
صدر الصورة، Ed Habershon / BBC
التعليق على الصورة، يقول عبد القادر عبد الله علي إن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا يطلقون الرصاص الحي على الناس الفارّين من الفاشر.Article InformationAuthor, باربرا بليت آشرRole, مراسلة الشؤون الأفريقيةReporting from الدبّة، السودان
قبل 4 ساعة
تحذير: يحتوي هذا التقرير على تفاصيل قد يجدها بعض القرّاء صادمة.
عانى عبد القادر عبد الله علي من تلف شديد في أعصاب ساقه خلال الحصار الطويل لمدينة الفاشر في السودان، نتيجة عدم تمكنه من الحصول على أدوية السكري.
ورغم أن عبد القادر يبلغ من العمر 62 عاما، ويمشي مع عرج شديد، لكن حالة الذعر التي تملكته مع سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة الواقعة في إقليم دارفور جعلته لا يشعر بالألم أثناء الفرار.
يقول: “في صباح يوم وصول قوات الدعم السريع، كان هناك رصاص كثير وانفجارات مستمرة”.
ويضيف: “كان الناس يركضون في كل اتجاه، الأب، الابن، الابنة… الجميع يهرول للخروج من منازلهم”.
ويُعد سقوط الفاشر بعد حصار دام 18 شهراً فصلاً وحشياً في الحرب الأهلية السودانية.
سافرت بي بي سي إلى مخيم خيام يبعد مئات الكيلومترات في شمال السودان، داخل أراضٍ خاضعة لسيطرة الجيش، للاستماع مباشرة إلى قصص الفارين. وقد خضع الفريق للمراقبة من قبل السلطات طوال الزيارة.
وتقاتل قوات الدعم السريع الجيش النظامي منذ أبريل 2023، بعد اندلاع صراع على السلطة تحوّل إلى حرب.
وكان الاستيلاء على الفاشر انتصاراً كبيراً للمجموعة شبه العسكرية، حيث أخرجت الجيش من آخر معاقله في دارفور.
لكن الأدلة على ارتكاب فظائع جماعية أثارت إدانات دولية وركزت اهتمام الولايات المتحدة بشكل أكبر على محاولة إنهاء الصراع.

صدر الصورة، Reuters
التعليق على الصورة، تسبّبت الحرب في السودان في تهجير ملايين الأشخاص، وتمكّن بعض الفارّين من الفاشر من الوصول إلى الدبة.
وجدنا علي يتجول في المخيم، الواقع في الصحراء على بُعد نحو 770 كيلومتراً شمال شرقي الفاشر، بالقرب من بلدة الدَبّة.
كان يحاول تسجيل عائلته للحصول على خيمة.
قال لنا: “كان )مقاتلو الدعم السريع( يطلقون النار على الناس – كبار السن والمدنيين – بالرصاص الحي، وكانوا يفرغون أسلحتهم عليهم.”
وأضاف: “جاء بعض عناصر الدعم السريع بسياراتهم، وإذا رأوا شخصًا ما يزال يتنفس، كانوا يدهسونه.”
وأوضح علي أنه كان يركض عندما يستطيع، ويزحف على الأرض أو يختبئ عند اقتراب الخطر بشدة. وتمكن في النهاية من الوصول إلى قرية قرني، على بُعد بضعة كيلومترات من الفاشر.
وكانت قرني المحطة الأولى للعديد من الفارين من المدينة، من بينهم محمد أبوبكر آدم، وهو مسؤول محلي في مخيم زمزم للنازحين القريب.
وقد نزح آدم إلى الفاشر بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في أبريل/نيسان، وغادر المدينة قبل يوم واحد فقط من سقوطها في أكتوبر/تشرين الأول.
وأطلق آدم لحيته البيضاء ليبدو أكبر سنًا، على أمل أن يعامله الآخرون بتساهل أكثر.
قال: “كان الطريق إلى هنا مليئاً بالموت.”
وأضاف: “أطلقوا النار على بعض الناس مباشرة أمامنا، ثم حملوا جثثهم ورموها جانباً. وعلى طول الطريق، رأينا جثثاً ملقاة في العراء، غير مدفونة. بعضها كان هناك منذ يومين أو ثلاثة.”
وتابع: “الناس تفرّقوا في كل مكان… ولا نعرف أين اختفوا.”
بعض من لم يتمكنوا من قطع الرحلة الطويلة إلى الدبّة وصلوا إلى مركز إنساني في طويلة، على بُعد نحو 70 كيلومترًا من الفاشر.
وآخرون عبروا الحدود إلى تشاد. لكن الأمم المتحدة تقول إن أقل من نصف الـ260 ألف شخص الذين قُدّر أنهم كانوا في المدينة قبل سقوطها تم تحديد مصيرهم.
وتعتقد وكالات الإغاثة أن كثيرين لم يتمكنوا من الوصول بعيداً — إما بسبب الخطر، أو الاحتجاز، أو عدم القدرة على تحمل تكلفة النزوح.
وقال آدم إن المقاتلين ارتكبوا انتهاكات جنسية بحق النساء، وهو ما يتفق مع روايات واسعة الانتشار عن هذا النوع من العنف.
وأوضح: “كانوا يأخذون المرأة خلف شجرة، أو يبعدونها عنا لمسافة لا نستطيع رؤيتها. لكنك كنت تسمع صراخها: ‘ساعدوني، ساعدوني’. ثم تعود وتقول: ‘لقد اغتصبوني’.”
وفي المخيم، تشكل النساء غالبية السكان، وكثيرات منهن لا يرغبن في كشف هوياتهن حفاظًا على سلامة من بقين خلفهن.

صدر الصورة، Anadolu via Getty Images
التعليق على الصورة، كانت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، حليفاً للجيش قبل أن يتقاتلوا
روت لنا شابة تبلغ من العمر 19 عاماً أن مقاتلي قوات الدعم السريع أخذوا فتاة من مجموعتها عند أحد الحواجز، واضطرت هي وبقية مرافقيها إلى تركها خلفهم.
“كنت خائفة… عندما أنزلوها من السيارة عند الحاجز، خفتُ أن يأخذوا فتاة عند كل حاجز. لكنهم أخذوها هي فقط… وانتهى الأمر عند ذلك، إلى أن وصلنا إلى هنا.”
كانت الشابة تسافر مع أختها الصغرى وأخيها. فقد قُتل والدهم، وهو جندي، في المعارك، بينما لم تكن والدتهم في الفاشر عند سقوط المدينة.
لذلك هرب الأشقاء الثلاثة سيراً على الأقدام مع جدّتهم، لكن الأخيرة توفيت قبل أن يصلوا إلى قرية قرني، تاركةً إياهم يواصلون الطريق وحدهم.
“لم نأخذ ما يكفي من الماء، لأننا لم نكن نعلم أن المسافة طويلة إلى هذا الحد.”
“مشينا ومشينا إلى أن فقدت جدتي الوعي. ظننت أنها ربما تعاني بسبب نقص الطعام أو الماء.
تحسست نبضها لكنها لم تستفق، فذهبت لأبحث عن طبيب في قرية قريبة. جاء الطبيب وقال: جدّتكم أسلمت الروح.
كنت أحاول أن أتماسك من أجل أختي وأخي… لكنني لم أعرف كيف سأخبر أمي.”
كان القلق الأكبر يتمحور حول شقيقهم البالغ من العمر 15 عاماً، إذ كانت قوات الدعم السريع تشتبه في أن الذكور الفارّين قد قاتلوا إلى جانب الجيش.
وصف الفتى ما جرى له عند أحد الحواجز، حيث أُنزل جميع الشباب من المركبات. قال:
“استجوبتنا قوات الدعم السريع لساعات تحت الشمس. قالوا إن مجموعتنا تضم جنوداً – وربما كان بعض الأكبر سنًا كذلك.”
“كان مقاتلو الدعم السريع يحيطون بنا ويدورون حولنا، يجلدوننا ويهددوننا بأسلحتهم. فقدت الأمل وقلت لهم: ‘افعلوا بي ما تريدون’.”
وفي النهاية، أطلقوا سراحه — بعد أن أخبرتهم شقيقته البالغة من العمر 13 عاماً بأن والدهم قد تُوفِّي، وأنه شقيقها الوحيد. وتمكّن الأشقاء من العودة واجتماعهم مع والدتهم في مخيم الدبة.
ويصف كثيرون كيف كانت قوات الدعم السريع تفصل الرجال في سن القتال عن كبار السن والنساء.
وهذا بالضبط ما حدث لعبد الله آدم محمد في قرني، حيث فُصل عن بناته الثلاث — البالغات من العمر عامين وأربعة أعوام وستة أعوام. وكان الرجل، الذي يعمل بائع عطور، يعتني بهن منذ مقتل والدتهن قبل أربعة أشهر في القصف.
وقال لبي بي سي:
“سلّمت بناتي للنساء اللواتي كنّ يسافرن معنا. ثم جاءت قوات الدعم السريع بسيارات كبيرة، وخفنا نحن الرجال من أنهم سيجبروننا على التجنيد، فهرب بعضنا إلى داخل الحي.”
وأضاف: “طوال الليل كنت أفكر: ‘كيف سأجد بناتي مجددًا؟’ لقد فقدت كثيرين بالفعل، وكنت خائفًا أن أفقدهن أيضًا.”

صدر الصورة، Ed Habershon / BBC
التعليق على الصورة، وصل كثيرون إلى المخيم خاليَي الأيدي، بعدما اضطروا لدفع ما تبقّى لديهم من مال لعبور نقاط التفتيش.
نجا محمد، لكن آخرين لم يحالفهم الحظ.
وقال علي إنه شاهد من مسافة بعيدة قوات الدعم السريع وهي تطلق النار على مجموعة من الرجال.
وأضاف لبي بي سي:
“قتلوا الرجال… لم يقتلوا النساء، لكن جميع الرجال أُطلق عليهم النار. كان كثير منهم جثثاً على الأرض، فهربنا.”
غادر علي وآدم قرني على ظهور الحمير، مسافرين ليلاً إلى القرية التالية، تُرعة.
ووصل محمد أيضاً إلى تُرعة، حيث التقى مجدداً ببناته، ومن هناك استقلوا مركبات في الرحلة الطويلة إلى الدبّة.
وصل كثيرون إلى المخيم خالي الوفاض؛ فقد غادروا المدينة تقريباً بلا شيء، واضطروا لدفع المال عند كل حاجز.
“جرّدنا مقاتلو الدعم السريع من كل ما نملك — المال، الهواتف، وحتى ملابسنا الجيدة. وعند كل نقطة تفتيش كانوا يُجبرونك على الاتصال بأقاربك ليرسلوا المال إلى حساب هاتفك حتى يسمحوا لك بالعبور إلى الحاجز التالي.”
وقال متحدث باسم قوات الدعم السريع لبي بي سي إنهم يرفضون الاتهامات بارتكاب انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين.
وصرّح الدكتور إبراهيم مخيّر، مستشار قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي):
“الاتهامات المحددة — النهب، القتل، العنف الجنسي، وإساءة معاملة المدنيين — لا تعكس توجيهاتنا. وأي عنصر يثبت تورطه في مخالفات سيُحاسَب بالكامل.”
وأضاف أن المجموعة تعتقد أن الاتهامات بارتكاب فظائع واسعة النطاق هي جزء من حملة إعلامية ذات دوافع سياسية ضدهم، تقودها — على حد قوله — عناصر إسلامية داخل الإدارة التي يقودها الجيش.
ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو في محاولة لتغيير السردية، تُظهر ضباطها وهم يستقبلون الفارين من الفاشر، وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية، ومراكز طبية تُعاد فتحها.

صدر الصورة، Ed Habershon / BBC
التعليق على الصورة، يَظهر عبد الله آدم محمد مع ابنته سَبعاء البالغة من العمر أربع سنوات.
قال محمد لبي بي سي إن عناصر قوات الدعم السريع على الأرض كانوا أكثر وحشية عندما لا يكون الضباط موجودين، بينما رفض آدم ما وصفه بمحاولات القوات شبه العسكرية تحسين صورتها.
“لديهم هذه الاستراتيجية… يجمعون 10 أو 15 شخصاً، يعطوننا ماء، ويصوّروننا وكأنهم يعاملوننا جيداً.
وبمجرد أن تختفي الكاميرات، يبدأون في ضربنا، ويعاملوننا معاملة سيئة جدًا، ويأخذون كل ما نملك.”
وفي وقت سابق من هذا العام، خلصت الولايات المتحدة إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور.
كما وُجهت اتهامات للقوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب فظائع، من بينها استهداف مدنيين يُشتبه في دعمهم لقوات الدعم السريع، وقصف عشوائي لمناطق سكنية.
وقد لفت هذا الفصل الوحشي بشكل خاص في الحرب المدمرة في السودان انتباه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وعد بالتدخل بشكل أكثر مباشرة في الجهود الجارية للتوسط لوقف إطلاق النار.
لكن بالنسبة لأولئك الذين فرّوا من الفاشر، يبدو ذلك احتمالاً بعيداً.
فقد تحطموا مراراً بسبب هذا الصراع، ولا يعرفون ما الذي قد يحدث لاحقاً.
ومع ذلك، لا يزالون صامدين.
علي لم يسمع بعد باهتمام ترامب المفاجئ؛ إذ كان منشغلاً بملاحقة المسؤولين للحصول على إذن للإقامة في المخيم داخل خيمة يقول إنها المكان الوحيد “الذي يمكننا فيه أن نعيش ونستريح”.
شارك في إعداد هذا التقرير إسماعيل علي الشيخ وإد هابرشون.
