كان صلاح جاهين يقول عن فؤاد حداد (أنا الأشهر وحداد الأشطر)، صلاح أعلن ذلك أكثر من مرة وفؤاد على قيد الحياة، بينما قال محمد رشدى، بعد رحيل العندليب، (عبد الحليم أشطر منى)، كانت المنافسة بينهما فى ذروتها منذ منتصف الستينيات، رشدى يتباهى قائلا (أنا مطرب العمال والفلاحين، بينما حليم مطرب الضباب)، أنا أقول (فى إيديا المزامير وفى قلبى المسامير)، وهو يردد (ضى القناديل والشارع الطويل)، رد عليه عبد الحليم (لو أن هناك مطربا قريبا من الفلاحين فهو أنا أكيد، أنا مثلهم أعانى من تبعات (البلهارسيا)!!.

كان رشدى لديه قناعة بأن كبار المسؤولين منحازون إلى حليم، ودلل على ذلك بأغنية (حسن المغنواتى)، وبها تلك الشطرة التى كتبها حسن أبو عتمان ولحنها حلمى بكر (أنا كل ما أجول التوبة يابوى/ ترمى لى المجادير)، بينما ردد حليم فى أغنية (التوبة) نفس الكلمات التقطها الأبنودى ولحنها بليغ حمدى من الفولكلور، وقال لى رشدى إنه اشتكى عبد الحليم لطوب الأرض، لأنه منع أغنيته من التداول حتى تظل فقط (التوبة) مقترنة بصوت حليم.. الغريب أن أول من فتح النيران على الأغنية كان الأبنودى الذى احتج على توزيع المايسترو على إسماعيل للحن، وكان رأيه أن التوزيع العصرى خدش بكارة الأغنية.. ويومها طلب منه حليم ألا يهاجم أى أغنية صارت بحوزة الناس، ورغم ذلك ظلت (التوبة) التى رددها حليم هى الأشهر ورددتها أيضا ماجدة الرومى، بينما رشدى وحتى رحيل حليم لم يتسامح أبدا مع الذين حاولوا اغتيال أغنيته لإرضاء (العندليب)، كما أنه لم يجد أى مبرر للتوزيع الجديد للحن الفولكلورى. شاهدت مؤخرا تسجيلا لرشدى أدلى به بعد رحيل عبد الحليم أكد أن (العندليب) أجاد قراءة الزمن أفضل منه، والدليل أن أغنيته لا تزال فى الوجدان بتوزيعها الموسيقى العصرى.

هل كلنا نملك تلك الرحابة فى التقييم، أم أن مرور السنوات وابتعادنا عن الحدث اللحظى يمنحنا قدرة على القراءة الصحيحة؟.

شاهدت مثلًا يوسف بك وهبى بعد رحيل نجيب الريحانى يثنى عليه، ويؤكد أنه من أصدق من وقفوا أمام الكاميرا، ورأيت رياض السنباطى عندما سألوه- قبل رحيله بأشهر قليلة- عن أفضل صوت عربى قال (إنه- وبلا منافس- محمد عبد الوهاب)، رغم أن السنباطى وفى المرة الوحيدة التى التقيته فى معهد الموسيقى العربية؛ حيث كان يجرى بروفة لإحدى الأغنيات الدينية لياسمين الخيام، قالى لى (لو هاجمت عبد الوهاب حتنشر رأيى؟)، أجبته: طبعا، وضغطت على زر تسجيل الكاست، إلا أنه لم يذكر أى كلمة ضد عبد الوهاب، يبدو أنه كان يجس النبض، معتقدا أن عبد الوهاب من الممكن أن يتفق مع الصحفيين للهجوم عليه وفضحه فى أى حوار.

كانت فايزة أحمد موقنة بأن وردة تحاول أن تبعدها عن الساحة، لديها قناعة بأنها تتعاقد مع جمهور لحفلاتها من أجل أن يصفقوا لها، ونفس هذا الجمهور يتم إرسالهم لحفل فايزة لإفسادها، ناهيك على اتهامها لعبد الحليم بإبعاد زوجها محمد سلطان عن التلحين له، إرضاء لبليغ حمدى، وكادت بالفعل أن تفتك به – أقصد بليغ – فى أحد استوديوهات الإذاعة عندما التقته بالصدفة، إلا أنه أفلت فى اللحظات الأخيرة من قبضتها، قبل رحيل فايزة بأشهر قليلة عادت للغناء بأنغام بليغ، وبعد إصابتها بالسرطان صارت وردة هى أختها التى لم تلدها أمها، هل هو الزمن الذى يحيلنا مع الأيام إلى أطفال أكثر صدقا وشفافية؟!!.