فاطمة عطفة
نظم جاليري «إريس للمشاريع الجميلة» معرضاً فردياً للفنان عمار العطار بعنوان «بقايا صامتة»، بإشراف المقيم الفني ناصر عبدالله. وتمتاز أعمال العطار بلمسات إبداعية خاصة تدعو للتأمل وإعادة قراءتها، حيث تمنح المشاهد إيحاءات ودلالات لم تكن واضحة من النظرة الأولى. فاللون والحركة والدلالة الخفية، التي توحي بها لوحته لتكسر الرتابة اليومية التي تحيطنا في مفردات الحياة، وتفتح أمام المشاهد فضاءً فكرياً يتجاوز برودة الصمت في «بقايا» الأشياء التي صورها ليضيف إليها لمساته الفنية المؤثرة وكأنها تحاور المشاهد عبر التفاصيل والألوان والدلالات، وتضع على كل لوحة بصمة الفنان الخاصة.

في حديثه لـ «الاتحاد» أشار الفنان عمار العطار إلى فترة التحضير لإنجاز هذا المعرض المهم، مؤكداً على أهمية الفكرة في العمل الفني، قائلاً، إنه في بعض الأعمال يمكن أن يعمل عليها أربع سنوات أو أكثر، إضافة إلى أن بعض الأعمال حديثة، وأكثر هذه الأعمال هي عن فن الأداء وكيف يتم التفاعل مع الأماكن التي يصورها، وهي أماكن كان يعمل فيها الإنسان ثم تركها إلى مكان آخر، ويوضّح ذلك بقوله: «كأني أعدت الروح للمكان، وهذه الأعمال تمت بالتصوير والفيديو، وفي بعضها رسمت على الصورة المصورة، لذلك هذا المعرض يتراوح بين التصوير والتشكيل والطباعة أيضاً».
ويعود الفنان العطار متحدثاً عن أهمية المكان الذي عشنا فيه مرحلة من حياتنا، فيقول:«المكان القديم، عندما يتم تصويره لأول مرة ونرجع إليه بعد فترة نراه مختلفاً، وتحدث تغيّرات عليه، والسؤال هو كيف يتعامل الفنان مع هذه التغيرات؟»، ويضيف: «في بعض الأماكن التي نذهب إليها كل فترة قد نرى حتى الإضاءة اختلفت في المكان نفسه، لذلك عندما أذهب إلى مكان معين في أوقات مختلفة، أحرص على أن تكون الكاميرا معي، لأن درجة الإضاءة وزاويتها تؤثر في المكان، وعليّ أن أتفاعل مع التغيرات التي حدثت من خلال حركة الكاميرا».
ويتابع العطار موضحاً أنه في بعض اللوحات استخدم القماش وغطى فيه شجرة لحمايتها، وعاد إليها بعد فترة فلم يجد الشجرة، ولا يعرف من قطعها، لذلك هو يتفاعل مع المكان ويرجع إليه عدة مرات، وهو يعتبر هذه الأعمال غير دائمة، بل تتغير كما يتغير كل شيء، حتى الإنسان يتغير. لذلك، يتم التوثيق للعمل من خلال الصورة أو الفيديو.
بين الرسم بالريشة وصورة الكاميرا، أين يجد الفنان العطار نفسه؟، يجيب: «بين فترة وأخرى، كنت أرسم على الصورة لأني أشعر أن الصورة لم تعبّر عن بعض الأفكار التي أريدها، فهذه الدوائر والصور التي تجدينها على الصورة تكون تجارب حصلت في اليوم نفسه، وقد وضعتها على الصورة كرسائل يتلقاها المتلقي بطريقته، وهي في نظر الفنان مثل رسائل لحظية يشتغل عليها، كما أن هناك تقاطعاً بالألوان يظهر على بعض الصور»، ويوضح العطّار ذلك بأن الصور أحياناً تكون أبيض وأسود، لكنه يشتغل عليها بالألوان وينسقّها باللون الأخضر الذي يعبر عن الحياة، بينما البنفسجي يعّبر عن الحركة، والأصفر الإضاءة والنور والأمل. ويقول:«هذه الألوان تعبّر عن مشاعري، لأني لا أخطط للوحة، بل أنفذها وكأنها قصيدة تكتب في لحظة».
وحول الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الفن والفنان نفسه، يرى العطار أن على الفنان أن يسخر هذه التقنية العلمية لما يريده، لأن الفنان يحمل تجارب إنسانية ومهما كان الذكاء الاصطناعي متطوراً، فالتجربة الإنسانية هي الفيصل، لكن من الممكن أن نستفيد من الذكاء الاصطناعي ونطوّر من عملنا الفني عبر أدواته التقنية.

من جانبها، تقول مديرة معرض «تراكمات صامتة» الفنانة مريم الفلاسي: «لدي هدف هو أن أبرز الفنانين الإماراتيين والخليجيين، وفي أبوظبي لدينا العديد من المتاحف والمعارض، وهناك دعم متواصل من مؤسسات الدولة للمبدعين، لذلك علينا أن نتابع ونبرز الفنون، وعندما التقيت مع الفنان عمار العطار، اكتشفت أنه يمتلك موهبة التصوير والرسم، لذلك اتفقت معه على تنظيم المعرض، وتم ذلك بالتنسيق مع المقيم الفني ناصر عبدالله».
ويؤكد مقيم المعرض الفنان ناصر عبدالله أن بينه وبين الفنان العطار حوار مستمر، وأنه كان موجوداً معه في مرحلة إنتاج هذه الأعمال، مبيناً أنه كان يتابع جميع الأعمال التي أنتجها الفنان، وخاصة أن هناك تحديات جديدة تصادف الفنان تجعله يقوم بتجارب مختلفة، ويستخدم خامات ومواد متنوعة لكي يعبر عن أفكاره وتجاربه. ويرى عبدالله أن عمار يطرح فكرة واحدة عبر كل هذه الأعمال المطروحة، وهي الحالة الإنسانية الموجود فيها، وإظهار الحياة اليومية التي كان يمر فيها الإنسان، مشيراً إلى أن «وجود هذا العنوان العريض للمعرض أو الثيمة جعلتنا نختار هذه الأعمال لمساعدة الفنان حتى ينجز أعماله ويختار المواضيع التي يشتغل عليها، هذا هو الدور الأساسي الذي يشتغل عليه المقيّمون في الإعداد للمعرض».
