خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
الناتو وروسيا ـ ما هي السيناريوهات المحتملة التي قد تؤدي إلى “حرب شاملة”؟
يستعد فابيان ماندون رئيس الأركان الفرنسي لتجهيز القوات المسلحة لـ”مواجهة ستكون بمثابة اختبار” من جانب روسيا. حيث أكد الجنرال فابيان ماندون أمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية في 22 أكتوبر 2025: “روسيا بلد قد تُغريه فكرة مواصلة الحرب في قارتنا”. وأضاف فابيان ماندون: “الهدف الأول الذي وضعته للقوات المسلحة هو أن تكون مستعدة خلال ثلاث أو أربع سنوات لصدمة ستكون نوعًا من الاختبار. فالاختبار موجود بالفعل في أشكال هجينة، لكنه قد يصبح أكثر خطورة”. وحذر كبار القادة العسكريين والسياسيين في دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من احتمال أن تشن موسكو هجومًا على الحلف خلال السنوات المقبلة، وتتراوح التقديرات الزمنية بين عامي 2027 و2030. وفي أكتوبر 2025، عرضت المفوضية الأوروبية خارطة طريق لمساعدة العواصم الأوروبية على الاستعداد للحرب بحلول عام 2030.
الخطاب الفرنسي تجاه موسكو أصبح أكثر حدة
تقليديًا، كان الضباط العسكريون الفرنسيون أكثر تحفظًا من نظرائهم الأوروبيين في تحديد جداول زمنية أو الحديث علنًا عن احتمال هجوم روسي على الناتو. إلا أن الخطاب الفرنسي تجاه موسكو أصبح أكثر حدة خلال الربع الأخير من العام 2025، حيث صرّح الرئيس إيمانويل ماكرون: “أن أوروبا في مواجهة مع روسيا”. أوضح ماندون أمام النواب: “الافتراض بأن غزو أوكرانيا عام 2022 هو الهجوم الأخير، وأنه لن يتكرر على قارتنا، يعني تجاهل الخطر الذي يواجه مجتمعاتنا”. مضيفًا: “إن الروس يعيدون تنظيم صفوفهم بهدف واحد في أذهانهم: مواجهة الناتو”. ومع ذلك، أشار الجنرال الفرنسي إلى أن: “أوروبا هي المستوى الصحيح لمواجهة تحدياتنا”. ويؤكد ماندون: “أن حملة إعادة التسلح الفرنسية تمثل بالفعل إشارة ردع لروسيا”، قائلاً: “إذا شعر خصومنا بأننا نبذل هذا الجهد، فقد يتراجعون. أما إذا شعروا بأننا غير مستعدين للدفاع عن أنفسنا، فلا أرى ما الذي يمكن أن يردعهم”.
روسيا تراهن على الانقسام داخل حلف الناتو
كشف تقرير أن روسيا أمضت أكثر من عقد من الزمن في الحصول على تقنيات غربية متقدمة لبناء نظام سري للمراقبة تحت الماء في القطب الشمالي، يهدف إلى حماية ترسانتها النووية. وبحسب مشروع البحث الدولي “الأسرار الروسية” فقد اشترت شركات روسية سفن مسح وروبوتات تحت الماء وأنظمة سونار وكابلات خاصة من عشر دول أوروبية على الأقل، إضافة إلى الولايات المتحدة واليابان وكندا. يشير التقرير إلى أن من بين الأمثلة على ذلك شراء السفينة البحثية السابقة MV Aquarius Dignitus عام 2020 من قبل شركات مرتبطة برجل الأعمال الروسي أليكسي س. ومن خلال شركته المسجلة في قبرص Mostrello، يُعتقد أن أليكسي استخدم شبكة من الشركات لشراء تقنيات بحرية حساسة لصالح مشروع عسكري سري يُعرف باسم “هارموني”.
يُقال إن هذا النظام يتألف من شبكة من أجهزة الاستشعار تحت الماء القادرة على تتبع الغواصات الغربية وتأمين قواعد الغواصات النووية الروسية في القطب الشمالي. وتعتبر وكالات الاستخبارات الغربية هذا المشروع بالغ الحساسية في ظل تصاعد التوترات في المنطقة وتعزيز موسكو وجودها العسكري في شبه جزيرة كولا قرب مورمانسك. يرى محللون أن الموقع الاستراتيجي لهذه الشبكة قد يمنح روسيا القدرة على استهداف كل من الولايات المتحدة وأوروبا بسرعة باستخدام صواريخها.
يتوقع الخبير العسكري الألماني وأستاذ العلوم السياسية كارلو ماسالا أن تراهن روسيا على وجود انقسام داخل حلف الناتو بشأن تفعيل مبدأ الدفاع الجماعي، مما سيدفعها إلى تنفيذ توغل محدود في الجناح الشرقي للحلف خلال السنوات الثلاث المقبلة. حيث يتوقع ماسالا بأن الكرملين قد يقدم على خطوة عسكرية ضد إستونيا في عام 2028، إذ توجد في موسكو دوائر لا تعتقد أن جميع أعضاء الناتو سيدعمون تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تنص على أن الهجوم على أي عضو يُعد هجومًا على الجميع.
اتهامات روسية بالاستفزاز
اتهمت إستونيا روسيا بسلسلة من الاستفزازات، كان آخرها تحركات غير معتادة للقوات الروسية قرب حدودها خلال أكتوبر 2025، ما دفع تالين إلى إغلاق نقطة التفتيش الحدودية بالقرب من أحدى المعابر. أوضح وزير الخارجية الإستوني مارغوس تساخنا: “أن المسؤولين رصدوا سبعة جنود روس مسلحين على الجانب الروسي من طريق يقع في جنوب شرق البلاد ويمر جزئيًا عبر الأراضي الروسية. وقد أوقفت السلطات الإستونية حركة المرور على الطريق مؤقتًا لتجنب أي حوادث محتملة”.
من بين التصرفات الأكثر جرأة من موسكو، دخول طائرات من طراز “ميغ-31” المجال الجوي الإستوني في سبتمبر 2025، وهو ما نفاه الكرملين، لكنه يُظهر بحسب كارلو ماسالا، الخبير العسكري الألماني وأستاذ السياسة “أن روسيا باتت أكثر تهورًا في اختبار قوة الردع لدى الناتو”. أضاف ماسالا: “إذا كنت تؤمن بفاعلية الردع، فلن ترسل ثلاث طائرات مقاتلة للتحليق فوق أجواء إستونيا لمدة 12 دقيقة، ربما تفعل ذلك بطائرة واحدة، لكن ليس بثلاث”. لجأت إستونيا إلى المادة الرابعة من ميثاق الناتو، التي تنص على إجراء مشاورات بين الدول الأعضاء، لكن ماسالا أشار إلى أن: “بعض الأعضاء شددوا على احتمال أن تكون الحادثة مجرد خطأ غير مقصود”. يرى ماسالا: “أن ردود الحلف المنقسمة قد تصبح أكثر وضوحًا في المستقبل، وقد تستغلها موسكو بعد اتفاق سلام في أوكرانيا يكون في صالحها”.
اختبار روسي للمادة الخامسة
أوضح ماسالا: “إن هجومًا واسع النطاق ضد إحدى دول البلطيق أو بولندا سيرفع احتمالات تفعيل المادة الخامسة إلى مستويات عالية جدًا، وهو ما لن تقدم عليه روسيا، أما الاستفزازات الصغيرة فستؤدي إلى انقسام الحلف إلى معسكرات مختلفة دول ترغب في الرد العسكري الفوري، وأخرى تفضل التفاوض، وثالثة تأمل في انتهاء الأزمة بسرعة، وقد يعزز هذا السيناريو صعود التيارات اليمينية في أوروبا خلال السنوات المقبلة، والتي تقل درجة التزامها تجاه الناتو، والروس يستغلون هذا الوضع”.
استعرض ماسالا ما قد تفعله موسكو في حال انتهت حرب أوكرانيا بشروط مواتية لها، مثل تنازل كييف عن 20% من أراضيها ومنعها من الانضمام إلى الناتو مع ضمانات أمنية محدودة”. وتحدث عن استفزاز روسي محدود يتمثل في توغل في مدينة نارفا الإستونية بذريعة حماية السكان الناطقين بالروسية، مستنسخًا الأسلوب الذي استخدمته روسيا في دونباس عام 2014. كما يتصور ظهور جنود روس في جزيرة “هييومآ” بدعم من أسطول بحر البلطيق الذي يمكنه فرض حصار على دول البلطيق. ستعزز تلك العمليات حدوث أزمات موازية، مثل تصعيد في بحر الصين الجنوبي بين بكين ومانيلا، وأزمة مهاجرين في جنوب أوروبا، ما سيضعف استجابة المجتمع الدولي والناتو.
يرى ماسالا: “أن طموحات الكرملين ستستمر حتى بعد رحيل الرئيس فلاديمير بوتين، مع تركيزها على بسط النفوذ في أوروبا الشرقية”. وأضاف: “طالما استمر الناتو في الرد على هذه الاستفزازات وظلت الولايات المتحدة حاضرة في أوروبا، فلن تتمكن روسيا من السيطرة سياسيًا أو اقتصاديًا على دول شرق أوروبا، لكن بمجرد انهيار الناتو سيصبح الأمر أسهل، إذ إن عدم تفعيل المادة الخامسة سيؤدي إلى تفككه”.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=110870
