تحولت الصحاري القاحلة الممتدة شرق القاهرة إلى واحدة من أكبر الحدائق الحضرية في الشرق الأوسط، بعدما اكتمل الجزء الرئيسي من مشروع النهر الأخضر بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وباتت الأشجار الاستوائية والنباتات الملونة من الصفصاف البكاء إلى الفرشة الحمراء والكاسيا الصفراء والوردية ونخيل البسمارك الفضي ترسم لوحة نباتية غير مسبوقة على امتداد عشرات الكيلومترات من المساحات الخضراء والبحيرات الاصطناعية.

آخر ما توصلت إليه الأعمال بحدائق النهر الأخضر في العاصمة يظهر بنهاية الصورة حي المال والأعمال والبرج الأيقوني من تصوير مصطفى تونيواحة نباتية نادرة في قلب الصحراء

يمتد النهر الأخضر لأكثر من 35 كيلومترًا، في واحد من أضخم مشاريع التخطيط العمراني في المنطقة. وبينما كانت المنطقة قبل سنوات قليلة صحراء جرداء تعجز حتى الزواحف عن البقاء فيها، تحوّلت اليوم إلى ممر أخضر نابض بالنباتات والظلال ومسارات المشي والدراجات.

مخطط حدائق النهر الأخضر بمراحله الثلاثة – يشق النهر العاصمة الجديدة إلى نصفين شمالي وجنوبي

وتضم الحديقة شوارع مظللة بالكامل بأشجار الصفصاف البكّاء ذات الفروع المنحنية ناحية الماء، وأحزمة كثيفة من شجر الفرشة الحمراء (كاليستيمون) ذات الأزهار الحمراء الأسطوانية، إلى جانب غابات من شجرة شلالات الذهب (كاسيا فيستولا)، وشجرة البينك شاور (كاسيا جافانيكا) ذات الإزهار الوردي.

المهندس المصري أشرف عبد المحسن أثناء تصميم حدائق النهر الأخضر في العاصمة الجديدة

كما تنتشر في المساحات المفتوحة شجرات اللوز الاستوائي (ترمناليا) بأوراقها الشهيرة، إضافة إلى نخيل بِسمارك الفضي الذي يُعد من بين أفخم أنواع النخيل المستخدمة في الحدائق العالمية.

أشجار اللوز الاستوائي – مصطفى تونيتصميم حدائق بمقاييس عالمية

تكشف الصور الملتقطة من داخل النهر الأخضر اعتماد المشروع على أحدث مدارس تصميم الحدائق العالمية، حيث تتجاور الكتل النباتية ذات الألوان الصفراء والبنفسجية والأحمر الداكن مع ممرات حجرية مظللة بالكامل، بينما تمتد البحيرات الصناعية وسط زراعة دقيقة تحيط بها منصات جلوس ومنحدرات طبيعية ومسارات طويلة لركوب الدراجات والجري.

اقرأ أيضا.. اللاعب الفرنسي باتريك موراتجلو يؤسس أكاديمية للتنس في مصر

أشجار الصفصاف على كورنيش البحيرة بالنهر الأخضر – مصطفى توني

ويُظهر التوزيع النباتي أن الهدف لا يقتصر على التنسيق الجمالي، بل يقوم على فلسفة تصميمية تجعل لكل منطقة طابعًا لونيًا وبصريًا مستقلًا فالمداخل تعتمد على نباتات ذات تدرّجات دافئة، بينما تكتسي المسارات الداخلية بأشجار عريضة الفروع، وتلتف حول حواف البحيرات نباتات متحملة للمياه مثل الصفصاف والغطاءات الأرضية منخفضة النمو، وهو ما يعكس دقة في التخطيط وعمقًا في التوظيف البيئي.

نخيل البسمارك الفضي – تصوير مصطفى تونيالنهر الأخضر كمحور عمراني للمدينة الجديدة

يمثل النهر الأخضر العمود الفقري للعاصمة الإدارية، ليس من الناحية البيئية فقط، بل العمرانية أيضًا. كما يخدم على المشروع الجديد شبكة نقل جماعي متطورة تسهل عملية الوصول إليه.

أشجار الفرشة الحمراء أو البوتبلروش الأحمر – تصوير مصطفى توني1-المونوريل شرق النيل (في الشمال)

يمر خط المونوريل على طول الجانب الشمالي للنهر، ويربط العاصمة بالقاهرة الكبرى عبر محطة الاستاد بالمترو.
محطات المونوريل مثل:
CBD – الحي الحكومي – مدينة الثقافة والفنون – الأحياء السكنية
تقع كلها على مسافات مشي قصيرة من أجزاء مختلفة من النهر.

وبذلك يستطيع أي زائر من شبرا أو إمبابة أو المعادي أو حتى من غرب القاهرة الوصول للنهر الأخضر دون الحاجة لسيارة.

من الأقمار الصناعية يظهر النهر الأخضر وداخل المستطيلات الخضراء تظهر محطات المونوريلالنهر الأخضر العاصمة الإداريةلقطة مقربة لإحدى محطات المونوريل(2) الترام الهيدروجيني (في الجنوب)

ومن الجنوب، مخطط أن يتم تنفيذ أول خط ترام يعمل بالهيدروجين في مصر.

يمر الخط بمحاذاة الحديقة ويخدم الحركات الداخلية للعاصمة سريعًا وبهوس منخفض، بما يسمح باستخدامه داخل نطاق المساحات الخضراء دون إزعاج بيئي أو صوتي.

هذا التوزيع المزدوج مونوريل سريع في الشمال، وترام هادئ من الجنوب يخلق “إحاطة نقلية” حول النهر الأخضر وتربطه بكافة أحياء القاهرة الكبرى وتنجز مدة الوصول إليه في أقل من ساعة.

مسار ترام العاصمة موازي لطريق بن زايد الجنوبي ومقابل لمسار المونوريل شمال العاصمةبحيرات صناعية ومسارات مائية هندسية

تُظهر الصور ممرات مائية ذات جدران انسيابية وممشى معدني حديث، محاطة بنباتات أرضية مزهرة. وهو تصميم يشابه حدائق مارينا باي في سنغافورة وكريك بارك في دبي وسنترال بارك في نيويورك.

النهر الأخضر العاصمة الإداريةحدائق النهر الأخضر بعدسة مصطفى توني

ووجود المياه في قلب الصحراء بهذا الشكل ليس عنصرًا جماليًا فقط، بل يعزّز مناخًا محليًا أكثر رطوبة واعتدالًا، ويمنح الحياة النباتية في الموقع بيئة أكثر استقرارًا.

النهر الأخضر العاصمة الإداريةأشجار البينك شاور او ماتعرف بـ(كاسيا جافانيكا) تكسو ممرات النهر الأخضر – مصطفى تونيثورة في تصميم المدن في مصر

من صفصاف يبكي عند ضفاف المياه، إلى نخيل فضي يلمع في الشمس، ومن ممرات مزروعة بالزهور الحمراء إلى بحيرات ذات حواف هندسية أصبح النهر الأخضر نموذجًا ملموسًا لما يمكن أن يحدث عندما تُصمَّم المدن وفق رؤية مستدامة تمتد عقودًا للأمام.

النهر الأخضر العاصمة الإداريةحدائق النهر الاخضر – مصطفى توني

وما بدأ كصحراء قاحلة صار اليوم حديقة كبرى تحتضن ألوانًا ونباتات وأنظمة نقل لم تكن موجودة في أي مدينة مصرية من قبل في سابقة قد تغيّر مفهوم العمران في البلاد.

نسخ الرابط
تم نسخ الرابط