هالة نهرا

أطلق حديثاً الأديب السعودي الخلّاق عبدالله الحسني، مدير تحرير الشؤون الثقافية في جريدة «الرياض»، كتابه «الاختلاف أفسد للودّ قضية» الصادر عن «دار النخبة المثقفة»، وكان قد صدر سابقاً عن «مجموعة تكوين المتحدة للطباعة والنشر والتوزيع». غمرت الكتاب حفاوةٌ نقدية ممتدّة على المستوى العربي الواسع، وجُنّح فطار إلى الولايات المتحدة الأميركية ليُقرَأ في المكتبات الأكاديمية لجامعات «هارفارد» و«برنستون» و«كولومبيا»، وسواها.

كتاب الحسني يحضّ العقل التأويليّ النقدي على التفكّر وركوب بحر حواراته، وأسئلته، وفواصله، وفتنته المعرفية المحفوفة بالشغف الثقافي والنبش والسبر والغوص، والتي تنأى بحكمة عن حبّ الاستعراض.

بنفَسه المؤسلَب حادَثَ الكاتبُ الشاعرة ثريا العريّض، والشاعر والناقد محمد الحرز، والشاعر جاسم الصحيح، والقاص فهد المصبح، والقاصّة ليلى الأحيدب، والأديبة هيفاء اليافي، والقاص عبد الحفيظ الشمري، والقاص حسن الشيخ، والناقد د. علي القرشي، مروراً بالشاعرة سوزان عليوان، وصولاً إلى القاص والروائي يوسف المحيميد والشاعر هنري زغيب، وسواهم.

‏مَن لم يكن قد قرأ للحسني لا يمكنه ملامسة جوهره الثقافي والإنساني الرفيع بعمق ودقّة. يشعر القارئ النبيه بحدسه من خلال العنوان في البداية أنّ ما بين دفّتَيْ الكتاب مهمٌّ واستثنائي ومغاير قبل أن يقرأ حرفاً، وبفضولٍ معرفي لاكتشافه ثمّ التهامه. قد يسهر طوال الليل ليطالع ويستقرئ فيما يجذبه عقل عبدالله المحاور ودسامة الحوارات والتفاصيل وغناها، وكثافتها المنسابة قطرةً قطرةً. أهمّية كتابه الثقافية تفرض نفسها واحترامها وتجرف القارئ العميق من الصفحة الأولى حتى الختام. إنه من الكتب التي لا يمكن نسيانها وبرأيي فإنه يبقى للتاريخ، يحفر جماله وأناقته في مهجة المتلقّي النخبوي.

يلعب الأديب لعبة الباحث المتأنّي عن ومضات، وإشراقات معرفية مفاجئة. يُدَوْزن عبدالله النَّدِيَّ في أفياء الثقافة ويُجَوْهِرُ نبضها حاملاً شعلتها في المدى. يتمشّى في نواصي المدلولات ويجني ثمارها برفقٍ وعقلٍ متّقد ومنفتح ومترامي الآفاق. جميلٌ هو هطول قلمه من فم الضوء، لا من صرامةٍ نقدية متعالية غير مستنيرة تُطلق الأحكام العشوائية والمزاجية القاطعة، وانعكاس وتجلّي تجريده الذهني في الرؤى جدلياً. فنّ المحادثة لا تُحكمه إلّا قلّة نادرة وعبدالله في طليعتهم. يتسلّح الحسني بملكة الإصغاء ويحيلنا أثره المؤثّر وحضوره إلى ما ذكره نعوم تشومسكي عن «المتكلّم السامع المثالي».

كتابٌ رزين مخمليّ المستوى، كالصفصاف المتهدّل هو، خمريّ المذاق في جرعات المعرفة النوعية التي يقترحها ويُسائلها بتواضع العارف، متين البنيان، ورخاميُّ الصدى.

كاتبة وشاعرة وناقدة