رتب الفنان محمد فوزى سهرة فنية فى منزل أحد الأطباء المشهورين وقتها، وهو الدكتور زكى سويدان أحد عشاق أم كلثوم الكبار، واتفق مع الموسيقار الشاب بليغ حمدى على حضور السهرة.


كان بليغ حمدى، فى مراحله الفنية الأولى، قد ارتبط مع فوزى بصداقة وطيدة، يصفها الإعلامى، وجدى الحكيم، قائلا: «أيقن فوزى بفراسته أنه أمام موهبة فذة فى التلحين، فقربه إليه واحتضنه على المستوى الفنى والإنسانى»، ويضيف فى شهادته للكاتب الصحفى أيمن الحكيم، فى كتابه «بليغ حمدى- مذكرات شخصية وشهادات مثيرة لرفاق الرحلة»: «محمد فوزى كان فنانا أصيلا فقلما تجد ملحنا يحتضن مالآخر، ولكن إيمانه بموهبة بليغ جعله ينسى الغيرة وكل نوازع النفس البشرية ويقف وراءه ويساعده، وكان فوزى من أصدقاء أم كلثوم المقربين رغم أنه لم يلحن لها».


يكشف «بليغ» ما حدث معه فى السهرة الفنية بمنزل الدكتور زكى، سويدان، ففى  ملف خاص عنه أعدته مجلة «الشموع»، عدد يناير 1995، تنقل على  لسانه أن الشاعر عبدالوهاب محمد أسمعه قبل هذه السهرة بفترة كلمات أغنية ألفها هى:«حب إيه اللى، انت جى، تقول عليه»، وأعجبه الكلام ولحن مطلعه، ويضيف: «أخذت أردده فى المجالس التى تضمنى مع زملائى، الفنانين، ولما ذهبت إلى السهرة التى دعانى إليها محمد فوزى عرفت فيما بعد أنها كانت مهيأة سلفا، وأن أم كلثوم سمعت بعض ألحانى، فأرادت من باب الفضول أن تتعرف على، وهكذا تم ترتيب السهرة بحيث يكون لقائى بها طبيعيا».


يتذكر «بليغ» أن السهرة ضمت عازف الكمان أنور المنسى، والمطرب عبدالغنى السيد، والشاعر مأمون الشناوى، ويؤكد: «أذكر أن الكلفة ارتفعت بينى وبين المطربة العظيمة من أول لحظة، وخصوصا عندما طلب منها أحد الساهرين أن تسمعنا شيئا، فالتفتت إلى أنور منسى ودعته إلى العزف على كمانه، ثم طلبت عودا وأعطته لى، وقالت: «تفضل، اسمعنا شيئا من ألحانك، وأسرع محمد فوزى يطلب أن أغنى، «حب إيه»، وكان أنور منسى يحفظ اللحن جيدا منى فى سهراتنا الخاصة، غنيت، واستعادت أم كلثوم اللحن مرة ومريتن وثلاثة، وطربت له، وسألتنى، لماذا لم أكمله، فأجبتها بأننى، لم أجد سببا للاستعجال، وهنا طلبت منى أن أفوت عليها بكرة».


يكشف «بليغ» أنه ذهب إليها فى بيتها، وكان ظنه أنها ستطلب منه ألحانا لابن شقيقها «إبراهيم خالد» الذى كان يفكر فى احتراف الغناء وقتئذ، وبالفعل تكلمنا فى شأنه واتفقت معه على عمل لحن له، ثم قالت له: «تيجى، نتسلطن شوية»، وأتت بالعود، وأعطته له وطلبت منه أن يعيد ما غناه أمس فى السهرة.


غنى بليغ ثم سألته عن المؤلف فأخبرها بأنه شاعر يعمل مهندسا فى  شركة، اسمه عبدالوهاب محمد، فطلبت منه أن يستدعيه فورا، وبالفعل حضر واستمعت منه إلى باقى الكلمات، وبعدها قالت: «اسمع يا بليغ، من غير زيطة ولا حد يعرف، اشتغل فى الأغنية دى»، سألها: هو حضرتك هاتغينها»، فأجابت: «أيوه لكن ما تحملش همى، خليك زى ما انت، اشتغل فى اللحن على راحتك».


نزل «بليغ» من بيت أم كلثوم، وفى عشرة أيام فقط انته من تلحينه أغنية «حب إيه اللى، انت جى، تقول عليه»، وقدمتها فى بداية موسمها الشتوى، 1 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1960، وكانت هى  الوصلة الثانية بعد أغنيتها القديمة «هجرتك يمكن أنسى هواك»، تلحين رياض السنباطى، وكلمات أحمد رامى، وقبل أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» كلمات بيرم التونسى، وألحان زكريا أحمد. 


وضعت هذه الأغنية «بليغ» على «أول سلالم المجد» بتعبير وجدى الحكيم، فدخوله ضمن قائمة ملحنى أم كلثوم جعله ضمن الكبار، رغم أن عمره وقتئذ 29 عاما فقط «مواليد 7 أكتوبر 1931»، وكان رصيده الفنى فى التلحين، لحنين لعبدالحليم هما «تخونوه» و«خسارة» عام 1957، ولفايزة أحمد «تسلم لى، عينيك الحلوين» عام 1959، ولشادية «أحبك أوى» و«مكسوفة منك» عام 1959.


اجتمعت عوامل كثيرة لتجعل من تعاون بليغ وأم كلثوم حدثا لافتا للأنظار وفريدا، حيث جاء بعد أكثر من عشر سنوات احتكر فيها الموسيقار الكبير رياض السنباطى، صوتها فيما يعرف بالمرحلة السنباطية فى تاريخها، كما حدث اللقاء فى وقت لم تكن قد تعاونت فيه مع الموسيقار محمد عبدالوهاب.


يرى الموسيقار عمار الشريعى فى لقاء لى معه أن هذا اللقاء قربها من الشباب، ولا ينكر بليغ نفسه أن صغر سنه كان مثار دهشة، قائلا: «فى أول بروفة تجمعنا لأغنية «حب إيه» ذهبت إلى فيلتها بالزمالك، دخلت على الموسيقيين، وبعد قليل أتت وقالت لى: «فلنبدأ يا ابنى.. فين العود؟».