توفي المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد، بعد صراع مع المرض عن عمر 79 عاماً. وقالت زوجته كريمة كمال، عبر حسابها الرسمي على “فيسبوك”: “رحل اليوم أغلى ما عندي زوجي وحبيبي داوود عبدالسيد”.

 

داود عبد السيد أحد أعمدة السينما المصرية المعاصرة، وُلد في 23 نوفمبر 1946، تخرج في المعهد العالي للسينما قسم الإخراج عام 1967. رغم طموحاته في مجال الصحافة في بداية مشواره، لكن شغفه بالسينما دفعه لاختيار مجال الإخراج ليتحول إلى أحد أبرز المخرجين. بدأ مشواره المهني بالعمل مساعد مخرج في عدد من الأفلام البارزة، من بينها “الأرض” ليوسف شاهين، و”الرجل الذي فقد ظله” لكمال الشيخ، و”أوهام الحب” لممدوح شكري. واتجه لاحقًا إلى صناعة الأفلام التسجيلية ذات الطابع الاجتماعي، وقدم عددًا من الأعمال المهمة، من أبرزها: “وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم” (1976)، و”العمل في الحقل” (1979)، و”عن الناس والأنبياء والفنانين” (1980). ومن أبرز أعماله فيلم “الكيت كات” أحد أيقونات السينما المصرية، وفيه لم يقدم قصة شيخ ضرير (الشيخ حسني) فحسب، بل قدم مانيفتسو عن “البصيرة”، وكيف يمكن للإنسان أن يرى العالم بقلبه وخياله حينما تخونه عيناه، ويدخل في علاقة مع جارته الشابة المكبوتة جنسيًا فاطمة، وتتداخل حكاياتهم مع الحكايات الخفية للحي، الفيلم من تأليف إبراهيم أصلان، وكتب السيناريو والحوار داود عبد السيد، والعمل من بطولة محمود عبدالعزيز، أمينة رزق، شريف منير، عايدة رياض، نجاح الموجي، علي حسنين.

الكيت كات

وله أفلام أخرى مهمة منها “أرض الخوف” وفيه طرح تساؤلاته الكبرى عن “الهوية” و”الرسالة”، من خلال رحلة ضابط يتوغل في عالم تجارة المخدرات حتى يفقد الصلة بماضيه. تعاون من خلاله مع أحمد زكي، وتدور أحداث الفيلم حول يحيى، ضابط في الشرطة وهو شخص مثالي لأعلى الدرجات، يوكل من قبل جهاز الشرطة بأن يصبح فاسدًا في العالم السفلي عالم تجارة المخدارت، وذلك كما قيل له لخدمة الوطن. ويكلف بمهمة غريبة تسمى أرض الخوف، يعيش يحيى لسنوات كتاجر مخدرات، ولكنه بعد ذلك يكتشف الكارثة حيث إن الضباط الذين وضعوا يحيى في هذه المهمة، منهم من استقال ومنهم من مات ليصبح يحيى بالفعل تاجر مخدرات ولكن بقلب ضابط. والفيلم من تأليف وإخراج داود عبدالسيد، وبطولة أحمد زكي، فرح، سامي العدل، عزت أبو عوف، حمدي غيث، عبدالرحمن أبو زهرة.

وهناك “مواطن ومخبر وحرامي” و”رسائل البحر”، وكانت آخر أعماله فيلم “قدرات غير عادية” الذي صدر عام 2015 وجمع فيه بين التأليف والإخراج.

 

امتازت أعمال داود عبد السيد، بشخصياتها الواقعية والأحياء الشعبية والشوارع المألوفة، ما “يضفي شعورا بالحميمية مع المشاهد، فضلا عن طرح أسئلة وجودية وأخلاقية ويناقش مواضيع مثل الظلم الاجتماعي والبيروقراطية، بأسلوب سلس ربط المشاهد بأعماله وخلدها في ذاكرة السينما العربية”.

في عام 2013، اختيرت ثلاثة من أفلامه “الكيت كات” 1991، و”أرض الخوف” 1999، و”رسائل البحر” 2010 ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي. حظيت أعماله بتقدير نقدي واسع، تجلّى في حصوله على العديد من الجوائز، منها جائزة العمل الأول في مهرجان أسوان الأكاديمي عن فيلمه “الصعاليك” (1985).
في سنواته الأخيرة، اتخذ “فيلسوف السينما” قرارًا موجعًا بالاعتزال، ليس لعدم القدرة، بل لعدم الرغبة في “الاستسلام” لقوانين سوق سينمائي رأى أنها أصبحت تهتم بـ “الاستهلاك” أكثر من “الإبداع”. ظل داوود عبد السيد وفيًا لمبادئه حتى اللحظة الأخيرة، مفضلًا الصمت على تقديم فن لا يشبهه.