تأتي هذه الجائزة في مهرجان مسرحي شاركت فيه عروض من تونس والعالم العربي، وقد حصدت تونس نصيباً مهمّاً من الجوائز خلال الدورة، بحيث نالت “الهاربات” أيضاً جائزة أفضل نص، بينما ذهبت جائزة أفضل أداء نسائي للممثلة لبنى نعمان عن دورها في العمل نفسه.

في مشهد تنافسي قوي، ذهبت جائزة التانيت الفضي إلى العرض العراقي “الجدار” من إخراج سنان العزاوي، الذي فاز كذلك بجائزة أفضل سينوغرافيا، بينما نال التانيت البرونزي العرض التونسي “جاكرندا” للمخرج نزار السعيدي.

برزت “الهاربات” لدى الجمهور والنقاد كعمل يمزج بين حسّ تجريبي وتوتر درامي معاصر، واعتبرت لجنة التحكيم، أنها نجحت في المزج بين نص أصيل وإخراج محكم وأداء نسائي قوي، وهذه مؤشرات دفعت العمل إلى الصدارة في المنافسة.

من الانكسار إلى محاولات النجاة

thumbnail_image (1).png

من جو المهرجان التونسي (خدمة المهرجان)

تدور “الهاربات” في فضاء محطّة مواصلات عمومية، حيث يلتقي ستّة أشخاص – خمس نساء ورجل واحد – كلٌّ منهم يطارده واقع ضاغط: أستاذة غير موظفة رسمياً تبحث عن اعتراف مهني، خريجة حقوق تنتظر فرصة لتحقيق حلمها، امرأة تهرب من زواج خانق، أخرى تجمع قوارير بلاستيك لتأمين لقمة العيش، امرأة مسنّة مهمّشة، ورجل مثقل بمرارة الخيبات. كلّهم ينتظرون – ليس فقط وسيلة نقل – بل مخرجاً من ضيق الحياة، إذ تجمعهم رغبة عارمة في الهروب من واقعهم القاسي، بحثاً عن أمل أو نجاة، أو ببساطة عن مفتاح قد يفتح باب خلاصهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المسرحية تتخطى السرد الكلاسيكي الخطي، إذ تعتمد تداخل الأصوات وتقطّع السرد، بحيث تتشابك قصص الشخصيات في مونولوغات متداخلة، تنظمها لحظات انتظار، اشتباك ذاكرة، وتداخل زمني، مما يمنح العرض طابعاً تجريبياً ورمزياً. بمعنى آخر، “الهاربات” ليست مجرد مسرحية عن الهروب، بل نص عن محاولات النجاة، من الواقع، من الإهمال، من الفقر، ومن الانتظار المُرهق. المحطّة التي تجمع هذه الأرواح تصير مرآةً تعكس مجتمعاً يعيش هشاشة متعددة الألوان، وينطق باسم من صارت أصواتهم هامشية.

منافسة العروض المسرحية

عرفت المسابقة الرسمية لهذه الدورة منافسة بين 12 عملاً مسرحياً من تونس وفلسطين والجزائر والمغرب والعراق ولبنان ومصر والإمارات والأردن والكوت ديفوار والسنغال، احتكمت جميعها إلى لجنة تحكيم ترأسها التونسي الأسعد بن عبدالله وضمّت في عضويتها عماد المي (تونس) وسعداء الدعّاس (الكويت) ومالك العقون (الجزائر) وأبدون فورتونيه (الكونغو) وثامر العربيد (سوريا).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى جانب الجوائز الكبرى، شهدت الدورة إسناد جوائز موازية من بينها جائزة نجيبة الحمروني لحرية التعبير التي ذهبت إلى مسرحية “الزنوس” لصالح حمودة مع تنويه خاص لعمل “ميتامورفوز” لقيس بولعراس. وواصل “مسرح الحرية” حضوره من خلال تكريم عروض نوادي السجون ومراكز الإصلاح، ففاز السجن المدني – برج الرومي بالجائزة الأولى عن “صد عقل”، وحصل سجن النساء في منوبة على الجائزة الثانية، فيما نال السجن المدني في الناظور الجائزة الثالثة. وعلى مستوى مراكز الإصلاح تُوّج مركز المروج عن مسرحية “حياة بدون إدمان” بالجائزة الأولى، يليه مركز سيدي الجديد ثم مركز الأطفال الجانحين بسيدي الهاني.

واعتبر محمد منير العرقي، رئيس لجنة تنظيم الدورة، أن هذا الزخم من العروض والجوائز يعكس ديناميكية المهرجان الذي تزامن هذا العام مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مؤكداً استمرار أيام قرطاج المسرحية كفضاء حيّ للحوار والتجديد، ومعرباً عن تقديره للجمهور الذي ظلّ، على حدّ تعبيره، “الراعي الحقيقي للمهرجان”.

ويعدّ هذا التتويج بالتانيت الذهبي الثاني في رصيد وفاء الطبوبي في أيام قرطاج المسرحية، إذ سبق لعملها “آخر مرة” أن فاز بجائزة الدورة 22 لعام 2021، مما يعكس استمرار حضورها المتميز على خريطة المسرح التونسي والعربي.

يعكس نجاح “الهاربات” وتفوقها في المنافسة الرسمية مدى حيوية المشهد المسرحي التونسي وقدرته على تقديم أعمال متجددة، تجمع بين التجريبية والدراما الإنسانية، ويضع وفاء الطبوبي في صدارة المبدعين القادرين على التعبير عن هشاشة المجتمع وأصوات المهمشين عبر المسرح.