عمل كوميدي استعراضي مدهش يُغرِّد خارج السرب

ياسر العيلة

لتحقيق عمل استعراضي غنائي كوميدي باهر، يجب دمج عناصر الإبهار البصري (ديكور، أزياء، إضاءة، تغييرات سريعة)، بالأداء الاحترافي (تمثيل قوي، غناء، رقص)، مع الفكاهة الذكية والموسيقى الجذابة، وذلك لبناء حبكة مسرحية متماسكة وشخصيات محبوبة لخلق تجربة فريدة تضحك وتدهش الجمهور، كل هذه العوامل مجتمعة شاهدتها في العرض المسرحي «الحفلة» من إنتاج شركة «باك ستيج قروب» وشركة «الجابرية الحرة» في شراكة فنية هي الأولى لهما على مستوى المسرح، حيث سبق التعاون من قبل بين «الجابرية الحرة» والنجم محمد الحملي من خلال تعاونهما السابق في «The Miami Show»، ولأن الشركتين تغردان خارج السرب، فأتوقع أن نشاهد أعمالا مسرحية باهرة قادمة بأفكار غير تقليدية أسوة بمسرحية «الحفلة» التي تعد نقلة مهمة في عالم المسرح بالكويت والخليج.

المسرحية كسرت «الجدار الرابع» من خلال تفاعل نجومها مع الجمهور، ودارت أحداثها في فترة الثمانينات بأغنياتها الجميلة من خلال قصة حب رومانسية نشأت منذ الصغر بين جاسم «محمد الحملي» ومنى «حصة النبهان»، ولكن أبو منى «عبدالمحسن العمر» يرفض زواجهما رغم اعتراف ابنته له بأنها تحبه ولن تتنازل عن هذا الحب.

«الحفلة» عمل حققت فيه المؤلفة أنقال القلاف والمخرج محمد الحملي حلم الوصول إلى النموذج الأمثل لعمل غنائي استعراضي كوميدي بأجوائه المرحة، بالمزج بين الغناء والاستعراض المتقن، قدما تركيبة مسرحية قد يصعب على البعض الإقبال عليها، خاصة إذا فكروا في احتمالات المكسب والخسارة، لكن الحملي و«الجابرية الحرة» لم يشغلهما سوى المكسب الفني الذي قدماه إلى الساحة المسرحية من خلال هذا العمل الاستثنائي.

في الوقت نفسه، اتحد أبطال «الحفلة» معا ليقدموا حالة تحمل مزيجا من المهارات الغنائية والتمثيلية كان على رأسهم بطل العرض محمد الحملي الذي لم يكتف بنجوميته في عالم التمثيل، ليترك بصمته كمطرب محترف يقدم بمهارة كل الألوان الغنائية، فقد ملأ المسرح نشاطا وحيوية بأدائه الممتع الرشيق، أما النجمة حصة النبهان فتثبت في كل عمل تشارك فيه أنها ممثلة من طراز ثقيل لها حضور خاص وخفة روح على خشبة المسرح، وقدمت مع الحملي ثنائيا رائعا.

وكان للنجم عبدالمحسن العمر، حضورا رائعا وجسد دور الأب بشكل جميل وعفوي، وهو فنان نضج بشكل كبير على نار هادئة وأرى أن عام 2025 من أفضل الأعوام في مسيرته الفنية، كذلك النجم يوسف الحشاش الذي كان مفاجأة العرض بامتياز، حيث لعب أكثر من شخصية مثل ناظر المدرسة ومطرب في شارع الهرم في مصر وقدمهما بسلاسة شديدة تؤكد أنه فنان كبير الموهبة ويملك حسا كوميديا غير طبيعي.

وكانت الفنانة غدير حسن من العناصر التي تميزت في هذا العمل، حيث جسدت شخصية الأم التي تعاني من استهتار ابنها «جاسم» والمشغول دائما بحلم أن يصبح مطربا مشهورا، وخارج العرض وفي الاستراحة قدمت شخصية راقصة شعبية مصرية وملأت الأجواء بهجة ومرحا بأدائها الجميل وإتقانها للهجة المصرية بمصاحبة فرقة «شرف» الاستعراضية، فغدير ممثلة لم تستغل مواهبها بعد.

أما الفنانة الشابة مي حسني فكانت إحدى مفاجآت العرض وهي موهوبة وتتمتع بحس كوميدي متميز وأجادت في دورها ونالت ثقة الجمهور الذي تفاعل مع تمثيلها بطريقة لافتة. فيما كان الفنان الشاب فيصل العلوان من ضمن مفاجآت العمل، وقدم شخصية صديق «جاسم» بأداء متقن وكان بحق فاكهة العرض، وكان بينه وبين الحملي تناغم جميل.

وبالنسبة للإخراج، فلا يوجد كلام يوفي النجم محمد الحملي حقه، «أنا خلصت فيه كل الكلام»، فهذا الشاب الذي أصبح رغم صغر سنه «عراباً» لجيل الفنانين الشباب الحالي وأحد أهم صناع المسرح على مستوى الوطن العربي يحسب له تقديمه لأنماط وأطياف مختلفة من الممثلين المحترفين والممثلين الشباب بصورة جميلة، فكل واحد منهم أبدع في الدور الذي جسده، حيث اعتمد الحملي على المتعة في شكل الكوميديا الناعمة التي قدمها بشيء من الإبهار في التشكيلات الحركية الاستعراضية التي صممها عبدالعزيز الهاشمي، والأزياء التي اعتمدت على الألوان المبهجة الخاطفة لأبصار الجمهور في لوحات العرض المتفرقة، سواء الاستعراضية أو حتى المشاهد الثنائية بما يتوافق مع تركيبة الشخصيات النفسية والتي صممتها فاطمة الصايغ، والإضاءة التي كانت من أبطال العمل من تصميم محمد التويجري، وتوزيع أغاني المسرحية التي كانت للموهوب الملحن والموزع عبدالله العماني.