الإثنين 16 يونيو 2025

    لا يُعد فيلم “Straw” للمخرجة أنيا شارما مجرد عمل درامي مستقل، بل تجربة حسية تُجبر المشاهد على الوقوف أمام الحافة الرقيقة بين الصمود والانهيار. هذا الفيلم، الذي يُحدث صدى واسعًا في مهرجانات السينما المستقلة، يؤكد براعة السرد الإنساني البسيط، وقوة المشاعر الخام في تصوير واقع ما بعد الكارثة.

    تقع أحداث “Straw” الذي يعرض حاليا في نتفلكس في عالم قاحل بعد الانهيار، حيث الموارد نادرة، والإنسانية تتعرض لاختبار مستمر. نتتبع إيلارا (بأداء مميز من لينا خان)، وهي شابة تبحث عن بقايا أمل من خلال مذكرات جدتها القديمة. تمضي في رحلة شاقة نحو “الواحة” – مكان أسطوري قيل إنه لا يزال يحتفظ بالماء والحياة. لكن ما يجعل الفيلم بارزًا ليس المغامرة، بل الطريقة العميقة التي يصوّر بها كيف تتشكل الروح البشرية تحت الضغط.

    إخراج شارما يمزج بين القسوة والجمال. فبفضل التصوير السينمائي البديع لعمر رشيد، تبدو كل لقطة وكأنها لوحة تشكيلية حزينة – الظلال، الألوان الباهتة، الإضاءات الغاربة – كلها تعكس عزلة المكان والصراع الداخلي لإيلارا. الإيقاع المتأني لا يُثقل السرد، بل يمنح لحظات التأمل متسعًا لتتردد في ذهن المشاهد وتغمره.

    تُظهر لينا خان قدرات تمثيلية مذهلة، فتجسيدها لإيلارا يتنقل بسلاسة بين القوة والانكسار. تحمل عبء الفيلم العاطفي بأكمله تقريبًا، وتجعل المشاهدين يتعاطفون معها في كل خطوة. ويضيف الظهور القصير للممثل المخضرم ماركوس ثورن، في دور رحالة منهك، بعدًا إنسانيًا يعكس تباين طرق النجاة في عالم متشظٍ.

    يطرح الفيلم أسئلة وجودية دون أن يعرض إجابات جاهزة. يتعامل بذكاء مع قضايا بيئية واجتماعية، ويلقي الضوء على المعاناة النفسية المرتبطة بفقدان الأمل. “Straw” ليس فقط عن النجاة، بل عن تمسك البشر بأي خيط مهما كان هشًا – تلك القشة التي قد تكون الفارق بين الحياة والموت.

    الرمزية التي تحملها “القشة” في العنوان قوية؛ فهي ليست مجرد شيء تافه، بل تمثل التعلق بأمل ضئيل وسط العدم. يسألنا الفيلم: ماذا يتبقى للإنسان عندما يُجرد من كل شيء؟ وهل تكفي مجرد فكرة، أو حلم، للمضي قدمًا في وجه العبث؟

    رغم أن الفيلم قد لا يناسب محبي الإيقاع السريع أو النهايات الواضحة، إلا أن قوته تكمن في صمته، في نظرته العميقة إلى النفس البشرية. يترك المشاهد في حالة من التفكير الطويل، ليس فقط حول قصة إيلارا، بل حول هشاشة واقعنا ومستقبلنا كمجتمعات.

    نجحت أنيا شارما في صياغة فيلم ناضج ومؤثر، يرسّخ حضورها كمخرجة تملك رؤية خاصة وجريئة. “Straw” لا يُشاهد فقط، بل يُعاش، يُفهم، ويُناقش. هو فيلم يتسلل ببطء لكنه يرسخ بعمق، ويؤكد أن السينما لا تزال قادرة على التأثير العاطفي الحقيقي.

    تنبه صحيفة البلاد مختلف المنصات الإخبارية الإلكترونية الربحية، لضرورة توخي الحيطة بما ينص عليه القانون المعني بحماية حق الملكية الفكرية، من عدم قانونية نقل أو اقتباس محتوى هذه المادة الصحفية، حتى لو تمت الإشارة للمصدر.