لاشك أن الكثيرين من القراء قد لاحظوا مثلى أن الصحف والمواقع تناولت خبر طلاق الإعلاميين عمرو أديب ولميس الحديدى على طريقة البيانات الدبلوماسية، فـ«ولاد الكار الواحد يجب أن يراعوا بعض»، وقد وصل الأمر أن بعض الصحف والمواقع قالت إن الطلاق تم فى جو من الود، بما ذلك الصحف والمواقع التى قالت إن الزواج كان مزدحمًا بتعبير الأميرة ديانا، أو أن هناك طرفًا ثالثًا بالتعبير المصرى.. وأن الزوج سيعلن زواجه قريبًا.

وأعتقد أن الزملاء تصوروا أنهم يجاملون الإعلاميين الكبيرين لأنهم تصوروا أن الطلاق فى جو من الود دليل على الأخلاق أو النضج.

وبعيدًا عن موضوع عمرو ولميس، وبشكل عام ومجرد، فإن استخدام كلمة «ود» فى هذا الموقف من وجهة نظرى (جليطة واستهانة بالعشرة والأصول).

أنا لو متزوجة وصحيت الصبح لقيت زوجى بيقولى إننا هنطلق عشان هو ارتبط بواحدة تانية، مش هارد عليه بود وأقوله: أوكيه بيبى نشوف موعد مناسب مع المأذون، وربنا يوفقك مع الجديدة.

لا طبعًا أنا هادور على أقرب حاجة ثقيلة وهاحدفه بيها، وأركز على عينه الزايغة وقلبه الخاين.

هو لا مؤاخدة داس على رجلى وهو رايح الحمام، ولا استلف منى عربيتى وخبطها. ده دمر حياة وعشرة وتضحيات وأولاد من أجل متعته الشخصية.

الحقيقة إننا مش بنغسل سمعة الخاين فقط، ولا خرابين البيوت ولا خطافين الرجالة، إحنا بنقع فى تناقض جذرى بتدفع ثمنه الست المصرية.

نحن مجتمع ضد الطلاق، فهو أبغض الحلال لدى المسلمين ومحرم لدى المسيحيين، أما المرأة المطلقة فالمجتمع ينظر لها إما امرأة فاشلة فى الاحتفاظ ببيتها وزوجها أو خطافة رجالة سيئة السمعة.

وفى ظل هذا المناخ من البديهى أن نربى بناتنا على أن الحفاظ على بيتها وزوجها مسؤولية كبرى عليها أن تحاول جاهدة أن تنجح فيها، وفى نفس الوقت لو الراجل أو الزوج حب يتزوح واحدة تانية ويطلق مراته نسمع كلام من نوع حقه الشرعى مثنى وثلاث، القلوب بتتغير والناس أفكارها بتنضج. وكأن الغدر نضج وقلوب النساء من حجر.

وأسوأ تبرير أننا لا نعرف ماذا يدور وراء الأبواب المغلقة، يعنى البيه المحروس لم ير عيوب زوجته ألا لما قوى نظره بواحدة جديدة؟ وإذا كانت الزوجة مش على هواه ومنكدة عليه، فلماذا لم يعترض على هذه العيوب إلا مع ظهور الطرف الثالث؟

يا سادة، لا تغسلوا سمعة الخيانة والغدر، فقد كان المجتمع المصرى برقيه وقيمه يرفض الغدر والخيانة فى العلاقات الزوجية.

لم يعرف مجتمع آبائنا وأمهاتنا الزوجة الثانية والثالثة، والطلاق كان خبرا حزينا لأسرة لم تجد أمامها سوى الانفصال لاستحالة العشرة. أما لو كان الطلاق لوجود طرف ثالث فكان فضيحة. كان المجتمع ينظر إلى الرجل الذى يخرب بيته من أجل امرأة أخرى على أنه إما رجل خفيف أو هزؤ. وكانت المرأة الجديدة تسمى خطافة رجالة، والرجل يسمى خرّاب بيوت.

وهذه صفات قادرة على أن تخسف بأصحابها الأرض، إذ كان المصريون يرون أن هدم البيت يحتاج إلى أسباب أكثر خطورة من غرام قد ينتهى.

لاحظ تعبير (هدم البيت)، فالارتباط الأسرى كان فى نفس قوة ومتانة المبنى، والعشرة والأخلاق الطيبة تنافس الحديد فى قوتها وصلابتها.

أتذكر أن إحدى بنات العائلة أحبت رجلا متزوجا، وكان يريد الزواج منها، وقد تطلب الأمر أن تصمد قصة حبهما أكثر من ٦ سنوات حتى تزوجا. كانت العائلة تخشى عليها من غضب الله لأن خراب البيوت مش سهل، والرجل الذى يتخلى عن زوجته يتخلى عن الأخرى. وحكاية زوج الاثنتين لم تكن واردة فى حياة المصريين.

وتسربت هذه العادة إلينا برياح شرقية من بعض المجتمعات العربية التى يجمع الرجل بين اثنتين وثلاث وأربع، لأن الإسلام لم يحرم ذلك.. وكله بالشرع، فهل كان المصريون جهلة بدينهم؟ بالطبع لا، فقد تعامل المصريون مع التعدد مثنى وثلاث بوصفه رخصة، مجرد رخصة للرجل مثل رخصة إفطار رمضان للمريض، ورخصة قصر الصلاة للمسافر، والرخصة استثناء، والاستثناء يؤكد القاعدة.

كانت القاعدة عند المصريين الزواج بواحدة والمحافظة على البيت وصون العشرة إلى أقصى حد، فإذا استحالت العشرة يحدث الطلاق، ويبحث كل واحد عن نصيبه. وكنا نسمع الكبار يقولون: (إن النفوس هتصفى بعد مدة)، لأن الطلاق جرح مهما كانت مبرراته، فإذا ببعض الزملاء يتحدثون عن الود فى وجود الطرف الثالث.. هذا ود مسموم، فالخيانة لم ولن تكون يومًا ما وجهة نظر، سواء فى الحرب أو فى الحب.