التحرك الآن قد يُسهم في تشكيل مستقبل إنتاج الأسلحة عالميًا – وتعزيز السيادة الصناعية لدول الخليج.

    موقع الدفاع العربي – 7 يونيو 2025: لا تُعد الصفقة السعودية-الأمريكية الأخيرة بقيمة 140 مليار دولار مجرد صفقة تسليح ضخمة جذبت العناوين، بل تمثل تحولًا أعمق في المشهد الدفاعي العالمي. فدول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تُظهر جديّة متزايدة في بناء منظومات دفاعية حديثة وفعّالة على نطاق واسع، ولم تعد تكتفي بدور المشتري في سوق السلاح العالمي.

    ومع توافر رأس المال الكبير وتنامي الطموحات الصناعية، باتت دول الخليج تتهيأ لتصبح فاعلًا صاعدًا في النظام الدفاعي العالمي.

    أوروبا بحاجة إلى شركاء صناعيين جدد

    يبدو هذا التحول أكثر وضوحًا في القارة الأوروبية، التي تواجه ضغوطًا لتعزيز إنتاجها الدفاعي في ظل ميزانيات محدودة وطاقة صناعية مُقيدة. وهنا تبرز الحاجة إلى شراكات صناعية أعمق مع دول الخليج.

    ينبغي أن تتجاوز هذه الشراكات الإطار التقليدي القائم على علاقة “المشتري – البائع”. فبالنسبة لدول الخليج، تُعد هذه فرصة تاريخية لبناء صناعة دفاعية مستدامة وذات سيادة. أما بالنسبة لأوروبا، فهي فرصة للحصول على استثمارات جديدة، وتوسيع قدرات الإنتاج، وتعزيز القدرة الاستراتيجية على الصمود.

    وقد بدأت دول الخليج بالفعل خطوات لتوطين صناعاتها الدفاعية، عبر نقل التكنولوجيا ووضع أهداف طموحة للإنتاج المحلي. ولكن لتسريع هذا المسار، لا بد من إعادة صياغة العلاقة مع أوروبا: ليس كمجرد عملاء، بل كشركاء في الاستثمار والتطوير المشترك.

    ويقوم هذا النموذج الجديد على ثلاثة ركائز أساسية:

    أولًا، ينبغي على دول الخليج السعي إلى اتفاقيات حكومية منظمة تتيح الاستثمار المشترك في برامج دفاعية أوروبية كبرى، تشمل دبابات الجيل القادم، والطائرات الحديثة، ومنظومات الدفاع الجوي المتكاملة.

    والهدف هنا ليس مجرد امتلاك حصص، بل بناء شراكات صناعية طويلة الأجل مع كبار المصنعين الأوروبيين الأصليين (OEMs).

    ثانيًا، بدلاً من بناء قدرات البحث والتصميم من الصفر، يمكن لدول الخليج أن تنخرط في برامج البحث والتطوير الأوروبية القائمة، من خلال الاستحواذ أو الشراكة.

    هذا الأسلوب يتيح تسريع إدخال تقنيات ملائمة للمهام العسكرية المحلية، وفي ذات الوقت يعزز تطوير المهارات والخبرات في التصميم داخل المنطقة.

    ومع مرور الوقت، يُسهم هذا النموذج في تقصير منحنى التعلم، وتعزيز الابتكار الإقليمي.

    ثالثًا، توجد فرص كبيرة لدعم الموردين من الدرجة الثانية والثالثة داخل سلاسل التوريد الدفاعية الأوروبية.

    هذه الشركات الصغيرة غالبًا ما تكون المصدر الرئيسي للابتكار، خاصة في التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، كما أنها أقل حساسية سياسيًا من الاستثمار المباشر في كبرى الشركات.

    ويمكن لرأس المال الخليجي أن يساعد هذه الشركات على التوسع، بل وحتى نقل جزء من عمليات الإنتاج إلى المنطقة، ما يُسهم في تعزيز القدرة الصناعية المحلية.

    كيف يمكن لحكومات الخليج إنجاح هذه الشراكات؟

    لضمان نجاح هذا النموذج، ينبغي أن تتبنى الحكومات الخليجية نهجًا استراتيجيًا منسقًا.

    ويشمل ذلك اعتماد نموذج حكومي شامل، يدمج بين وزارات الدفاع، وأذرع الاستثمار، والهيئات الدبلوماسية لوضع وتنفيذ الاتفاقيات الصناعية.

    كما تُعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أمرًا جوهريًا، إذ تتيح للمقاولين المحليين اكتساب الخبرة الدولية، وتعزيز نمو المنظومة الصناعية.

    وعلى نحو خاص، يجب أن تضع الدول الخليجية أولوية قصوى للحصول على حقوق الملكية الفكرية (IP)، التي تُعد حجر الأساس في تحقيق السيادة الصناعية. ورغم أن بعض المورّدين التقليديين يترددون في نقل هذه الحقوق، إلا أن العديد من الشركات الأوروبية تبدي مرونة أكبر بشأن مشاركة الملكية الفكرية ضمن اتفاقيات مدروسة.

    نافذة الفرصة الاستراتيجية

    لا تخلو هذه الخطة من التحديات. فقد تتحفظ بعض الشركات والجهات الأوروبية المنظمة بشأن دخول رؤوس أموال أجنبية إلى قطاعات استراتيجية.

    لكن يمكن تجاوز هذه التحفظات إذا قدّم المستثمرون الخليجيون أكثر من مجرد المال: يجب أن يأتوا بخطط صناعية موثوقة، وحوكمة شفافة، والتزام طويل الأجل.

    ولا تزال النافذة مفتوحة، فأوروبا تبحث بنشاط عن التمويل والقدرة الإنتاجية. وإذا تحركت دول الخليج بحسم، فبإمكانها أن تُسهم في رسم ملامح مستقبل الإنتاج الدفاعي العالمي — مع ضمان مكانتها الفاعلة فيه.

    فهذا أكثر من مجرد استثمار. إنها فرصة لتأسيس تحالف صناعي جديد بمقاييس استراتيجية.