أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، أن ما وُجه من اتهامات للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بشأن موقفه من القضية الفلسطينية يمثل “ظلمًا فادحًا لا يستند إلى حقائق”، مشددًا على أن الله سيحاسب من روج لهذه الادعاءات.


وقال الدويري، خلال لقاء خاص ببرنامج “الجلسة سرية” مع الكاتب الصحفي والإعلامي سمير عمر، على قناة “القاهرة الإخبارية”: “الرئيس مبارك كان داعمًا بشكل كامل للموقف الفلسطيني، وهذا الدعم سيسجل في ميزان حسناته، منذ اتفاق أوسلو وغزة–أريحا وحتى نهاية عهده، لم تُحسب على مصر أي خطوة ضد الفلسطينيين”.


وأشار إلى اجتياز الحدود المصرية من قبل عناصر حماس عام 2008، قائلًا: “وصلتنا رسالة واضحة من الرئيس مبارك وقتها: سيبوا الناس تدخل، جائعين وعطشانين وعايزين يشتروا حاجاتهم.. سيبوهم كام يوم وبعدين هيرجعوا تاني. ولم تصدر أي أوامر بإطلاق النار، بل كانت تعليمات الدولة التعامل مع الموقف بهدوء ومسؤولية.”


وشدد الدويري على أن الرئيس الأسبق تعامل مع الملف الفلسطيني بعقلية “المناضل والمقاتل الوطني”، وهو النهج الذي يواصله الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم.


وفيما يخص اتفاقية “الوفاق الوطني” الفلسطيني، أوضح الدويري أنها: “صيغت بالكامل خلال عهد مبارك، بحرفيتها، وهي ذاتها التي وقعتها حماس لاحقًا دون أي تعديل بعد تنحيه، حتى المقدمة التي تضمنت شكرًا للرئيس مبارك لم تُقرأ أو تُناقش وقت التوقيع”.


وكشف أن صياغة الاتفاقية استغرقت ثلاث سنوات من الجهد المصري المتواصل، حيث قال: “حبسنا الفصائل – بالمعنى الإيجابي – داخل مقر جهاز المخابرات أيامًا متواصلة، من الصباح حتى الليل، حتى خرجنا بالوثيقة النهائية، وسافرت بنفسي أكثر من مرة لسوريا للقاء قيادات الفصائل”.


وأشار إلى أن الاتفاقية وُقعت عام 2011 في احتفال رسمي حضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وخالد مشعل، والدكتور نبيل العربي، ورئيس جهاز المخابرات مراد موافي، إلى جانب جميع الفصائل الفلسطينية وسفراء عرب وأجانب.


وأضاف: “اتفاقية 2011 هي المرجعية الأساسية لأي مصالحة فلسطينية، كانت شاملة وواقعية ومتوازنة، ولم يُصغ مثلها قبلها ولن يُصاغ مثلها بعدها.”


وأكد أن جميع الفصائل الفلسطينية تنظيمات وطنية بلا استثناء، وأن الهدف المشترك بينها هو مصلحة الشعب الفلسطيني، رغم تباين الوسائل والتكتيكات.

وأوضح الدويري، أن الفصائل المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية مثل فتح والجبهة الشعبية وفدا وجبهة التحرير العربية، تتبنى موقفًا موحدًا يقوم على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 والاعتراف بإسرائيل، في حين أن الفصائل الأخرى خارج المنظمة لا تعترف بإسرائيل، وهو ما يشكل إشكالية أمام تحقيق التوافق السياسي.


وأشاد الدويري بمواقف حركة الجهاد الإسلامي، واصفًا إياها بـ”الحركة الوطنية المحترمة”، مشيرًا إلى دور قادتها التاريخي في الحفاظ على وعي سياسي واضح رغم الخلافات بشأن ملف التسوية.


وشدد على أن السبب الأساسي وراء استمرار الانقسام الفلسطيني يعود إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الفصائل، خاصة حركتي فتح وحماس، مؤكدًا أن هذا الانقسام منح إسرائيل الذريعة لتكرار مقولتها بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض.


وأشار الدويري إلى وثيقة الأسرى عام 2006 باعتبارها محطة مهمة دعمت الموقف المصري لتوحيد الصف الفلسطيني، لكنه تساءل: “اليوم من هو الشريك الفلسطيني الفعلي؟ هل هي حكومة حماس في غزة أم السلطة في رام الله؟”

وفي سياق آخر، لفت الدويري إلى أن جميع الحروب الإسرائيلية السبع على قطاع غزة وقعت بعد الانقسام عام 2007، بينما لم تشهد غزة أي حرب قبل ذلك التاريخ، مؤكدًا أن هذا يعكس خطورة استمرار الانقسام على الشعب الفلسطيني.

كما استعرض موقف مصر خلال حرب غزة الأولى (2008–2009)، موضحًا أنها قادت مبادرة لإعادة الإعمار عبر مؤتمر دولي في شرم الشيخ شاركت فيه أكثر من 70 دولة، ورُصدت خلاله 5 مليارات دولار، لكن الانقسام السياسي حال دون تنفيذ أي من مشروعات الإعمار.


وأكد على أن مصر كانت ولا تزال تسعى لتوحيد الصف الفلسطيني، مشددًا على أن الأولوية القصوى يجب أن تكون لمصلحة الشعب الفلسطيني فوق أي اعتبارات فصائلية أو تنظيمية. مضيفا أن اجتياز الحدود المصرية من قِبل عناصر من حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية في 25 يناير 2008 شكّل “خطأً فادحًا” وتطورًا سلبيًا في مسار العلاقات بين مصر وحماس.


وقال الدويري، إنه كُلّف شخصيًا قبل أيام من الواقعة بتوجيه تحذير واضح إلى قيادات حماس من مغبة الإقدام على هذه الخطوة، إلا أن الحركة اتخذت قرارًا مسبقًا بالاجتياز تحت مبررات غير منطقية، أبرزها الحديث عن وجود حصار.

وأوضح أن مصر لم تكن تمارس حصارًا على غزة كما رُوّج آنذاك، مشيرًا إلى أن معبر رفح كان يُستخدم بشكل مستمر لإدخال مساعدات إنسانية، في حين استمرت التجارة بين غزة وإسرائيل بشكل ملحوظ.


وأضاف: “رغم خطورة الحدث، صدرت تعليمات واضحة من القيادة المصرية بعدم إطلاق طلقة واحدة على من يعبر الحدود، حفاظًا على الأرواح، وهو ما يعكس مسؤولية الدولة المصرية، رغم سقوط ضابط مصري وإصابة آخرين خلال الأحداث”. 


وأشار الدويري إلى أن القيادة المصرية تحركت سريعًا لاحتواء الموقف، حيث استُدعيت قيادات حماس من الداخل والخارج لاجتماع موسع، تم خلاله توجيه رسالة حاسمة بضرورة انسحاب جميع من دخلوا الأراضي المصرية، وهو ما استجابت له الحركة لاحقًا بعد أن أدركت أن مصر لا تساوم عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي. 


كما كشف الدويري أن الواقعة أثارت غضبًا رسميًا في القاهرة، وأدت إلى تجميد مؤقت للدور المصري في الملف الفلسطيني، قبل أن تستأنف مصر جهودها مجددًا عبر إطلاق حوار القاهرة 2008 الذي جمع جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء، في محاولة لرأب الصدع الداخلي.


وأكد أن علاقة مصر بالفصائل الفلسطينية ظلت “مميزة وشاملة”، إلا أن التركيز الأكبر كان على فتح وحماس باعتبار التوافق بينهما مفتاحًا لتحقيق نتائج عملية وفتح الطريق أمام بقية الفصائل للانخراط في أي اتفاق. واختتم وكيل المخابرات السابق بأن مصر تعاملت مع الأزمة بقدر عالٍ من الحكمة والاتزان، واضعة أمنها القومي فوق كل اعتبار، وفي الوقت نفسه حريصة على وحدة الصف الفلسطيني ودعم قضيته العادلة.