محمد عبدالسميع (الشارقة)
إذا كان الوجه هو عنوان الإنسان، والعتبة الأولى لمعرفة ذاته وتفاصيله الحاضرة أو الغائبة، أو ذات الحضور الخجول اليوم، فإنّ ذهاب الفنانة التشكيلية والشاعرة الإماراتية ميرة القاسم إلى الوجوه النسائية ورسمها بشكل تجريدي يحمل الملامح، ولكن دون ظلال، هو اهتمام إنساني في المقام الأول لرؤية الفنانة والتقاطاتها لوجوه كثيرة مرّت عليها وتعيد إنتاجها اليوم، وفق فلسفتها الذاتية تجاه هذه الوجوه.

وهو ما حمله معرضها الفني «ملامح بلا ظلال»، الذي يقام في النادي الثقافي العربي بالشارقة، بحضور د. عمر عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة النادي، ود. عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، وعلي المغني، نائب رئيس مجلس إدارة النادي، بالإضافة إلى حضور نخبوي من الفنانين والمثقفين.
«الاسكتشات» أو الوجوه، وخاصةً حين ترسم بطريقة تجريدية، ذات أثر على المتلقي والمقتني النخبوي لهذه الأعمال، انطلاقاً من أنّه لا بدّ وأن تمر في حالات من الضعف أو التلاشي بعد الحضور، وهذا ما بدا واضحاً في عنوان المعرض الذي تجسّدَ من خلال 60 لوحة ذات أحجام صغيرة نقلتنا بين وجوه لم يكن لها ظلال بالمعنى التأويلي لدى الفنانة والشاعرة ميرة القاسم التي جمعت كل ذلك وصبّته كخبرة في هذه اللوحات.

وبرز الغياب واضحاً في وجوه الفنانة القاسم، حيث غياب الظلال هو ابتعاد عن المشهد مع حضور حييّ أو بسيط لهذه الملامح في الذاكرة، كما يتضح من هذه الوجوه الماضي الذي تستعيده الفنانة، وكأنها تشير إلى غيابات لوجوهنا وإنسانيتنا في المستقبل، باعتبار اليوم هو ماضٍ بعد عدد من السنين.
كما كانت الذكريات عملاً محرّضاً على الاحتفال بما تبقى من حياة قديمة، باعتبار الظلال في المعنى الفني والأدبي استمراراً لمعانٍ وتفاصيل سابقة أصبحت جزءاً من ذلك الماضي، لكنّ الفنانة القاسم، ومع تكثيفها لحالة الغياب وتلاشي الملامح، لفتت إلى نوع من الفرح كان يبرز خلال هذه التفاصيل وثنايا الوجوه في حالات دالّة على اختلاط المشاعر والذهاب بالحضور إلى عوالم من التفكير وإغماض العين على ما تحمله ذاتنا الإنسانية المتعبة مع الأيام.

الناقد والتشكيلي الدكتور عمر عبد العزيز رأى في وجوه الفنانة ميرة القاسم تجربة تستحق الوقوف عندها وقراءة فلسفتها، مشبّهاً رؤيتها برؤية الفنان «أماديو موديلياني» وأعماله التي تناولت انفعالات المرأة المكتومة، مع حضور لمسة ذاتية للفنانة وحضور للتداعيات اللونية المنغمة، خصوصاً والقاسم قد رسمت إلى جانب هذه الوجوه عدداً من المزهريات والأواني، مستنطقةً، كما رأى الدكتور عبد العزيز، قوانين التشكيل البصري عبر الرسم بالضوء من خلال الفوتوغراف، وخاصةً ما يتعلق بجماليات الفراغ الصحراوي، وهو ما يؤكد ثقافتها المتنوعة ما بين التشكيل والشعر والصحافة.
وحول معرضها، اهتمت الفنانة القاسم بمشاركة المتلقي وقراءته للأعمال دون التأثير عليه بشرح هذه الأعمال، باعتبار ذائقته الثقافية والبصرية هي التي تقوده إلى أفكار الفنانة وإحساسها واحتفائها بالماضي، وما تجلبه الوجوه من ذكريات محاطه بالشجن والزهور.
يشار إلى أنّ ميرة القاسم عملت في الصحافة، وصاحبة حضور في الفعاليات الشعرية المحلية والخارجية، في كلٍّ من الشعر النبطي والشعر الفصيح، إضافةً إلى كتابتها القصيدة المغنّاة لعدد من الفنانين الإماراتيين، وهي عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وسبق وأن شاركت في عدد من المعارض التشكيلية.