“على مر السنين أجرت إسرائيل وأرض الصومال اتصالات في سياق بحث إمكانية الاعتراف المتبادل والتعاون في مجالات الأمن والزراعة والملاحة البحرية. وتنظر إسرائيل إلى أرض الصومال كشريك محتمل في مواجهة النفوذ الإسلامي المتطرف في القرن الأفريقي، وكمصدر محتمل للدعم الإستراتيجي بالقرب من طرق الشحن الحساسة”.
وردت تلك الفقرة في دراسة نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي بقيادة مدير شعبة الاستخبارات العسكرية السابق تامير هايمان، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2025 بعنوان “إسرائيل في ساحة البحر الأحمر: إستراتيجية بحرية محدثة”، أي قبل ما يزيد بقليل عن أسبوعين من إعلان رئيس إقليم أرض الصومال الانفصالي عبد الرحمن عرو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توقيع اتفاقية اعتراف متبادل تتضمن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وتعيين سفراء، وافتتاح سفارات بين الجانبين.
اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list
يوضح هذا الترتيب الزمني أن الاعتراف المتبادل حدث ضمن مسار تبلور أولا داخل المؤسسات الأمنية ومراكز الدراسات الإسرائيلية قبل انتقاله إلى المستوى السياسي، في ظل إدراج القرن الأفريقي في سلّم الأولويات الإسرائيلية، والبحث عن خيارات عملية لتعزيز الحضور البحري والاستخباري في محيط البحر الأحمر، على وقع التحديات التي واجهتها إسرائيل في التعامل مع ملف الحوثيين خلال العامين الأخيرين. وبالتالي سنحلل دلالات وتوقيت الإعلان عن هذا الاعتراف المتبادل.
البحر الأحمر في الحسابات الإسرائيلية
البحر الأحمر هو مسطح مائي يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا بطول 1900 كيلومتر، وبعرض يصل في أقصاه إلى 300 كيلومتر، ويشكّل الامتداد الشمالي الغربي للمحيط الهندي، مع ارتباطه المباشر بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. هذه الوصلة جعلته أحد الممرات المحورية في بنية التجارة العالمية، ونقطة التقاء بين شبكات النقل والطاقة والاتصالات العابرة للقارات.
تتركّز على طول سواحل البحر الأحمر بنية تحتية إستراتيجية، تشمل موانئ تجارية، ومرافق للتزوّد بالوقود، وكابلات اتصالات بحرية، إلى جانب قواعد عسكرية لقوى دولية وإقليمية.
ومع افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية عام 1869، تحوّل البحر الأحمر إلى المسار الأقصر والأكثر كفاءة لربط أوروبا بآسيا، ما قلّص المسافات البحرية بين مراكز التجارة العالمية في لندن ومومباي أو بين روتردام وشنغهاي بنحو 8 آلاف كيلومتر مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح. ونتيجة لذلك، يمر عبر القناة اليوم قرابة 12% من التجارة البحرية العالمية، ونحو ربع حركة ناقلات النفط.
تصاعد الدخان بعد انفجار على متن سفينة شحن يونانية بعد تعرضها لهجوم من الحوثيين في البحر الأحمر (رويترز)
تتحدد القيمة الجيوسياسية للبحر الأحمر بشكل رئيسي عبر نقطتي اختناق. الأولى في مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي، بعرض يقارب 29 كيلومترا. والثانية قناة السويس في الشمال، بوصفها ممرا ضيقا بين الشرق والغرب. وتمنح السيطرة أو القدرة على التأثير في هاتين النقطتين الأطراف المعنية قدرة على تنظيم حركة الملاحة في البحر الأحمر بأكمله.
كذلك يكتسب البحر الأحمر أهمية خاصة ضمن شبكات الكابلات البحرية التي تنقل ما يقارب 96% من حركة المعلومات الرقمية، بما يشمل الإنترنت والاتصالات الهاتفية والأنظمة المالية وشبكات القيادة والسيطرة العسكرية، ما يجعله إحدى نقاط الاختناق الحرجة في البنية التحتية للاتصالات العالمية، حيث يوجد به نحو 16 كابلا تمتد مساراتها من الهند وباكستان وشبه الجزيرة العربية نحو مصر، ثم إلى شرق المتوسط وصولا إلى اليونان وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة.
على المستوى الإسرائيلي، تمحور التفكير البحري لسنوات طويلة حول البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما بعد اكتشافات الغاز، ما عزّز مكانة ميناءيْ حيفا وأشدود في التخطيط الاقتصادي والأمني. في المقابل، جرى التعامل مع ميناء إيلات -المنفذ الإسرائيلي الوحيد على البحر الأحمر- بوصفه مرفقا ثانويا محدود الجدوى التجارية، رغم ما يملكه من قيمة إستراتيجية تتجاوز الحسابات الاقتصادية المباشرة.
فعلى الرغم من أن ميناء إيلات لم يستقبل سوى 3% من حركة السفن الوافدة إلى إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر، فإنه يلعب دورا مختلفا داخل المنظومة البحرية الإسرائيلية، بوصفه ميناء احتياطيا جنوبيا، يُعتمد عليه في سيناريوهات الطوارئ التي قد تتعرض فيها موانئ المتوسط لاضطرابات أمنية.
كما يتمتع الميناء بميزة تكتيكية ناتجة عن موقعه الجغرافي البعيد نسبيا عن نطاق التهديد المباشر الصادر عن فاعلين مثل حزب الله أو فصائل المقاومة الفلسطينية. غير أن هذه الأفضلية تحوّلت خلال العامين الماضيين إلى عنصر ضغط، مع تصاعد المخاطر المرتبطة بأنشطة الحوثيين في مضيق باب المندب، ما أدى لإفلاس الميناء.
ضمن المصالح المذكورة برز إقليم أرض الصومال الانفصالي كخيار عملي داخل الحسابات الإسرائيلية، غير أن قابلية إقليم أرض الصومال للعب هذا الدور لا يمكن فهمها بمعزل عن جذور أزمتها السياسية وتاريخ تشكّلها ككيان انفصالي عن الدولة الصومالية.
جذور أزمة إقليم أرض الصومال الانفصالي
ترتبط أزمة إقليم أرض الصومال بإرث التقسيم الاستعماري الأوروبي للقرن الأفريقي. ففي عام 1884، انتزعت بريطانيا من مصر السيطرة على شمال الصومال، قبل أن تشجّع إيطاليا على بسط نفوذها وسط وجنوب البلاد، في إطار ترتيبات أوروبية هدفت إلى منع تشكّل نطاق نفوذ فرنسي ممتد من غرب أفريقيا إلى شرقها.
أسفرت هذه الترتيبات، مع مطلع القرن العشرين، عن تفتيت الصومال إلى خمس كيانات منفصلة: الصومال الفرنسي (جيبوتي)، والصومال البريطاني (أرض الصومال)، والصومال الإيطالي (بقية الصومال المعاصر)، إلى جانب إقليم أوغادين الذي ضُمّ إلى إثيوبيا، ومناطق صومالية أُلحقت بشمال شرق كينيا بموجب تفاهمات بريطانية.
أنتج هذا التفتيت حنينا وحدويا عبّرت عنه فكرة “الصومال الكبير”، وهو ما انعكس رمزيا في العلم الصومالي ذي النجوم الخمس. وعلى هذا الأساس، توحّد الصومال البريطاني مع الصومال الإيطالي عقب استقلالهما عام 1960. غير أن المشروع الوحدوي دخل طور التآكل بعد هزيمة الصومال في حربه مع إثيوبيا عام 1977 لاستعادة إقليم أوغادين، بما أنهى عمليا فكرة الصومال الكبير.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (يسار) يتحدث مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في مقديشو، الصومال، في 9 يونيو/حزيران 2022 (الفرنسية)
شكّلت تلك الهزيمة نقطة تحول داخل الدولة الصومالية. فسرعان ما اندلعت محاولة انقلاب فاشلة ضد نظام الرئيس سياد بري، تلتها تمردات مسلحة، ما أدى لانهيار النظام عام 1991 وتفكك الدولة المركزية، وعودة المجتمع الصومالي إلى الاصطفافات العشائرية بوصفها الإطار المنظّم الأساسي للسلطة والأمن.
في هذا السياق، أعلن إقليم الصومال البريطاني، الذي تشكّل قبيلة إسحاق عموده الرئيس، انفصاله من جانب واحد عام 1991 تحت اسم “أرض الصومال”. وجاء القرار انعكاسا لنفور من تجربة الوحدة، على خلفية التهميش السياسي والاقتصادي، إضافة إلى القمع الذي بلغ ذروته بتدمير مدينة هرجيسا عام 1988. وقدّم قادة الإقليم خطوة الانفصال بوصفها استعادة للسيادة التي تخلّوا عنها سابقا طوعًا عند قيام الدولة الصومالية الموحدة. ولكن عانى الإقليم من غياب الاعتراف الدولي، وهو ما وظفته تل أبيب للإقدام على تطبيع العلاقات مع هرجيسا والاعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال.
أهمية إقليم أرض الصومال لإسرائيل
تنبع أهمية إقليم أرض الصومال في الحسابات الإسرائيلية من عاملين متلازمين: الموقع الجيوسياسي، والاستعداد السياسي للتعاون مع أي طرف خارجي يعترف باستقلالها.
فالإقليم يتموضع عند المدخل الجنوبي لخليج عدن، مقابل السواحل الجنوبية لليمن، في نقطة وصل مباشرة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. هذه الجغرافيا هي التي منحت المنطقة قيمتها الإستراتيجية تاريخيا، ودفعـت بريطانيا إلى بسط سيطرتها عليها في أواخر القرن التاسع عشر، كما دفعت الولايات المتحدة إلى تأمين وجود عسكري فيها خلال ثمانينيات القرن الماضي في ذروة الحرب الباردة، ضمن مقاربة احتواء النفوذ السوفياتي في القرن الأفريقي.
اليوم، تقع سواحل أرض الصومال البالغ طولها نحو 740 كيلومترا على مسافة تتراوح بين 300 إلى 500 كيلومتر من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة.
وفي ظل إخفاق الولايات المتحدة وإسرائيل، خلال الحرب الأخيرة، في تحقيق ردع عسكري ضد الحوثيين، يكتسب هذا القرب الجغرافي قيمة عملياتية إضافية، إذ يوفّر لإسرائيل إمكانية العمل من مسرح قريب من مناطق التهديد بدلا من الاكتفاء بإدارة الحرب من مسافات بعيدة، كما يؤمّن خيارات مرنة لإعادة التزود بالإمدادات اللوجستية في البحر أو عبر موانئ حيوية مثل ميناء بربرة.
ضمن هذا الإطار، يُطرح موقع إقليم أرض الصومال بوصفه منصة مناسبة لمجموعة واسعة من المهام، تشمل جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة التحركات العسكرية للحوثيين، وإسناد عمليات بحرية وجوية سواء في إطار الردع أو اعتراض الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ أو حتى شن عمليات الهجومية داخل اليمن فضلا عن اعتراض عمليات تهريب الأسلحة لصالح الحوثيين. ويقارب هذا الدور، في منظور معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، الوظيفة التي أدّاها التحالف مع أذربيجان في تعزيز القدرة العملياتية والاستخباراتية لإسرائيل في مواجهة إيران، مع فارق اختلاف الساحة والتهديد.
خريطة الصومال والحدود المزعومة لإقليم أرض الصومال الانفصالي (الجزيرة)
ولا تقل البيئة السياسية لأرض الصومال أهمية عن موقعها الجغرافي في الحسابات الإسرائيلية. فمنذ سنوات، تعمل قيادتها على ترسيخ علاقات وثيقة مع الدول الغربية وحلفائها، في وقت تبدو فيه البدائل الإقليمية الأخرى محدودة الجدوى من منظور تل أبيب. فإريتريا، رغم قربها النسبي من مسرح العمليات اليمني، تتبنى توجّها معاديا للغرب وتحافظ على علاقات وثيقة مع إيران. أما جيبوتي، فعلى الرغم من موقعها الإستراتيجي، فتلتزم بسياسة حياد حذر في النزاعات الإقليمية، بما يقيّد إمكان توظيفها أمنيا. في المقابل، تفتقر إثيوبيا إلى منفذ بحري ما يحرمها من القدرة على لعب دور نقطة ارتكاز بحري لإسرائيل.
وضمن هذا المشهد، تبرز أرض الصومال بوصفها حالة مختلفة، تجمع بين موقع جغرافي ملائم وانفتاحها على المبادرات الإقليمية المؤيدة لإسرائيل، بما في ذلك توسيع اتفاقيات أبراهام، وصولا لانفتاح حكومة إقليم أرض الصومال على قبول “إعادة توطين أهل غزة” في أراضيها البالغ عدد سكانها نحو 3 ملايين نسمة.
ويرتبط توقيت الاعتراف الإسرائيلي مع حراك دبلوماسي نشط تقوده قيادة إقليم أرض الصومال لتوسيع شبكة علاقاتها الخارجية، ولا سيما مع تايوان وإثيوبيا ودول أخرى، بالتوازي مع سعيها المكثف لاستقطاب اعتراف أميركي بالاستقلال في ظل إدارة ترامب. ولذا يُنظر إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الأبراهامية والتطبيع مع إسرائيل بوصفهما أدوات سياسية لإعادة إدراج ملف الاعتراف الأميركي على جدول الأعمال، والذي تراهن عليه هرجيسا باعتباره المدخل الأساسي للانتقال من وضع دولة الأمر الواقع إلى مربع تكتسب فيه شرعية دولية.
أزمة سابقة بسبب إثيوبيا
لم تكن خطوة إسرائيل تجاه إقليم أرض الصومال الانفصالي أول محاولة لتوظيف الإقليم خارج إطار الدولة الصومالية. ففي الأول من يناير/كانون الثاني 2024، وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس أرض الصومال آنذاك موسى بيحي عبدي مذكرة تفاهم منحت إثيوبيا حق الوصول إلى شريط ساحلي بطول 20 كيلومترا، واستئجار الأرض لمدة 50 عاما لبناء قاعدة بحرية عسكرية، إلى جانب استخدام ميناء بربرة بوصفه منفذا تجاريا رئيسيا لاستيراد البضائع.
في المقابل، تضمّن الاتفاق اعترافا إثيوبيا بأرض الصومال كدولة ذات سيادة، ومنح هرجيسا حصة في ملكية الخطوط الجوية الإثيوبية، ما فجّر أزمة إقليمية واسعة.
رأت مقديشيو في الخطوة انتهاكا مباشرا لسيادتها ومقدمة لتفكيك الدولة عبر تشجيع الأقاليم الصومالية على عقد تفاهمات خارج إطار الدولة الفدرالية، فيما استثمرت حركة الشباب الاتفاق لتغذية خطابها المعادي لإثيوبيا، مقدّمة نفسها بوصفها الجهة الوحيدة القادرة على ردع أديس أبابا، بينما أثارت طموحات آبي أحمد البحرية مخاوف مصر وتركيا ودول الجوار، التي تمسكت بوحدة الصومال ورفضت أي تغيير أحادي للحدود.
وعلى الرغم من رعاية تركيا لمسار تهدئة مؤقت عبر “إعلان أنقرة” في ديسمبر/كانون الأول 2024 بحضور الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي، والذي نص على احترام وحدة وسيادة الدولتين، والاتفاق على بحث ترتيبات تتيح لإثيوبيا وصولا تجاريا إلى البحر تحت السيادة الصومالية الكاملة، فإن جذور الأزمة بقيت قائمة، مع استمرار سعي إثيوبيا للوصول المباشر إلى البحر، ومراهنة أرض الصومال على مقايضة الجغرافيا بالاعتراف الدولي.
الموقف العربي والإسلامي والأفريقي مقابل الموقف الأميركي
قوبل الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال برفض عربي وإسلامي وأفريقي واسع، تمحور حول اعتبار الخطوة انتهاكا مباشرا لسيادة الصومال وتهديدا للاستقرار الإقليمي. فالحكومة الصومالية أكدت عبر بيان رسمي وتصريحات لوزير إعلامها، أن الاعتراف يعكس أجندة تستهدف تقويض وحدة الدولة الصومالية، وتعهدت باستخدام الأدوات الدبلوماسية والسياسية والقانونية لمنعه. وتواكب هذا الموقف مع تحرك دبلوماسي إقليمي لمصر والسعودية وتركيا والأردن، في محاولة لاحتواء التداعيات ومنع ترسيخ سابقة الاعتراف.
على المستوى المؤسسي، أعلنت مفوضية الاتحاد الأفريقي ومنظمة “الإيجاد” رفضهما القاطع لأي اعتراف أحادي بأرض الصومال، باعتباره مخالفا لميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي. وتُوّج هذا الاتجاه ببيان مشترك من دول عربية وإسلامية وإفريقية وازنة من بينها السعودية وباكستان وقطر ومصر وتركيا ونيجيريا وإيران وإندونيسيا فضلا عن مجلس التعاون الخليجي، شدد على دعم سيادة الصومال ووحدة أراضيه، والتحذير من خطورة فتح باب الاعتراف بالأقاليم الانفصالية لما يحمله من تهديد للسلم والأمن الدوليين، إلى جانب رفض الربط بين هذه الخطوة وأي مخططات لتهجير الفلسطينيين.
في المقابل، اتسم الموقف الأميركي بالحذر، فقد أشار الرئيس دونالد ترامب إلى أن الاعتراف الأميركي بأرض الصومال قيد الدراسة، من دون الالتزام باتباع الخطوة الإسرائيلية، بما يعكس رغبة في إبقاء الملف ورقة تفاوض.
ويتقاطع هذا التردد مع حراك داخل الكونغرس، تقوده أصوات جمهورية بارزة مثل السيناتور تيد كروز، تدعو إلى الاعتراف الأميركي بأرض الصومال بوصفها شريكا محتملا في البحر الأحمر، في إطار توجه يرى في ذلك فرصة لتعزيز النفوذ الأميركي وتقليص الاعتماد على شركاء تقليديين في دولة الصومال أقل استقرارا.
بيد أن هذا الدفع السياسي يصطدم بجملة اعتبارات كابحة داخل واشنطن. فمنذ عقود، تقوم السياسة الأميركية على دعم مبدأ “الصومال الواحد”، وتنظر إلى حكومة مقديشو بوصفها شريكا أمنيا لا يمكن التضحية به في ظل الانخراط العسكري والاستخباري الأميركي ضد حركة الشباب. ويُخشى أن يُفسّر أي اعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال الانفصالي في الداخل الصومالي على أنه تخلّ أميركي، قد يشجع نزعات انفصالية أخرى، ويمنح حركة الشباب زخما إضافيا.
إلى جانب ذلك، يُقيّد الموقف الأميركي برفض معظم الدول العربية والإسلامية المؤثرة أي مساس بوحدة الصومال، وتتمتع هذه الدول بنفوذ في دوائر صنع القرار بواشنطن. كما تميل الدول الأفريقية، إلى معارضة الاعتراف بالكيانات الانفصالية خشية فتح سلسلة ارتدادات داخل القارة. ويجعل هذا الاصطفاف كلفة الاعتراف الأميركي أعلى من مكاسبه المحتملة في المدى القريب.
آفاق الاعتراف
تفتح خطوة الاعتراف الإسرائيلي باستقلال إقليم أرض الصومال مسارا عالي الكلفة سياسيا وإستراتيجيا تتجاوز تداعياته حدود العلاقة الثنائية إلى إعادة خلط التوازنات في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. فعلى المدى القريب، قد تمنح الخطوة إسرائيل موطئ قدم في منطقة شديدة الحساسية، لكنها في المقابل ستُدخلها في مواجهة مع كتلة إقليمية واسعة ترفض المساس بوحدة الصومال، وتتعامل مع الخطوة بوصفها سابقة تهدد استقرار المنطقة.
قد يتحول الاعتراف الإسرائيلي إلى عامل ضغط على هرجيسا نفسها، إذ سيضعها في قلب استقطاب إقليمي حاد بين محاور متنافسة، ويقيد قدرتها على توسيع شراكاتها العلنية، بدلا من أن يفتح لها باب الشرعية الدولية الذي تراهن عليه، كما ينذر تكريس الاعتراف من دون غطاء دولي أو إقليمي كافٍ بزيادة وتيرة التوتر في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
في المقابل، ستلجأ الحكومة الصومالية والدول الرافضة للاعتراف الإسرائيلي باستقلال إقليم أرض الصومال الانفصالي إلى مقاربة تقوم على منع تحوّل الاعتراف الإسرائيلي إلى أمر واقع قابل للترسيخ.
ويُتوقع أن يتركز جهد هذه الدول على تفعيل الأطر الجماعية مثل الاتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي فضلا عن علاقاتها مع الغرب والصين لإحاطة قرار الاعتراف بسياج سياسي وقانوني يمنع توسعه، مع تعزيز التنسيق الثنائي لرفع كلفة أي ترجمة عملية لخطوة الاعتراف على الأرض.
