كتب : رمضان يونس



08:34 ص


05/10/2025


كتب ـ رمضان يونس:

في صباح هادئ، وعلى غير العادة، أزقة ترسا في حي الطالبية تكاد تكون خالية من ضجيج الأطفال إلا القليل تزامنًا مع بداية المدارس، خرج “محمد اوزعه” ليعمل وردية على “توكتوك”، كما كل صباح يغدو كالطير خماصًا، لكن السيناريو اليومي المعتاد تغير، قبل أن يعود بقليل يغنيه عن السؤال.

لقاء وداع على مائدة الإفطار

كان لقاء “محمد اوزعه” الأخير مع جدته “الحاجة فاطمة”، وشقيقته “أم أدهم” على مائدة الإفطار في السابعة صباحًا الجمعة الأخير من سبتمبر الجاري، قبل أن يقصد عمله المعتاد كسائق وردية على “توكتوك” في حي الطالبية المزدحم: “قالي يا أم آدم نام انتي وستي فاطمة.. وأنا هطلع شغل ساعتين تلاته وحضري لي طقم عشان عندي فرح واحد صاحبي بليل عايز أحضره” تقولها “أم آدم”.

تيت

سائق ترسا و خطة ابن الجيران

بينما كان “محمد” يسير في شوارع ترسا بحثًا عن قوت يومه، تقابل قبل فريضة الجمعة، مع ابن الجيران “إسلام أبو اتاتا” على ناصية شارعهما، طالب الأخير من ابن الثلاث عقود أن يذهبا سويا لأقرب مستشفى زاعمًا أنه تعرض لوعكة مفاجأة. “قاله تعالٍ يا اوزعه وصلنى المستشفى عشان تعبان”، رضخ السائق لطلب ابن منطقته، معتبرًا أنه كأي زبون، لكن ما كان ينتظر فوق أي توقع.

ذبح في ظهر الجمعة بالكوم

في هِمة، وصل “أبو اتاتا”، و”أوزعة”، محتطهما الأخيرة “الكوم الأخضر”، على أمل أن ينقذه من الوكعة التي زعم أنه تعرض لها ابن الجيران، دون أن يدرما ستؤول إليه الأمور، دبّر مكيدة لقتل السائق بشكل مأساوي، في طريقهما للمستشفى سريا على الأقدام، استند “أبو اتاتا” على كتف ابن الجيران، لإظهار أمام الجميع أنه منهك من التعب، لكن خبايا كانت محاولاً تنفيذ جريمته بإتقان.

5eb148f0-cf8d-42e7-82d5-a95132057e52

طعنات الغدر في نص الشارع

هنا كانت المفاجأة؛ غافل “أبو اتاتا”، السائق “أوزعة” بسكين كان يخفيه في طي ملابسه بوابل طعنات أعقبه طعنتين أحدثتا قطع ذبحي بالرقبة أوقعته قتيلاً وتركه وفر هاربًا دون أي تدخل من الأهالي لإنقاذه من بطش البلطجي، في مشهد أرعب جميع من رآه:”أخويا كان رايح على نياته عشان يلحق يروح بيه المستشفى.. بس هو كان ناوي على أنه يغدر بيه قدام الناس كده” تقطع “أم أدهم” حديثها في بث مباشر لمصراوي: “ذنبه إنه كان جدع وراح بيه المستشفى”.

أنا قتلت اوزعة ياباشا

تأخر “محمد” في عمله على غير العادة، دفع جدته الحاجة “فاطمة” أن تنتظره أمام المنزل “طلعت اقعد قدام البيت انتظر حفيدي لما يرجع من الشغل”، دقائق معدودة ظلتها “فاطمة” التي تسير في عقدها السابع، حتى قطع صراخ “أبو اتاتا” صمت شارعهما الهاديء بكلمات غير مفهومة: “أنا قتلت أوزعة.. أنا قتلت أوزعة ..كان ماسك كلب و سكينة و بيهدد الناس في الشارع .. واي حد هيجي هقتله”، ظنت أن ما يقوله مجرد “طيش كلام”، لكن ثمة اتصال هاتفي من رقم مجهول لشقيقته “أم أدهم” أكد رواية “أبو اتاتا” الصادمة:”عايزينك في المباحث ..أخوكي متعور تعالي شوفيه”.

ed3d70ff-52a8-4fbe-b07c-6d78ddb8ab82

مشوارع اوزعة الأخيرة

في عجالة، قصدت “أم آدم” قسم الطالبية، على أمل تجد أخيها “محمد” سالمًا على غير ما أخبرها أهالي ترسا بما جرى له : “قالوا لي أبو اتاتا عورة بسكين في الكوم الأخضر”، أمام المُحضر اتهمت الأخت ابن الجيران “أبو اتاتا” بقتل شقيقها، في محضر رسمي، بعد أن أودع جثمان شقيقها في ثلاجة الموتى لحين توقيع الكشف الطبي عليه من قبل الطبيب الشرعي:” مكناش مصدقين.. كان جاي يتفاخر في الشارع أنه قتل أخويا”، لم يكتف إجرام عن هذا الحد، هدد جارته بأن مصير ابنها “إبراهيم” حتما سيكون مثل “محمد” كونه رفض أن يذهب معه المستشفى “قال لها انا هخلص على ابنك ..الدور عليه”.

3e0120b2-55b9-457d-aece-73c0768996bd

أبو اتاتا يتفاخر بالقتل

على أحد نواصي “ترسا”،وقع “أبو اتاتا”، في فخ كمين المباحث بعدما ارتكب جريمته “المباحث كانت بتدور على عشان كان متهم في قضية هتك عرض ..راح لقوة قاتل أخويا كمان”، تقطع الحاجة “فاطمة” حديث حفيدتها بالدموع حسرة على فقدان عكازها “اوزعه” :”كان هو اللي بيعولني وبيصرف عليه” تتذكر الجدة :” امه سابتهولي وهو لسه اخضر و ربيته وكبرته .. ملحقتش أفرح بيه”.

5eb148f0-cf8d-42e7-82d5-a95132057e52

لم يهدأ بال “أم أدهم”، حتى تعرف ما جرى لشقيقها، و ما أن كسر الليل بظلامه، ذهبت الأخت “الكوم الأخضر” (مكان وقوع جريمة القتل)، كي تسمع روايات الأهالي الذين شاهدوا الجريمة، انتفض قلبها من الخوف، حين شاهدت مقطع فيديو سجلته كاميرا مُراقبة يرصد لحظة قتل “أبو اتاتا” لشقيقها “محمد” ذبحا بسكين حال سيرهما في الشارع دون اي تدخل:” أبو اتاتا ماسك اخويا ومعاه سلاح ويطعن في رقبته بنص الشارع .. واخويا مش قادر يدافع عن نفسه”.

مأساة و صورة ذكرى ومشهد ذبح

مشهد ذبح “اوزعه” المأساوي لن يفارق بال “أم أدهم” لحظة واحدة، تغالب عيناها الدموع حين تشاهد صورة شقيقها “محمد” على منشور نعي من أحد من أصدقائه “الناس كلها كانت بتحب اوزعه ولو وحش محدش ينشر عنه كده”، لم تقتصر رسائل نعي “اوزعة” على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، على جدران أحد المنازل تعلو صورة “سائق ترسا” بابتسامته الهادئة تخليدًا لما تركه من سيرة طيبة بين كل من عرفه ” ضحية الكوم .. حق اوزعه فين #إعدام إسلام أبو اتاتا”.

e8aeec9d-1aa5-40ff-a339-18d7326ee90b

أمنية الأب المفقودة وسر لقاء محمد رمضان

والد “أوزعة” لم يتمالك على دموعه، يجلس أمام المنزل لا ينطق بأي شيء، يلقى اللوم على نفسه دوما، حين يتطلع على صورة ابنه المعلقة على جدران الشارع:” طلعت مرة مع محمد رمضان في برنامج “رمضان”، وقالي أنت بتتمني إيه قولت له، اتمنى اني ارجع بابني من القاهرة ويعيش مع اخوه التاني ونعيش في بيت واحد ..محققتش أمنيتي ..ابني راح غدر ومش عارف أعمل اي”.

الإعدام مش هيفشي غليلنا

أسرة “اوزعه” لا تطلب سوى القصاص العادل من الجاني “الإعدام مش هيفي غليلنا ..دبح ابننا في نص الشارع ..الناس طالعة من صلاة الجمعة اتفاجأت بابننا مذبوح ومرمى في الأرض ده يرضي مين”.