في عالم يشهد تقلبات اقتصادية متسارعة وتحديات جيوسياسية متزايدة، تبرز النجاحات التي حققتها دولة الإمارات العربية المتحدة في الاستقلال التدريجي عن الاعتماد على الموارد النفطية وتحقيق التنويع الاقتصادي. وتأتي الأرقام التي حققتها إمارة أبوظبي في مجال التجارة الخارجية غير النفطية خلال النصف الأول من عام 2025 لتؤكد نجاح هذه الاستراتيجية الطموحة.
سجلت التجارة الخارجية غير النفطية لإمارة أبوظبي قيمة إجمالية بلغت 195.4 مليار درهم خلال النصف الأول من عام 2025، محققةً نمواً استثنائياً بنسبة 34.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. ويعكس هذا الإنجاز الاقتصادي اللافت للنظر تحولاً جذرياً في البنية الاقتصادية للإمارة ونجاحاً لرؤيتها الاستراتيجية طويلة المدى الهادفة إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام.
ويأتي هذا الأداء المتميّز في سياق اقتصادي عالمي معقّد، حيث تواجه العديد من الدول تحدياتٍ في النمو الاقتصادي وتراجعاً في أحجام التجارة الدولية. لكن أبوظبي، بفضل استراتيجيتها المدروسة وبنيتها التحتية المتطورة، تمكّنت من تحقيق هذا النمو الاستثنائي الذي يضعها في مقدمة المراكز التجارية العالمية.
حققت إمارة أبوظبي نمواً إجماليّاً في التجارة الخارجية غير النفطية بنسبة 34.7%، إلى 195.4 مليار درهم إماراتي (53.20 مليار دولار)، مقارنة بـ145 مليار درهم إماراتي (39.48 مليار دولار) في الفترة نفسها من عام 2024، ويشير هذا الأداء إلى قدرة أبوظبي على جذب التجارة العالمية وتعزيز مكانتها كمركز لوجستي واقتصادي رئيسي في المنطقة. ويكشف التحليل التفصيلي للبيانات عن تفوق ملحوظ في أداء الصادرات غير النفطية، التي حققت نمواً استثنائياً بنسبة 64% خلال النصف الأول من عام 2025 لتصل إلى 78.5 مليار درهم، مقارنة بـ47.9 مليار درهم في النصف الأول من عام 2024.
وهذا النمو الكبير في الصادرات يشير إلى نجاح الاستراتيجيات الحكومية في تطوير القطاعات الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الإماراتية في الأسواق العالمية. كما سجلت الواردات نمواً أكثر اعتدالاً بنسبة 15% لتبلغ 80 مليار درهم، مقارنةً بـ70 مليار درهم في الفترة المقارنة. وهذا النمو المتوازن في الواردات يعكس زيادةَ الطلب المحلي والاستثمار في المواد الخام والسلع الوسيطة اللازمة للصناعات المحلية.
أما إعادة التصدير، فحققت نمواً قوياً بنسبة 35% لتتجاوز قيمتها 36 مليار درهم مقارنة بـ26.6 مليار درهم في الفترة نفسها من عام 2024، ما يؤكد دورَ أبوظبي المتزايد كمركز توزيع إقليمي وعالمي. هذا النمو في إعادة التصدير يعكس تطورَ البنية التحتية اللوجستية والخدمات التجارية المتطورة التي تقدّمها الإمارة.
وتأتي النتائج المتميزة لتجارة أبوظبي الخارجية غير النفطية في إطار نجاح أوسع لاستراتيجية التنويع الاقتصادي على مستوى دولة الإمارات ككل. فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي للدولة في عام 2024 قيمة قياسية بلغت 1.776 تريليون درهم، بنمو قدره 4% مقارنةً بالعام السابق. والأهم من ذلك أن القطاعات غير النفطية ساهمت بنسبة 76% من هذا الناتج، مقابل 23.5% فقط للقطاع النفطي.
ويعود النجاح الاستثنائي لتجارة أبوظبي الخارجية إلى عدة عوامل رئيسية، في مقدمتها الاستثمار الضخم في البنية التحتية اللوجستية والتجارية. فقد شهدت الإمارة تطويراً مستمراً لموانئها ومطاراتها ومناطقها الحرة، مما جعلها مركزاً لوجستياً عالمياً يربط بين القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا.إن موقع أبوظبي الاستراتيجي على الخليج العربي، إلى جانب استثماراتها في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، جعلها قادرة على تقديم خدمات لوجستية متطورة تجذب الشركات العالمية لاستخدامها كقاعدة لعملياتها الإقليمية والعالمية. وتلعب السياسات الاقتصادية المرنة والداعمة دوراً محورياً في تحقيق هذا النمو الاستثنائي. فقد تبنت حكومة أبوظبي استراتيجيات متقدمة في تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة، مع التركيز على الصناعات المتقدمة والتكنولوجيا والخدمات المالية والسياحة.
وتبقى الاستمرارية في تطبيق السياسات الاقتصادية الحكيمة والاستثمار في البنية التحتية والموارد البشرية هي المفتاح لضمان استمرار هذا النجاح وتحقيق المزيد من الإنجازات في المستقبل. إن أبوظبي والإمارات عموماً تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من النمو والازدهار، مسلحة بخبرة عقود من التطوير والتحديث، وبرؤية واضحة للمستقبل تضعها في مقدمة الاقتصادات العالمية الرائدة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
