بالاستناد إلى البحث التاريخي صُممت الأزياء الخاصة بالعرض الرسمي لعيد الاتحاد الـ54، الذي شهدته الدولة، أمس، بمتحف زايد الوطني في أبوظبي، حيث عادت بنا الأقمشة إلى ما قبل 8000 عام، لتكون شاهدة على تاريخ الدولة الممتد إلى ما قبل الاتحاد، وعمل على تصميم أزياء العرض فريق عمل، من بينهم مصممة الأزياء الإماراتية، سارة السليماني، التي أكدت في حديثها مع «الإمارات اليوم» أن الأزياء حملت تفاصيل خيالية تتناسب مع العرض المسرحي والقصة السردية الخاصة بالحفل، التي تنقل المشاهد إلى حِقَب زمنية وتاريخية متنوعة.

بحث تاريخي

وعن الإلهام ونقطة البدء في تصميم أزياء العرض الرسمي لعيد الاتحاد، تحدثت سارة السليماني لـ«الإمارات اليوم»، وقالت: «استُلهمت تفاصيل الأزياء بشكل أساسي من البحث التاريخي، خصوصاً أن احتفال هذا العام يروي قصة متحف زايد الوطني ومقتنياته التي تمتد لأكثر من 8000 عام، وهي المرة الأولى التي يقوم بها فريق عيد الاتحاد بربط الأزياء التراثية ببحث وتدقيق تاريخي على هذا المستوى في الاحتفالات الوطنية لعيد الاتحاد»، وأضافت: «كان العرض مسرحياً، ولهذا كان من الضروري دمج تفاصيل خيالية تتناسب مع طبيعة الأداء المسرحي وتكمل القصة التي كتبها فريق السردية للحفل، فالعملية تمثل توازناً دقيقاً بين الحفاظ على التفاصيل التاريخية لنقل المشاهد إلى الحقبة الزمنية الصحيحة، وبين إضفاء الطابع الفني والخيالي الذي يجعل المشهد المسرحي جذاباً وممتعاً».

الماضي والحاضر

وعن اختيار الأقمشة التي تناسب الحقب الزمنية التي يجسدها العرض، لفتت السليماني إلى أن العرض انقسم بين ما يمثل الماضي والحاضر، ولهذا كان من الضروري مراعاة الحقبة الزمنية التي نتناولها، فمثلاً قبل 8000 سنة لم تكن تتوفر أنواع الأقمشة الحديثة، بل كانت الخامات خشنة الملمس وذات فتحات كبيرة، مصنوعة من القطن الذي كان المورد الوحيد المتاح، أو من جلود الحيوانات، أما في ختام العرض، والذي يجسد الحاضر، حيث يكون الأطفال أبطال المشهد، فقد شارك أكثر من 150 طفلاً هذا العام، ولذلك تم تقسيم الأطفال على حسب المقتنيات التاريخية التي نعرضها، وصمم على سبيل المثال منسوجات مستوحاة من لؤلؤة أبوظبي بلونها الفاتح، أما في ما يتعلق بحبات خرز العقيق، فتمت الاستعانة بأبحاث منشورة عن الاكتشافات في الجزيرة والنقوش الموجودة عليها، لتحويل هذه النقوش إلى قوالب للطباعة واستخدامها على قطع الأقمشة في الاحتفال الرسمي، وأكدت السليماني الاستعانة بمستشارين ثقافيين أسهموا في اختيار الأزياء التراثية الرجالية، بما في ذلك زي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في شبابه ورجولته، وكذلك تحديد لون كندورة الأطفال في ختام الحفل.

ألوان لكل إمارة

وأشارت السليماني إلى أن الألوان المستخدمة في أزياء عرض هذا العام استندت إلى شريط الألوان الذي اختاره فريق التصميم لكل إمارة، كما كان الحال في عروض السنوات الماضية، واستخدمت هذه الألوان في الطباعة على الأقمشة. ولفتت إلى أنه تم استخدام لون اللؤلؤ لتمثيل حقبة ما قبل 8000 عام، نظراً لعدم وجود أدلة على صبغات الأقمشة في ذلك الوقت، إذ كانت معظم الأقمشة وجلود الحيوانات ذات ألوان ترابية فاتحة بفعل الشمس، موضحة أنه تمت إضافة بعض الألوان مثل البنفسجي، البيج، والأبيض الفاتح للتمييز بين العناصر على المسرح، أما مع الوصول إلى حقبة ما قبل خمسة آلاف سنة، فبدأت الألوان بالظهور، مثل الأحمر، بينما أتى مشهد الأطفال أكثر تنوعاً بالألوان، وبيّنت السليماني أنه كان هناك حرص على استخدام شريط الألوان بالكامل لمنح الأطفال ملابس مبهجة تعكس الاحتفال وتعطيهم فرصة للتعلم عن طبعات الأقمشة ومعانيها وأهميتها.

بحث عن اللؤلؤ

وعن الموازنة بين الطابع التاريخي والأزياء المعاصرة، أكدت السليماني أن الطابع التاريخي يغلب على العرض، ولهذا استُلهمت الأزياء من الأدلة التاريخية التي وُجدت على هذه الأرض، منها مشهد الغوص بحثاً عن اللؤلؤ قبل 8000 عام، وقد تم إدخال تعديلات إبداعية على أزياء الغواصين والصيادين، كما رُوعي في هذه التعديلات الجمع بين الطابع التاريخي المستند إلى المعلومات المتوفرة، والاعتبارات الثقافية التي نحافظ عليها اليوم، بما يضمن ظهوراً مناسباً ومعبّراً عن الهوية الوطنية، ولفتت إلى أنه على الرغم من عدم وجود آلات خياطة قبل آلاف الأعوام، إلا أن الملابس كانت مصممة بعناية، وتحمل تطريزات وتفاصيل جميلة، مشيرة إلى أنه تم الاستناد إلى هذه البحوث لتزويد فريق العمل بالخيوط والإبر ليبدعوا في التصميم، كما اكتُشف أن الناس في تلك الفترة استخدموا بطانات لحماية الملابس ولإطالة عمرها، ونوهت السليماني بأن الأزياء الإماراتية التقليدية تظهر في مشاهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في طفولته، وعروض الأطفال، وعندما يظهر في مرحلة البلوغ، وشددت على أنه عند تصميم الملابس تمت مراعاة العديد من العوامل، منها الدقة التاريخية، وسياق عرض الأزياء، والسرد المسرحي، بالإضافة إلى تناسب الملابس مع الأشخاص الذين سيرتدونها في كل حقبة زمنية وما كان منطقياً ارتداؤه في تلك الفترة.

سرد بصري

واعتبرت السليماني أن الأزياء في الاحتفال الرسمي ليست مجرد ملابس، بل هي سرد بصري حي ينقل القصة للمشاهد بطريقة مباشرة ومؤثرة، وتهدف إلى جعله يشعر بالنص الذي كتبه فريق السردية من خلال تفاصيل كل زي وكل حركة على المسرح، خاصة أن المشاهد يغلب عليها الطابع البصري، وأوضحت أن مشهد الحرفيين الذين كانوا يعملون في سك العملة على سبيل المثال، قد ظهرت ملابسهم رثة ومتسخة قليلاً لتعكس طبيعة عملهم في الحدادة والنجارة، ما أضفى على المشهد مصداقية وحيوية، وشددت على أن الأزياء تمثل دوراً محورياً من قوة العرض، حيث توحد الصورة البصرية وتربطها بالهوية الوطنية وتساعد المُشاهد على العيش داخل القصة بكل تفاصيلها.

تحديات

أكدت سارة السليماني أن التحدي الأبرز في العمل، الذي واجه الفريق كاملاً، تمثل بدقة البحث التاريخي، لاسيما أن العرض يفرض التعامل مع حقب تمتد لآلاف السنين، وتحتاج إلى قراءة متعمقة للأدلة الأثرية المتوافرة، فضلاً عن المواءمة بين التفاصيل التاريخية والاحتياجات الفنية للعرض المسرحي، مثل حركة المؤدين على المسرح والإضاءة وزوايا التصوير، كما شكّل الوقت عاملاً مهماً، إذ كان لابد من تطوير أزياء فريدة ومفصلة خلال فترة زمنية محدودة، وقد تم تجاوز هذه التحديات بفضل التعاون المستمر بين فريق الأزياء، والمستشارين الثقافيين، مع الفرق المختلفة.

. «العمل» شكّل توازناً دقيقاً بين الحفاظ على التفاصيل التاريخية لنقل المشاهد إلى الحقبة الزمنية الصحيحة، وبين إضفاء الطابع الفني والخيالي الذي يجعل المشهد المسرحي جذاباً وممتعاً.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

Share

فيسبوك
تويتر
لينكدين
Pin Interest
Whats App