كتب : محمود الهواري
12:29 م
30/12/2025
في ظل تنامي الدور الذي تلعبه الخوارزميات في تحديد ما يصل إلى المستخدمين، لم يعد عدد المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي المعيار الأساسي لقياس نجاح صناع المحتوى، بحسب ما يؤكده عدد من التنفيذيين العاملين في اقتصاد صناع المحتوى.
ولم يعد نشر المحتوى يعني بالضرورة وصوله إلى المتابعين، بعدما أصبحت الخوارزميات المتحكم الرئيسي في توزيع المنشورات وتحديد مدى انتشارها.
الخوارزميات تطيح بقيمة المتابعين
وقالت آمبر فينز بوكس، الرئيسة التنفيذية لمنصة LTK، إن عام 2025 شكل نقطة تحول واضحة، حيث باتت الخوارزميات صاحبة القرار النهائي في إبراز المحتوى، ما أفقد أعداد المتابعين أهميتها التقليدية، وفق تقرير نشره موقع “تك كرانش”.
تحذيرات قديمة وتأثيرات أوضح
ورغم أن هذا التحول ليس جديدا، إذ سبق أن حذر جاك كونتي، الرئيس التنفيذي لمنصة Patreon، من تراجع قيمة قاعدة المتابعين منذ سنوات، فإن تأثيره أصبح أكثر وضوحا حاليا، مع اختلاف طرق تفاعل المؤثرين وصناع البث المباشر وصناع الفيديو القصير مع هذا الواقع الجديد.
بحث عن علاقة مباشرة مع الجمهور
وبحسب مسؤولي شركات في القطاع، بدأ صناع المحتوى في البحث عن أساليب جديدة للحفاظ على علاقتهم بجمهورهم، سواء عبر مواجهة المحتوى منخفض الجودة الناتج عن الذكاء الاصطناعي، أو من خلال زيادة وتيرة الإنتاج في محاولة للتكيف مع متطلبات الخوارزميات.
وتعتمد منصة LTK، التي تعمل في مجال التسويق بالعمولة وربط صناع المحتوى بالعلامات التجارية، على ثقة الجمهور بالمؤثرين كأساس لنموذجها، وهو ما بدا مهددًا مع تصاعد المخاوف بشأن تفكك هذه العلاقة.
وكشفت دراسة صادرة عن جامعة نورث وسترن عن مفاجأة، حيث أظهرت ارتفاع الثقة في صناع المحتوى بنسبة 21% خلال عام واحد.
الذكاء الاصطناعي يعيد الاعتبار لـ”البشر الحقيقيين”
وأوضحت بوكس أن الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي دفع المستخدمين إلى البحث عن صناع محتوى يقدمون تجارب إنسانية واقعية، ما شجع الجمهور على متابعة مؤثرين بعينهم بشكل مقصود.
ووفق الدراسة نفسها، يخطط 97% من مديري التسويق لزيادة ميزانيات التسويق عبر المؤثرين خلال العام المقبل.
استراتيجيات جديدة للسيطرة على الانتشار
ورغم ذلك، لا تزال السيطرة على العلاقة مع الجمهور تمثل تحديا كبيرا، إذ يتجه بعض صناع المحتوى إلى بناء مجتمعات مدفوعة أو استخدام منصات أقل خضوعا للخوارزميات، بينما يعتمد آخرون، لا سيما في البث المباشر والفيديو، على استراتيجيات تعرف بـ”اختراق النمو”.
جيوش القص
ومن بين أبرز هذه الأساليب ما يعرف بـ”جيوش القص”، حيث يستعين صناع المحتوى بمجموعات من المراهقين عبر منصات مثل Discord، يتم الدفع لهم مقابل اقتطاع مقاطع قصيرة من المحتوى ونشرها بكثافة على منصات مختلفة، اعتمادًا على قدرة الخوارزميات على دفع هذه المقاطع للانتشار بغض النظر عن الحساب الناشر.
ويرى خبراء أن هذه الظاهرة تشبه تطور حسابات الميمز، لكنها قد تؤدي إلى إغراق المنصات بمحتوى مكرر وضعيف الجودة.
“المحتوى الرديء” كلمة العام
وساهم هذا التوجه في انتشار مصطلح “slop” أو “المحتوى الرديء”، الذي اختاره قاموس Merriam-Webster كلمة العام، في إشارة إلى تراجع جودة المحتوى المنتشر على المنصات.
المجتمعات الصغيرة ملاذ المستخدمين
في المقابل، تشير البيانات إلى أن المستخدمين باتوا يقضون وقتا أطول داخل مجتمعات رقمية أصغر وأكثر تخصصا، مثل Strava وLinkedIn وSubstack، بحثا عن تفاعل حقيقي بعيدا عن ضجيج الخوارزميات.
التخصص بدل النجومية المطلقة
ويتوقع مختصون أن يحقق صناع المحتوى ذوو الاهتمامات المتخصصة نجاحًا أكبر خلال المرحلة المقبلة، بينما ستصبح نماذج “النجوم الكبار” أصحاب مئات الملايين من المتابعين أكثر صعوبة في التكرار، مع تطور الخوارزميات في تقديم محتوى دقيق يلائم اهتمامات كل فئة.
اقتصاد يتجاوز الترفيه
ويرى مراقبون أن اقتصاد صناع المحتوى لم يعد مقتصرا على الترفيه، بل امتد إلى مجالات متعددة مثل الزراعة والصناعة، حيث نجح بعض المبدعين في تحويل منصاتهم الرقمية إلى علامات تجارية مؤثرة على أرض الواقع.
التأثير الحقيقي خارج الأرقام
ورغم التقلبات المستمرة، يظل هذا الاقتصاد قادرًا على التكيف، مؤكدًا أن التأثير الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بعمق العلاقة مع الجمهور.
