مراهقون بقوى خارقة يواجهون ظواهر شريرة لكنّهم فجأة يواجهون مجزرة كبرى (IMDb)
يعود جوجوتسو كايسن إلى واجهة المنافسة في عالم الأنمي، بعد مرحلة غير مألوفة من التفاعل الجماهيري التي جمعت بين الإعجاب الشديد والانتقادات، وصولاً إلى توجيه تهديدات بالقتل لمؤلف المانغا غيغي أكوتامي بسبب المسار السردي الذي اتخذته السلسلة بعد آرك شيبويا. منذ صدور المانغا عام 2019، وظهور نسخة الأنمي في 2020، ترسخت مكانة العمل واحداً من أبرز المرشحين لوراثة إرث الشونين الحديث، خاصة مع توليف ناجح بين القتال والمرح والتطور النفسي للشخصيات، بأسلوب بدا أقرب إلى نسخة ناضجة من Naruto وBleach.
لاحقاً، عزز الفيلم الأول Jujutsu Kaisen 0 (عام 2022) هذا النجاح بتحقيقه إيرادات تجاوزت 58 مليون دولار في اليابان وحدها، ما أكد قدرة السلسلة على الانتقال إلى الشاشة الكبيرة. لكن آرك شيبويا الذي عُرض في الموسم الثاني مثّل نقطة تحوّل مفصلية، إذ جاءت الأحداث بوتيرة سريعة ودموية غير معتادة في هذا النوع من الأعمال، ما أدى إلى انقسام الجمهور، وطرح أسئلة حول تحوّل السلسلة من منطق الشونين التقليدي إلى سردية أكثر قتامة بمراحل، خلال عدد حلقات قليل. في هذا السياق، يأتي فيلم Jujutsu Kaisen: Execution ليعمل حلقةً انتقالية بين هذه المرحلة الصادمة، وما ينتظر المتابعين في الموسم المقبل.
ورغم أن الفيلم لا يقدم أحداثاً جديدة في نصفه الأول، بل يعيد عرض ما وقع في آرك شيبويا، إلّا أنه يفعل ذلك من خلال معالجة لونية أنضج تعكس البعد النفسي للمشهد، وليس مجرد توثيق القتال. باستخدام طبقات لونية مختلفة الدرجات بطابع تعبيري يظهر ضربات الفرشاة أحياناً، وفق الحالة الذهنية للشخصيات، بينما تُستخدم خلفيات بصرية لإبراز ثقل اللحظة وتأثيرها الداخلي. بهذه الطريقة، لا يظهر الفيلم وكأنه تلخيص تقني، بل إعادة تأويل بصري للمشهد نفسه، ما يمنح المتلقي مساحة لاستعادة الأحداث الدموية بما يشبه الذكريات.
ومع نهاية الجزء التجميعي، يبدأ الفيلم في الانتقال من إعادة التمثيل إلى استعادة الحد الأدنى من التواصل بين الشخصيات. تظهر بعض الشخصيات الرئيسية معاً للمرة الأولى منذ نهاية شيبويا، ليس بوصفه فريقاً استعاد عافيته، بل أفراد اجتمعوا تحت ضغط ما هو قادم. هذا الالتقاء لا يظهر بوصفه لحظة انتصار، بل تمهيد ضروري قبل مواجهة جديدة. وهنا يبدأ الفيلم بموازنة أزمة الهوية السردية التي تعيشها السلسلة منذ آرك شيبويا، بين ما بَدَتْ عليه في الموسم الأول باعتباره أنمي شونين طويلاً مفعماً بالحيوية والاستراحات وبناء العلاقات، وما وصلت إليه لاحقاً فجأة في آرك شيبويا: مجزرة.
كان التحوّل المفاجئ في آرك شيبويا سبباً لصدام كبير مع الذي شعر أنه استُدرج عاطفياً في الموسم الأول، ليُترك لاحقاً من دون لحظات لالتقاط الأنفاس. هنا، تحولت الصدمة من أداة بناء إلى أداة هدم، وتسرّعت الحبكة في التضحية بالشخصيات بدل منحها وقتاً لتجاوز آثار ما حدث بعكس منطق الشونين الذي يفترض أن تتطوّر الشخصيات عبر التجربة، لا أن تنهار تحتها حتى لو كان السيناريو سوداوياً ويتضمن موت العديد من الشخصيات، إلّا أن ذلك لا يحصل خلال آرك قصير.
لخص الفيلم الآرك في 45 دقيقة، بما يدعو إلى تأمل الماضي والاستعداد لما هو آتٍ: لم ينتهِ الأنمي بعد.
جوجوتسو كايسن ليس ناروتو، وليس أتاك أون تايتن. عمل هجين بينهما؛ مراهقون بقوى خارقة يواجهون ظواهر شريرة، لكنهم فجأة يواجهون مجزرة كبرى (آرك شيبويا) ولا يعودون بعدها لكونهم أبطالاً أنقياء يتعلمون مع مرور الزمن، ولا أبطالاً تراجيديين. يتحول هؤلاء المراهقين إلى جنود، ملطخين بالدماء، لا وقت لديهم للشعور بالذنب، أو محاكمة بطولتهم.
في الفيلم يُخلق توازن بين البنيتَين، ليبدأ جوجوتسو كايسن بتوضيح هويته أخيراً.
في نهاية الفيلم يقول ميغومي لايتادوري: “نحن لسنا أبطالاً، نحن سحرة جوجوتسو. ما دمنا على قيد الحياة، علينا أن نثبت أنفسنا باستمرار”.
وهذا لا يتناقض بأي شكل من الأشكال مع العالم الخاص بالمانغا/ الأنمي في جوجوتسو كايسن؛ فاللعنات التي يضطر الأبطال لقتالها، هي نتاج مشاعر سلبية بشرية، والقوى السحرية هي التوازن الذي قدمته الطبيعة لمواجهة كل هذه الطاقة البشرية السلبية التي تحولت إلى وحوش حرفياً. أي أن البشر يحاربون ما صنعته مشاعرهم، وهذا لا يجعلهم بأي شكل من الأشكال مقسّمين لأشرار وأخيار بالكامل، على الأقل لن يكون أي شخص شريراً أو خيراً في نظر الجميع، وسيختلف عليه.
بعد مجزرة، والجملة المباشرة التي يقولها ميغومي في الفيلم، يعلن جوجوتسو كايسن نفسه تجربةً مختلفة، لا تنوي التحول إلى سلسلة غير منتهية، ولا تنوي أن تقدم عملاً تكبر الفئة العمرية لمشاهديه مع حلقاته ويجري التطور وفقها، مثل ون بيس وناروتو، سيكون النسخة الشبيهة الأقصر، وهذا ما يجعل سرده غير معتاد، لكن في طبيعة الحال، وبعيداً عن المانغا، سيكون قرار إطالته من عدمه بيد شركات الإنتاج، وهذا ليس واضحاً حتى الآن.
احتل الفيلم المرتبة الأولى في شباك التذاكر الياباني عند طرحه، ما يبين استمرار قوّة السلسلة جماهيرياً وتجارياً رغم جدل المانغا خلال السنوات الأخيرة. يبدو أن اختيار الاستوديو إنتاج فيلم تجميعي مع تقديم سردي محدود لم يكن قراراً فحسب، بل خطوة اقتصادية واستراتيجية تهدف إلى إعادة تنشيط اهتمام الجمهور قبل عرض الموسم الثالث، وضمان جاهزية المتابعين للأحداث التي ستتخذ منحى أكثر كثافة في الموسم المقبل.
