حقق مسلسل “لعبة الحبار” أرقاماً قياسية كأكثر مسلسل مشاهدة في تاريخ نتفليكس ما يعدأكبر استثمار رابح في تاريخها، كما كشف المسلسل عن التأثير الناعم للثقافة على المجتمعات كافة، وأنها رافد من روافد الاقتصادات الوطنية.
مشاهدات قياسية
حقق المسلسل أكثر من 660 مليون مشاهدة عالمية على مدار مواسمه الثلاثة، وفق بيانات “نتفليكس” حتى 30 يونيو 2025، كما احتل المرتبة الأولى في جميع الدول الـ93 التي تنشر فيها المنصة قوائمها لأكثر 10 أعمال مشاهدة، ليُرسّخ مكانته كواحد من أنجح الإنتاجات التلفزيونية في تاريخ المنصة، كما أضافت الشركة 4.38 ملايين مشترك جديد في الربع السنوي الذي شهد عرض الموسم الأول للمسلسل وفق بلومبيرغ.
حقق الموسم الأول 388.1 مليون مشاهدة، منها 142 مليون في أول 28 يوماً فقط منذ عرضه عام 2021. أما الموسم الثاني، الذي طُرح في 2024، فحقق انطلاقة نارية مع 68 مليون مشاهدة خلال أول 4 أيام، بإجمالي 212.5 مليون حتى الآن، ليكون أسرع المواسم تحقيقاً للمشاهدات، وفي عام 2025، واصل الموسم الثالث الزخم ذاته، جامعاً 60.1 مليون مشاهدة خلال أول 3 أيام فقط من عرضه.
عوائد خرافية
حقق الموسم الأول للمسلسل عائداً مباشراً لـ”نتفليكس” يتجاوز 900 مليون دولار، رغم أن تكاليف إنتاجه لم تتجاوز 21.4 مليون دولار، أي أن العائد تخطى التكلفة بأكثر من 40 ضعفاً.
كما ارتفعت القيمة السوقية لشركة “نتفليكس” بمليارات الدولارات خلال الأسابيع التالية للعرض الأو، وقدرت المنصة أن المسلسل ساهم بشكل مباشر في تعزيز أرباح الربع الأخير من 2021 بنسبة 13% عن المتوقع.
من رحم المعاناة
كما يقال دائماً من رحم المعاناة يولد الأمل ينطبق هذا المثال على هوانغ دونغ-هيوك، مبدع مسلسل “لعبة الحبار” ففي عام 2008، خطّ هوانغ سيناريو مسلسله الأيقوني، مستلهماً إياه من عمق معاناته المالية الشخصية ومستلهماً من الفجوة الاقتصادية المتزايدة في كوريا الجنوبية. لكن رؤيته، التي كانت جريئة جداً في حينها، قوبلت بالرفض القاطع من قبل شركات الإنتاج لأكثر من عقد كامل، فقد اعتبروها “عنيفة للغاية وغير واقعية ومحفوفة بالمخاطر”.
خلال تلك الفترة وصلت ذروة معاناة هوانغ دونغ إلى حد بيع جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به لتغطية نفقات الحياة، لكنه لم يستسلم، وواصل العمل على مشاريع أفلام أصغر، مثل “Silenced” و”Miss Granny”، والتي لاقت استحساناً واسعاً، لكنها لم تمنحه الشهرة العالمية التي كان يحلم بها.
في عام 2021، حدثت المعجزة التي غيرت حياة دونغ رأساً على عقب فقد قررت نتفليكس عرض المسلسل والذي تحول إلى ظاهرة عالمية غير مسبوقة، وحطم كل الأرقام القياسية ليصبح أكثر المسلسلات مشاهدة في تاريخ نتفليكس، ويعود ذلك إلى أن المسلسل لامس وتراً حساساً عند المشاهد بفضل تجسيده الواقعي للديون، اليأس، والصراع من أجل البقاء، وهي مواضيع متجذرة بعمق في الرؤية الأصلية لهوانغ.
القوة الناعمة
حققت الدراما الكورية ناجحاً ساحقاً وصل صداه إلى المجتمعات العربية فأصبح له جمهوره في الخليج وبلاد الشام ومصر والمغرب العربي، حيث أصبحت المنصات الرقمية تتهافت على توفير مسلسلات كورية مدبلجة باللهجات المختلفة لتجذب إليها المشاهد العربي، وبحسب تقرير ” جوجل تريندز” السنوي لعام 2024، فإن الدول العربية مثل السعودية ومصر والمغرب والجزائر تصدرت منطقة الشرق الأوسط وأوروبا في معدلات البحث عن مسلسلات مثل: Lovers of the Red Sky، وExtraordinary Attorney Woo، وThe Glory وSquid Game.
آراء الجمهور
كتب جونغ تشيول سانغ، وهو مدوّن سينمائي، في مراجعته للموسم الأخير: “قد تكون الدراما خيالية، لكنها تبدو أكثر واقعية من الواقع نفسه” وفق بي بي سي.
وأضاف: “العمل غير المستقر، بطالة الشباب، تفكك الأسر.. هذه ليست أدوات حبكة فقط، بل هي نفسها المعاناة التي نعيشها يومياً”.
انتقادات البث الرقمي
رغم الانتقادات، يرى هوانغ أن البث الرقمي هو الوسيلة الأنسب لعرض هذا النوع من الأعمال، نظراً لما يحتويه من محتوى قد لا يُناسب منصات التلفزيون التقليدي.
ورفض اتهامات بأنه يُروّج للعنف، مؤكدًا أن “الوحشية لطالما كانت جزءاً من التاريخ البشري”، لكن تعقيداتها اليوم أصبحت أكثر خفاءً.
نسخة أمريكية
في مقابلة مع مجلة The Hollywood Reporter، رد دونغ-هيوك مخرج المسلسل على الشائعات المتداولة حول وجود نسخة أمريكية من السلسلة، بعد ظهور النجمة العالمية كيت بلانشيت في المشهد الختامي من الموسم الثالث، الذي عُرض على نتفليكس في 27 يونيو 2025، حيث أثار ظهور بلانشيت بدور “المجنِّدة الأمريكية” تكهنات حول نية الشركة إنتاج نسخة أمريكية من المسلسل، إلا أن دونج-هيوك، قال: “لم أنهِ المسلسل بهذا الشكل بهدف التمهيد لأحداث مستقبلية، من خلال شخصيتي “جي-هون” و”الرجل المقنّع”، انتهت الألعاب في كوريا”.
وأضاف: “القصة بدأت من رغبتي في تسليط الضوء على قسوة المنافسة في ظل النظام الرأسمالي المتأخر، وأردت أن أُبرز من خلال النهاية أن هذه الأنظمة، حتى وإن انهار أحدها، فإن تفكيك النظام بالكامل ليس سهلاً، بل يعيد إنتاج نفسه باستمرار”.
وأوضح المخرج : “كتبت ذلك المشهد فقط لأترك أثراً درامياً، لا لفتح الباب أمام أعمال جديدة”.
وعن ارتباط اسم المخرج العالمي ديفيد فينشر، بإخراج نسخة أمريكية من “لعبة الحبار”، قال دونج-هيوك: “أنا من أشد المعجبين بأعمال ديفيد فينشر، خاصة فيلم Se7en.. إذا أخرج نسخة أمريكية من “لعبة الحبار”، فبالتأكيد سأكون أول من يشاهدها”، وفي الختام، أكد دونج-هيوك، أنه لم يتم التواصل معه رسميًا بشأن أي نسخة أمريكية من العمل حتى الآن.
علامة فارقة
قصة هوانغ دونغ-هيوك تُعد مثالاً ملهماً على المثابرة، فكرة اعتُبرت يوماً ما “متطرفة جداً” تحولت إلى علامة ثقافية فارقة، تقلد بسبب نجاحها بجوائز إيمي المرموقة، ونال إشادة دولية واسعة، ومكانة بارزة بين كبار المبدعين في تاريخ التلفزيون.