في عالم الدراما الذي يهيمن عليه الموسم الرمضاني عادة، من الطبيعي أن يبرز السؤال حول توجهات المخرج مؤمن الملا العام 2026، بعدما ألمح إلى مجموعة مشاريع جديدة تلامس وجدان المشاهد العربي وتفتح آفاقاً مختلفة بعيدة عن النمطية بعضها مخصص بعضها للعرض في الموسم الرمضاني وبعضها لخارجه.

 

بدأ الملا حديثه مع “المدن” بالإشارة إلى أن مشاريعه تتراوح بين القصيرة والضخمة، وتعكس رغبته في تجديد المشهد الدرامي. وقال عن الفئة الأولى: “نجهز لعملين قصيرين أحدهما سوري شبابي مودرن، والآخر خليجي شبابي خفيف ذو فكرة جديدة ونسعى من خلالهما لتقديم التجربة الشبابية الحديثة بأسلوب ممتع وغير تقليدي، حيث يستطيع الجمهور العربي التواصل معها بكل بساطة ومتعة”. 

وعن الأعمال الضخمة قال الملا: “أحدهما تاريخي بطابع روحاني وديني، والآخر فانتازيا مبتكرة لم يسبق تناولها عربياً ولا عالمياً، كذلك نعمل على مشروع وطني يهدف للمساهمة في تعزيز الوعي السوري بعد مرحلة سقوط الأسد” مشيراً إلى أنه يشعر بحماسة كبيرة لهذه الأعمال التي تطلبت منه ومن فريق عمله كثيراً من الوقت والجهد حتى وصلت لشكلها الحالي.

 

وبعد سنوات طويلة من العمل في أعمال البيئة الشامية، اتجه الملا أخيراً نحو الدراما الاجتماعية في مسلسل “أغمض عينيك” وهو تحد جديد يتيح له مساحة للتجربة بعيداً عن المألوف، وهذا ما ينسحب على أعماله المقبلة رغم اعتزازه بتجربته في أعمال البيئة الشعبية، وافتخاره بشراكته مع شقيقه الراحل بسام الملا، الذي وصفه بالمبدع وصانع الحكايا الساحرة التي لا تنسى. 

وأضاف الملا: “الجهد الكبير الذي يبذل في إنجاز تلك الأعمال، كان يجب أن يطال كذلك اتجاهات وأساليب أخرى ضرورية في صناعة الفن، ومن هنا كان أغمض عينيك: حكاية اجتماعية تحمل كثيراً من الرسائل الأخلاقية و الوجدانية، ضمن شكل مختلف عما قدمته سابقاً تحت راية أخي ومعلمي المبدع بسام الملا”. 

 

وأشار الملا إلى أنه يسعى للتغريد خارج حدود الدراما السورية التقليدية المتمثلة بإطارات الأكشن والجريمة والجسد، لكن هذا لا يعني أنه ضدها بل هي مطلوبة ولكنه يصر على الإضافة إليها: “هناك عدة ألوان وأنواع للدراما، ولكل منها جمهورها واحتياجاتها، ولكنني أصر كمخرج ومنتج على تقديم أعمال ذات طابع قيمي ومسل في الوقت نفسه تقدم الإلهام إلى جانب المتعة”. واعتبر أن الدراما تستطيع أن تنقل رسائل المحبة والسلام، وليس فقط الصراعات الدامية والخيانات: “نريد واقعاً مختلفاً في منطقتنا، يكون أكثر سلاماً ومحبة واستقراراً وربما تكون الدراما هي المكان الجيد للبدء، لأن تأثيرها على الإنسان العربي يفوق التصور”.

وعند سؤاله عن الفائز بين الأعمال التجارية والفنية، قدم الملا تمهيداً أشار فيه إلى طبيعة الصناعة العربية التي غالباً ما تميل لتحقيق الربح، وأكمل: “إلى الآن الكفة ترجح لجانب أعمال الاسترزاق، لأن الغاية الأولى لأي شركة إنتاج هي البيع وتحقيق قليل من الأرباح”، لكنه رأى في المقابل أن هذا الوضع لن يستمر إلى الأبد، لأن الحياة تتغير بشكل سريع جداً ما يجبر المحطات والمنصات على إعادة النظر في توجهاتها. 

وأضاف الملا: “أعتقد أن هناك تطوراً حتمياً سيأتي يوماً ما إلى الدراما العربية، وبدأ بالفعل إنتاج بعض الأعمال ذات القيمة الفنية العالية، خصوصاً في مصر”، مشيراً إلى أن هذا الاتجاه سيتوسع تدريجياً في مصر وخارجها ليعطي مساحة للفن الهادئ والقيم الوجدانية.

 

وفيما يتعلق بالدراما السورية، رأى الملا أن التراجع الذي أصابها خلال الخمسة عشر عاماً الماضية كان نتيجة طبيعية للظروف الصعبة التي مر بها السوريون، تحت حكم شوه المجتمع والإبداع، لكن التفاؤل يسيطر على رؤيته المستقبلية: “المؤشرات تشير إلى التعافي والآن أمامنا فرصة كبيرة لنتعافى من كل التشوهات التي أصبنا بها رغم أن التحديات ليست سهلة”.

وخلال موسم رمضان 2026، تتنافس عدة أعمال تتناول فترة حكم الأسد، ورأى الملا أن هذا الأمر طبيعي، لأن سقوط الأسد حدث جلل لا يمكن تجاوزه ولا يمكن أن يمر مرور الكرام على الدراما السورية، مضيفاً: “من المهم أن يرى المشاهد أعمالاً عديدة تتناول تلك الحقبة”. لكنه حذر من الاستسهال في معالجة القضايا الحساسة المتعلقة بحكم الأسد وجرائمه لكونها مرحلة مليئة بالضحايا والجراح المفتوحة وتحتاج إلى مسؤولية عند تناولها.

وعند سؤاله عن سبب استمرارية الأعمال الطويلة من 90 حلقة رغم انتقادات التطويل والتكرار والرتابة، اعتبر الملا بأن الفارق يكمن في أسلوب الإنتاج: “الإنتاجات العالمية تنحو باتجاه المواسم الكثيرة لكنهم يعملون بطريقة مختلفة. فهم يعطون كل موسم حقه من الجهد في الكتابة والتحضير والإنفاق السخي فتأتي النتيجة مميزة وتليق بالجهد والوقت والمال، لكننا لا نعمل في العالم العربي بنفس الطريقة وأحد أهم أسباب المسلسلات الطويلة في منطق صناعتها هو خفض التكاليف، ما يؤدي غالباً إلى عدم تنفيذها وفق المعايير العالمية في الوقت والجهد والمال، لذلك يصعب المقارنة بين نتائج أعمالنا والأعمال العالمية”.

 

وعن الشراكات العائلية في الفن التي يمكن أن تجمع بين منتجين ومخرجين وممثلين، أوضح الملا بأن الشراكات العائلية ناجحة حول العالم صناعياً وتجارياً، ولا ضرر من انشاء شركات عائلية فنية، ومن الطبيعي أن ينجح بعضها ويفشل بعضها الأخر، واستشهد ببعض التجارب العائلية الفنية الناجحة في الوطن العربي: “هناك عائلتا الرحباني والبندلي في لبنان وغيرها في مجال الموسيقى وعائلة العدل في مصر في مجال صناعة الدراما والسينما، إضافة إلى تجارب لشركات عالمية في المجال الفني. ومن وجهة نظري أنا قادر على إنشاء تجربة وشركة عائلية تقدم الدراما التلفزيونية والسينمائية مع عائلتي الكبيرة والصغيرة، ولدينا كتاب ومخرجون وممثلون ومصممون وموسيقيين وخبراء في الإنتاج من الناحيتين الفنية والمالية وسنعمل على تقديم أعمال فنية واعدة تعتمد بشكل أساسي على الشراكة العائلية”. 

أخيراً، تناول الملا ظاهرة مسلسل “باب الحارة” وأشار إلى أن لا أحد يستطيع أن يحيط بكل أسباب النجاح الساحق للعمل، لكن من وجهة نظره يمكن السر في عدة أسباب: “أولاً، كتاب العمل الذين قدموا حكايا وشخصيات جذابة جداً. ثانياً، المخرج المبدع والساحر بسام الملا الذي تميز عبر كل تاريخه بقدرته العجيبة على ملامسة شغاف قلب المتلقي في تقديم الحكاية وتفاصيلها مع شخصياتها المتنوعة والجذابة التي تسكن القلوب. ثالثاً، تسليط الضوء على قيم أخلاقية واجتماعية غاب الكثير منها كالشهامة والكرم، ما أثار الحنين لدى الجمهور العربي من المشرق للمغرب” وختم باعتراف صريح: “لا الراحل بسام، ولا أنا، استطعنا فهم كثير من أسرار النجاح الكبير لباب الحارة”.