بالفكرة، جد نطلب حوارًا صحيًا، معلوم فارق بين الحوار والخوار، ما أخشاه الخوار الذى يئد الفيلم فى مهده دون استبصار الفكرة وأفقها، سيما والأرض تحت أقدام «إبراهيم عيسى» ساخنة بفعل دعاوى التكفير التى تملأ الفضاء الإلكترونى.