عند قرابة الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم الأربعاء، وزع المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية جوزاف عون خبراً مفاده بأن بياناً ستتلوه بعد قليل وبصورة مباشرة على الهواء المتحدثة باسم الرئاسة نجاة شرف الدين، وصفته مصادر في ذلك الوقت بأنه “مهم للغاية”، وهكذا تبين لاحقاً.
وبعد نحو 20 دقيقة خرجت شرف الدين لتعلن أنه “التزاماً بقسمه الدستوري، وعملاً بصلاحياته الدستورية، من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه ومصالحه العليا، وتجاوباً مع المساعي المشكورة من قبل حكومة الولايات المتحدة الأميركية التي تتولى رئاسة اللجنة التقنية العسكرية للبنان… وبعد التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، ورئيس الحكومة الدكتور نواف سلام، قرر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، تكليف السفير السابق المحامي سيمون كرم، ترؤس الوفد اللبناني إلى اجتماعات اللجنة نفسها”.
بيان من بعبدا فاجأ الجميع
بيان مقتضب ما إن خرج إلى العلن حتى أثار عاصفة ردود أفعال اندلعت ولم تهدأ بعد، بين من رأى أنها خطوة شجاعة لا بد منها لتجنيب لبنان خطر الحرب الكبرى وحل مسألة الصراع مع إسرائيل على المدى البعيد، وبين من عدها “خيانة” باعتبار أنها بداية مفاوضات مباشرة عبر شخصية مدنية مع إسرائيل، وربما قد تكون نتيجتها في المدى البعيد تطبيعاً كاملاً.
في المقابل خرج مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ببيان جاء فيه أنه وجه مدير مجلس الأمن القومي بالإنابة لإرسال ممثل عنه إلى الاجتماع مع مسؤولين حكوميين واقتصاديين في لبنان، واضعاً ذلك في إطار “محاولة أولية لوضع أساس لعلاقة وتعاون اقتصادي بين إسرائيل ولبنان”.

توقع اللبنانيون تصعيداً أمنياً “مفجراً” للوضع من جانب إسرائيل بعد مغادرة البابا (أ ف ب)
وبعد إعلان بعبدا تعيين كرم رئيساً لوفد التفاوض مع إسرائيل، عقد في مقر قوات حفظ السلام الدائمة في الناقورة جنوب لبنان اجتماع للجنة مراقبة وقف إطلاق النار “الميكانيزم” ضم ممثلين عن لبنان (سيمون كرم ووفد من الجيش اللبناني) وفرنسا وأميركا وإسرائيل و”يونيفيل”.
وحضرت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بدورها الاجتماع آتية من إسرائيل، فيما مثل إسرائيل عضو مجلس الأمن القومي أوري رزنيك، وهو شخصية مدنية غير عسكرية.
وبحسب المراقبين، يعد هذا التطور أمراً متقدماً جداً ويسلط الأضواء بقوة على مسار اجتماعات لجنة وقف النار “الميكانيزم” بعد تطعيمها بممثلين مدنيين.
وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي نير بركات قال بدوره ضمن تصريح إعلامي “سندرس إقامة علاقات اقتصادية مع لبنان بصورة إيجابية لكن الأولوية هي التأكد من إزالة التهديد الأمني”، فيما علقت القناة 12 الإسرائيلية على مشاركة السفير كرم في اجتماع “الميكانيزم” بأن “لبنان على طريق السلام”.
من هو سيمون كرم؟
اسمه الكامل سيمون مسعود كرم وُلد عام 1950 في بلدة جزين الجنوبية، حاصل على إجازة في الحقوق ويعد من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية البارزة.
وكان سفير لبنان لدى أميركا خلال عهد الرئيس الياس الهراوي مطلع التسعينيات، لكن مسيرته الدبلوماسية كانت قصيرة، إذ استقال بصورة مفاجئة بعد أشهر من تعيينه، وسط تفسيرات متعددة من بينها اعتراضه على الأداء السياسي للسلطات اللبنانية آنذاك والتدخل السوري.

خطوة تعيين سيمون كرم قام بها رئيس الجمهورية استجابة للمطلب الأميركي (أ ف ب)
وكان عضواً في لقاء “قرنة شهوان” عام 2001 الذي طالب بخروج القوات السورية من لبنان، وشارك في الحوارات الوطنية التي سبقت انتفاضة الاستقلال عام 2005.
وقالت تقارير إنه كان مقرباً من الصحافي الراحل جبران تويني، وأعلن مراراً قناعته بأن اغتياله جاء في سياق مواجهة المشروع السيادي، ويعرف بمواقفه المعارضة للسلاح غير الشرعي.
التفاوض بدأ بين لبنان وإسرائيل
يرى الكاتب السياسي بشارة خيرالله في خطوة تعيين السفير سيمون كرم على رأس وفد لبنان للتفاوض مع إسرائيل أن مسار التفاوض بين البلدين قد بدأ حكماً وكل الاستعدادات جاهزة، لكن لا تزال هناك حتى اللحظة عقبات سياسية.
وتابع أنه لا يوجد اليوم قرار صادر عن مجلس الوزراء في هذا الموضوع، حتى إن كانت هناك نية لدى رئيس الجمهورية، وكذلك لدى رئيس الحكومة. وهناك أيضاً نيات معلنة من قبل بعض السياسيين لبدء هذا المسار وربما الوصول إلى السلام، غير أن القوى السياسية لا تزال حتى الآن متحفظة في هذا الشأن، وفي الأقل لا يزال “حزب الله” يعلن رفضه العلني.
وأضاف “في الكواليس قد يكون الحزب موافقاً ضمنياً، لكنه غير قادر على إعلان ذلك بسبب حساسيات معينة، لما يمكن أن ينعكس سلباً على تماسك جمهوره، وكذلك على نتيجة الانتخابات النيابية المرتقبة إذا حصلت، وهناك مجموعة عوامل تمنعه من إعلان قبوله بمبدأ التفاوض”، معتبراً أنه عاجلاً أم آجلاً، هذا المسار مفتوح والقطار يسير ولن يستطيع أحد إيقافه، وكل ما يجري من أحداث يصب في هذا الاتجاه، وزيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان تصب في هذا الإطار، وكذلك الزخم الأميركي، والحراك الإقليمي القائم حالياً، جميعها عوامل تدفع في هذا الاتجاه.
الكاتب السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير رأى أن خطوة تعيين سيمون كرم قام بها رئيس الجمهورية استجابة للمطلب الأميركي بصورة واضحة وصريحة، بهدف تفعيل المفاوضات عبر لجنة “الميكانيزم”.
أما أن تكون هذه الخطوة بداية لمفاوضات سياسية أو تمهيداً لاتفاق، فاستبعد قصير هذا الخيار، معبّراً عن اعتقاده بأن العدو الإسرائيلي حالياً لا يريد مفاوضات سياسية، بل يسعى إلى السيطرة والهيمنة وتثبيت احتلاله للأراضي اللبنانية.
وقال “لننتظر ولنرَ إلى أين ستقود هذه الخطوة. وبرأيي، لن يجدي نفعاً لا تعيين سيمون كرم ولا أية مفاوضات لأن الإسرائيلي كما أرى لا تنفع معه سوى القوة… ولكن حتى لا يقال إن الطريق قد قطع، فليجرب رئيس الجمهورية”.

عقد في مقر قوات حفظ السلام الدائمة في الناقورة جنوب لبنان اجتماع للجنة مراقبة وقف إطلاق النار “الميكانيزم” (أ ف ب)
بين عامي 1949 و1983
عبر التاريخ تفاوض اللبنانيون والإسرائيليون في محطتين أساسيتين، الأولى أتت بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، واندلاع الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى بين إسرائيل من جهة، وعدد من الدول العربية من جهة أخرى ومن ضمنها مصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان.
ومع نهاية عام 1948، برزت الحاجة إلى اتفاقات هدنة منفصلة بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدة، برعاية الأمم المتحدة.
وبدأت المفاوضات في رأس الناقورة بين لبنان وإسرائيل في أوائل عام 1949، رعاها الوسيط الدولي الشهير رالف بانش الذي قام بدور رئيس في اتفاقات الهدنة.
ولم تهدف المفاوضات حينها إلى سلام سياسي، بل إلى وقف إطلاق النار وترسيم خطوط الهدنة بين لبنان وإسرائيل. ووقعها عن الجانب اللبناني المقدم توفيق سالم والمقدم جوزيف حرب، وعن الجانب الإسرائيلي المقدم موردخاي ماكليف وينوشوا بيلمان وشبطاي روزين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعدها بعقود أتت معاهدة الـ17 من أيار (مايو) عام 1983 في خضم الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990) ومباشرة بعد الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى بيروت عام 1982. وتفاوض حينها اللبنانيون والإسرائيليون في بلدة خلدة جنوب بيروت، وشارك في المفاوضات وزير الخارجية اللبناني فؤاد بطرس وأحياناً يمثله السفير أنطوان فتال، وضم الوفد اللبناني قائد الجيش اللبناني العماد وفيق شرفان وعدداً من المستشارين السياسيين والقانونيين.
أما الوفد الإسرائيلي، فضم مدير عام وزارة الخارجية دافيد كيمحي والضابط أمينون شاخاك، فضلاً عن ضباط من الجيش والاستخبارات وشخصيات سياسية مرتبطة بوزارتي الدفاع والخارجية.
وأجريت هذه المفاوضات بوساطة أميركية بوجود الوسيط موريس درابر.
