أحمد عاطف (القاهرة)
قال الكاتب والأديب المصري محمد سلماوي، شخصية العام الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب لعام 2025: «إن تكريم الشارقة لي يمثّل قيمة خاصة وفريدة، مضيفاً أن تكريمها غير أي تكريم آخر، لأنني من المعجبين بتجربتها وبما حققته من نهضة ثقافية فريدة، تحت قيادة حاكمها المثقف وراعي الثقافة الكبير صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة».

وأوضح سلماوي لـ «الاتحاد» أن الشارقة استطاعت خلال سنوات قليلة أن تتحول إلى واحدة من أهم العواصم الثقافية في الوطن العربي، بفضل بنيتها التحتية الثقافية المتكاملة من متاحف ومعارض ومكتبات وفعاليات ثقافية على مدار العام، ربما كان أبرزها معرض الشارقة الدولي للكتاب.
أوضح سلماوي بأن قيمة هذا التكريم تتضاعف لأنه يأتي من مدينة عربية ترفع لواء الفكر القومي العربي، مشيراً إلى أن: «الشارقة بقيادة حاكم الشارقة تمثل معقلاً من معاقل الفكر العربي والهوية الثقافية الجامعة، وهو ما يمنح التكريم من جانبها أبعاداً بالغة الأهمية بالنسبة لي شخصياً».
صياغة الهوية
وأكد سلماوي إلى أن المثقف هو وحده القادر على صياغة الهوية الثقافية الجامعة وتوحيد الوجدان العربي، لأن الثقافة وحدها تخاطب الضمائر وتصوغ الوعي الجمعي للشعوب، ومن هنا تبدأ الوحدة في النفوس قبل أن تتحقق على الأرض، لافتاً إلى أن المثقف اليوم أمام مسؤولية دقيقة وتاريخية في ترميم الوعي العربي وتعزيز الانتماء القومي.
وعن تقييمه للحالة الثقافية في العالم العربي، قال سلماوي: «أنا من المؤمنين بأن الثقافة ليست رداء نرتديه في وقت ثم نخلعه في وقت آخر، بل هي جزء من كيان الأمة العربية ومن حمضها النووي».
هوية ثقافية
وأضاف أن الهوية الثقافية العربية ليست مصنوعة بل مُدركة، قد تَغيب أحياناً وراء غيوم الأحداث، لكنها لا تزول لأنها متجذرة في التاريخ والوجدان، معتبراً استعادة إدراك هـــــــذه الهوية يحتاج إلى جهد ومثابرة، ومع هذا الإدراك سيعود وجه الثقافة العربية ناصعاً مضيئاً كما كان في فترات النهضة.
دوافع الكتابة
وعن دوافعه للكتابة، قال سلماوي: «أكتب لأن بداخلي ما يتوق إلى الكتابة، فالكاتب في حالة ميلاد دائمة، والعمل الإبداعي يفرض نفسه عليه ولا يملك إلا أن يطيعه».
التجربة الأدبية
وأوضح سلماوي بأن تكوينه الفكري والأدبي تشكّل في سنوات المدّ القومي العربي خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات، حيث تربّى جيل بأكمله على أحلام التحرر والوحدة العربية والعدالة الاجتماعية، معتبراً أن هذه المبادئ لا تزال المحرك الأساسي لكل ما يكتب، سواء في رواياته أو مسرحياته، لأن الـــــــهمّ العربي هو دافعه الأول للكتابة، والموجه الأكبر لرؤيته الفكرية والأدبية.
الأدب والصحافة
يتحدث الكاتب المصري عن رحلته بين الصحافة والمسرح والكتابة الأدبية، قائلاً: «أنا كاتب أبدع في أشكال متعددة، أي أن مهنتي هي التعبير بالكلمة، وقد تكون الكتابة أدبية أوصحفية رغم الفارق الكبير بين كل منهما، فالفكرة الأدبية تأتي دائماً مرتدية شكلها الخاص، الذي قد يكون روائياً أو مسرحياً أو في شكل قصة قصيرة». وأوضح أن الأديب لا يختار شكل عمله كما يفعل الصحفي، بل تأتيه الفكرة مقترنة بجنسها الأدبي، فينصاع لها، مضيفاً: «الفرق الجوهري بين الأدب والصحافة أن الصحافة تهتم بما هو آني، تصف الحدث في لحظته، بينما الأدب يتأمل المشهد الإنساني ككل، ويرى الغابة بأكملها لا الشجرة الواحدة، من هنا نجد الأدب كثيراً ما يستشرف المستقبل».
وأشار سلماوي إلى أنه فوجئ حين صدرت روايته «أجنحة الفراشة» عام 2010 بأن الثورة التي تنبّأت بها الرواية وقعت بالفعل بعد أسابيع في ميدان التحرير، كما وجد في مسرحيته «الجنزير» ما يشبه النبوءة بانزلاق المنطقة إلى أيدي التيارات المتطرفة بعد سنوات، مؤكداً أن الأدب بطبيعته استشرافي، بينما الصحافة آنية.
محطات بارزة
عن أبرز المحطات التي شكّلت وعيه الثقافي، قال سلماوي: «البداية كانت من الأبوين، فوالدي غرس في حب الوطن وعلمني الطموح، ووالدتي الفنانة التشكيلية غرست في حب الجمال، وهما الركيزتان اللتان قام عليهما مشروعي في الحياة».
الأصالة والانفتاح
تطرّق حديث سلماوي إلى كيفية الحفاظ على أصالة المؤسسات الثقافية العربية مع الانفتاح العالمي، قائلاً: «الحفاظ على الهوية لا يعني الانغلاق، بل التفاعل والتلاقح مع الثقافات الأخرى، موضحاً أن الانفتاح هو الذي يبرز تميز الثقافة العربية، ويؤكد معالمها، مشيراً إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب في انفتاحه على الثقافات الآخرى، وهو مايدعم ثقافتنا العربية ويبرز تفردها». وأضاف أن الإنسان الصحيح هو الذي يتفاعل مع الحياة ولا الذي يخشاها، وكذلك الثقافة العربية فهي لا تزدهر إلا بالانفتاح الواعي الذي يختبر ذاتها ويُثريها.
الكتاب الورقي
عن مستقبل الكتاب الورقي أمام الثورة الرقمية، قال سلماوي: «الكتاب سيبقى ما دام الإنسان موجوداً، سواء كان ورقياً أو إلكترونياً أو مسموعاً، وكل هذه الأشكال هي وسائل لتوسيع انتشار المعرفة وليست بدائل يلغى أحدها الآخر».
وأشار إلى أنه مع اختراع السينما قيل إن المسرح سيموت بعد اختراع السينما، وقيل أن السينما ستموت بعد التليفزيون، لكنها جميعاً بقيت لأن لكل فنٍّ وظيفته التي لا يعوضها الآخر، موضحاً أن الإنترنت لن يلغي الكتاب، فالإنترنت أسرع في توصيل المعلومة، لكن الكتاب يمنح المعرفة، والفرق كبير بين المعلومة والمعرفة.
