يد إنسان تطلب الحماية من الآخرين

صدر الصورة، Getty Images

Article InformationAuthor, محمود النجارRole, بي بي سي نيوز عربي – القاهرة

قبل 2 ساعة

أحالت النيابة العامة المصرية، الأحد، ملف التحقيق في اتهام عدد من العاملين بإحدى المدارس الدولية شرقي القاهرة بخطف وهتك عرض خمسة أطفال إلى النيابة العسكرية، وذلك على ذمة التحقيقات، وفق بيان رسمي اطّلعت عليه بي بي سي.

وأشار البيان إلى أن تقرير مصلحة الطب الشرعي أثبت العثور على خلايا بشرية تخص ثلاثة من العاملين على ملابس عدد من الأطفال المجني عليهم، ليرتفع بذلك عدد المتهمين في القضية إلى سبعة.

وفي بيان سابق، أوضحت النيابة أن اثنين من المتهمين اعترفا باستدراج أطفال في مرحلة رياض الأطفال وارتكاب اعتداءات جنسية متكررة داخل أماكن بعيدة عن الرقابة داخل المدرسة، مؤكدَين أن تلك الأفعال استمرت لأكثر من عام بدافع ما وصفاه بـ”هوس جنسي بالأطفال”.

كما قالت النيابة إنها صادرت عدداً من الأدلة، من بينها سكين عُثر عليه في مكان الواقعة، إلى جانب أدلة رقمية من هاتفين محمولين تابعين لمتهمين تشير إلى انخراطهما في “انحرافات جنسية” متعلقة بالأطفال.

ومن جانبها، أحالت وزارة التربية والتعليم مسؤولي المدرسة المتورطين في “التستر أو الإهمال الجسيم” إلى التحقيق، وقررت وضع المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري.

الإحالة للقضاء العسكري

أثار قرار نقل التحقيق إلى النيابة العسكرية تساؤلات واسعة حول الأساس القانوني لهذا الإجراء.

المحامي الحقوقي نجاد البرعي قال لبي بي سي إن “التفسير غير واضح”، مشيراً إلى أن القانون لا يمنح القضاء العسكري اختصاصاً في القضايا التي لا ترتبط بعسكريين أو منشآت تخضع لحماية القوات المسلحة، ما يثير، بحسب قوله، علامات استفهام ويفتح المجال للشائعات، مثل احتمال وجود طرف عسكري ذي صلة بالمدرسة.

وأضاف البرعي أن غياب التوضيح الرسمي يدفع للمقارنة مع قضايا مشابهة، مثل قضية الطفل ياسين، التي لم تُحل للقضاء العسكري رغم تشابه الوقائع.

في المقابل، يرى حازم أبو دومة، نائب رئيس القسم العسكري في جريدة الأهرام، أن تحويل القضية إلى النيابة العسكرية يهدف إلى “تحقيق الردع والانضباط”، مشيراً إلى أن القضاء العسكري “أسرع وأكثر حسماً” وأن العقوبات فيه مشددة، معتبراً أن تكرار حوادث الاعتداء على الأطفال داخل المدارس يستوجب، من وجهة نظره، تدخلاً يوجه “رسالة رادعة” للمجتمع.

الاختصاصات

ينص الدستور المصري على ألا يُحاكم المدنيون عسكرياً إلا في حالات تتعلق باعتداء مباشر على المنشآت أو المعدات أو المستندات العسكرية، أو على أفراد القوات المسلحة أثناء تأدية أعمالهم.

لكن تعديلات قانونية صدرت خلال السنوات الأخيرة وسّعت اختصاص المحاكم العسكرية ليشمل الجرائم المرتكبة ضد “المرافق العامة والحيوية” التي تتولى القوات المسلحة حمايتها، ومنها ما قد يندرج ضمن الجرائم التي “تقوّض الاحتياجات الأساسية للمجتمع”.

صورة أرشيفية لجندي مصري فوق دبابته في منطقة وسط البلد بالقاهرة 2011

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، صورة أرشيفية لجندي مصري فوق دبابته في منطقة وسط البلد بالقاهرة 2011

حالات مشابهة

لم تكن هذه الإحالة الأولى لقضية مدنية إلى القضاء العسكري، ففي أكتوبر تشرين الأول الماضي، أُحيلت قضية سرقة أسورة أثرية من المتحف المصري بدعوى أن الجريمة وقعت داخل منشأة تخضع لحماية القوات المسلحة.

وفي مايو/أيار 2025، نشرت صحف مصرية تقارير عن إحالة مخالفات البناء والتعديات على الأراضي الزراعية إلى القضاء العسكري، في إطار ما وصفته السلطات بمحاولة “إعادة الانضباط”.

وسبق أن أُحيل 26 عاملاً من شركة ترسانة الإسكندرية عام 2016 إلى القضاء العسكري على خلفية احتجاجات عمالية، ما أثار جدلاً واسعاً لعدم ارتباطهم بالمؤسسة العسكرية.

منظمات حقوقية عدة، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، انتقدت اتساع نطاق المحاكمات العسكرية للمدنيين، وبحسب تقارير حقوقية، تمت محاكمة نحو 7400 مدني أمام المحاكم العسكرية بين أكتوبر/تشرين الأول 2014 ومارس/آذار 2016.

تطورات في منظومة القضاء العسكري

شهد عام 2007 تعديلات جوهرية على قانون القضاء العسكري، استُحدثت بموجبها المحكمة العسكرية العليا للطعون، ما سمح لأول مرة بالطعن على الأحكام العسكرية في جرائم القانون العام.

وفي 2014، تم استحداث محكمة الجنح العسكرية المستأنفة، بينما يظل تنفيذ الأحكام العسكرية مشروطاً بالتصديق الرئاسي أو من يفوضه.

وبحسب نجاد البرعي، فإن القضاء العسكري “أصبح فرعاً من فروع القضاء” في مصر، مع استقلالية أكبر للقضاة العسكريين ووجود محكمة نقض عسكرية، لكنه يرى أن الإشكال “يكمن في الاختصاص وليس في الإجراءات”.

رد فعل الأسر

رحّبت عدد من أسر الضحايا بالقرار، وقال عبد العزيز عز الدين فخري، المحامي الحاضر للتحقيقات مع الضحايا، في تصريحات إعلامية، إن الخطوة “تحمل دلالات متعددة لا يمكن تجاهلها”، معتبراً أن إحالة القضية إلى النيابة العسكرية “ليست مجرد إجراء قانوني”، بل تحمل، بحسب تعبيره، “رسائل واضحة وحاسمة”.

وأوضح فخري أن الرسالة الأولى، “والتي يصفها بالتحذير الصارم”، تُوجَّه “إلى كل من اعتدى أو حاول الاعتداء على الأطفال، سواء من داخل مصر أو ممن يمتد تأثيرهم من خارجها”. وأضاف أن الدولة “تبعث بإشارة قوية بأن أمن أطفالها خط أحمر، وأن كل يد امتدت بالأذى ستُحاسَب وفق أشد القوانين صرامة ودون أي تهاون”.

وأشار فخري إلى أن التعامل مع القضية بهذه الدرجة من الاهتمام يجسد ما وصفه بـ”امتداد يد العون من كافة أجهزة الدولة”، مؤكداً التزامه وفريق الدفاع بتقديم جميع الأدلة المتاحة للجهات المختصة، واستمرار تعاون الأسر مع التحقيقات لضمان سيرها بشكل أمثل.

طفل يجلس على الأرض داخل أحد الممرات ويضع رأسه بين رجليه

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، الأهالي يخشون على أطفالهم من ارتفاع معدل الاعتداءات الجنسية

معدلات الاعتداء على الأطفال

تشير بيانات المجلس القومي للأمومة والطفولة إلى ارتفاع بلاغات التحرش بالأطفال بنسبة 35 في المئة خلال العامين الماضيين.

وتقول سحر السنباطي، رئيسة المجلس، لبي بي سي إن هناك “زيادة ملحوظة في البلاغات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية والتحرش بالأطفال”، خصوصاً عبر خط نجدة الطفل، موضحة أن هذه الزيادة ترتبط “بارتفاع الوعي وشجاعة الأسر في الإبلاغ وتوسع حملات التوعية وتحسن آليات الرصد”، وليس بالضرورة بارتفاع معدل الجريمة.

وتوضح السنباطي أن بعض الوقائع داخل المدارس ترتبط بوجود “قصور في أنظمة الحماية”، مثل غياب الرقابة، أو وجود غرف مغلقة غير مؤمنة، أو عدم تفعيل سياسات الحماية بالشكل الكافي.

وأكدت أنه لا توجد “مؤشرات رقمية مثبتة” حول انتشار اضطراب البيدوفيليا في مصر، لكن بعض الجناة يكشفون خلال التحقيقات عن “ميول منحرفة غالباً مرتبطة بمحتوى رقمي عالمي خطير”، مشددة على أن “أي اعتداء جنسي على طفل هو جريمة كاملة الأركان”.