لم يعد الحديث عن فيلم يتناول سيرة “كوكب الشرق” أم كلثوم مجرد حديث عن عمل سينمائي مرتقب؛ بل هو أشبه بالحديث عن مغامرة كبرى محفوفة بالمخاطر، أو اقل مايقال عنه هو محاولة للمشي فوق الزجاج دون إحداث صوت، فحين تتصدى نجمة بحجم منى زكي ومعها كتيبة من نجوم الصف الأول لإعادة تشكيل ملامح “الست”، فنحن لسنا أمام سيرة ذاتية تقليدية بقدر ما نحن أمام مشروع يحاول الإجابة على سؤال صعب حول ما تبقى لنقوله عن أم كلثوم.


ولعل التحدي الأشرس هنا لا يكمن في الإنتاج الضخم بل في كون العمل يحمل على عاتقه كتابة كل ما سبق، فهو لا يولد من فراغ بل يولد وفي فمه ملعقة ثقيلة من إرث درامي وأدبي ونقدي ضخم، مما يضع صناع الفيلم تحت عبء التكثيف وإعادة التدوير لتجاوز السرد الخطي لمعلومات باتت محفوظة عن ظهر قلب.


ولأن أم كلثوم هي أسطورة مصرية قومية راسخة في الذاكرة الجمعية، فمن الطبيعي أن يكون رد الفعل الجماهيري تجاه أي تجسيد جديد لها قاسياً وقائماً على انقسام حاد، إذ ينظر المشاهد من اللحظة الأولى إلى الصورة البصرية ويجد فارقاً كبيراً بين الشخصية الأيقونية لأم كلثوم وبطلة العمل

مني ذكي، خاصة فيما يتعلق بـالحجم والهيبة ونبرة الصوت، مما يجعل الرهان فنياً بحتاً يغوص في المناطق “اللا مكتوبة” وفي لحظات الصمت وانكسارات المرأة التي ابتلعتها الأسطورة.


وهذا التباين الجسدي والصوتي يفسر منطقياً حالة الجدل والانقسام التي فجرها “البرومو” التشويقي، خاصة مع اعتماد المخرج كادرات بدت وكأنها “تهرب” عمداً من وجه البطلة، متوارية خلف الظلال أو الزوايا الخلفية، في مراوغة بصرية ذكية بقدر ما هي مقلقة، وكأنها تؤجل المواجهة الحتمية بين ملامح منى ذكي وذاكرة المشاهد التي اطمئنت لاداء وشكل صابرين في مسلسلها المعروف. دافعة الحكم نحو التجسيد الروحي بدلاً من التطابق الشكلي. ويتوازى هذا الرهان الفردي مع وجود باقة النجوم التي تضعنا أمام لوحة بانورامية لعصر التنوير المصري، حيث لا يجسد هؤلاء مجرد أدوار لقصبجي أو سنباطي بل يصنعون نسيجاً زمنياً كاملاً، والنجاح الحقيقي لهذا الحشد هو أن يذوبوا في الحقبة الزمنية، متجاوزين الجدل الشكلي، لنشعر أننا أمام وثيقة حية من زمن الفن الأصيل.


إن تصاعد حدة الجدل وتراكم التوقعات شئ طبيعي،ومنتظر  لمشروعاً بهذا الحجم الفني والإرث القومي و لا يمكن أن يُحكَم عليه من خلال مقتطفات أو “كادرات هاربة”. الرهان هنا ليس على التشابه الشكلي بقدر ما هو على النجاح في استحضار الروح وإعادة تلوين التاريخ. لذلك، علينا ألا نتعجل في إطلاق الأحكام النهائية. لننتظر اللحظة التي يُسدل فيها الستار عن العمل كاملاً، حينها فقط سنعرف ما إذا كانت منى زكي وفريقها قد نجحوا في تجاوز ما سُبق، أم سقطوا تحت وطأة أسطورة لا تشيخ.