بدا ملف الدفاع الصاروخي المشترك الملف الأبرز على طاولة القمة الخليجية السادسة والأربعين، التي عقدت، في الثالث من ديسمبر 2025، في البحرين.

ولا يبدو هذا الأمر مستغرباً بالنظر إلى توقيت القمة، إذ سبقتها ورافقتها حروب تظهر أهمية منظومات الدفاع الجوي والتعاون بشأنها، امتدت من أوكرانيا إلى “حرب الـ12 يوماً” بين إسرائيل وإيران.

من هنا، أكد قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في ختام القمة، أن أمن دولهم لا يتجزّأ، وأبدوا التزامهم بتطوير منظومة الأمن والدفاع المشترك.

ويبرز، في هذا السياق، مشروع القبة الصاروخية الخليجية بوصفه توجهاً استراتيجيا نحو تنسيق دفاعي أوسع، يهدف إلى تعزيز قدرة هذه الدول على مواجهة التهديدات الجوية والصاروخية.

وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، الأربعاء، أن دول الخليج تعمل مع حلفائها على إنجاز “القبّة الصاروخية الخليجية المشتركة”.

ومع التركيز على هذا المشروع، تخطو الدول الخليجية نحو بناء قدرات دفاعية مشتركة، وهو أمر طال الحديث عنه في السنوات الأخيرة، لكن الأمر يتطلّب تعاملها من جملة تحدّيات من أجل تنفيذه وضمان نجاحه.

القبة الصاروخية الخليجية

مع اتساع مدى الصواريخ وتزايد الهجمات الجوية والبحرية، وجدت دول الخليج نفسها أمام ضرورة إعادة “هندسة أمنها”.

وفي هذا السياق، أكد البديوي، قبيل انعقاد القمة، أن دول المجلس تبحث اعتماد نظام دفاعي موحّد ضد الهجمات الصاروخية وإنشاء ما يشبه الدرع الإقليمي، الذي “يمنحها قدرة تكاملية على مواجهة التهديدات الحديثة”، معتبراً أن الاهتمام بملف الدفاع الخليجي المشترك خلال القمة يأتي “استجابة مباشرة لمشهد إقليمي بالغ الحساسية اتسعت فيه دوائر الخطر”.

وقد عززت الدول الخليجية في السنوات القليلة الماضية التعاون العسكري والأمني بينها، من خلال بناء بنية للإنذار المبكر، وتحديث خطط الدفاع المشترك، وتبادل البيانات في الزمن الفعلي، وتعزيز التنسيق بين مراكز القيادة والسيطرة.

ويؤكد الباحث في الدراسات الاستراتيجية محمد صالح الحربي أن “القبة الصاروخية الخليجية ستعمل كمظلة متعددة الطبقات قادرة على التعامل مع الباليستيات وصواريخ كروز والمسيّرات ضمن قيادة وسيطرة موحدة، ما يسرّع الإنذار واتخاذ القرار ويوفّر طرقاً أكثر فاعلية لإدارة الذخائر عبر إطلاق مركزي لها”، مشيراً إلى أن القبة ستمنح هذه الدول القدرة على إعادة توزيع دفاعاتها بحسب محور التهديد”.

ومن جهته، يربط العميد المتقاعد سعيد بن محمد الحجري بين القبة الصاروخية ومفهوم الكفاءة الاستراتيجية، إذ يرى أنها “ترفع كفاءة التشغيل عبر دمج أنظمة الإنذار المبكر في شبكة واحدة، وتوفّر تغطية أوسع ومرونة أكبر في توزيع القدرات، وتمنح دول الخليج القدرة على إجراء تحديث تقني دائم لمنظوماتها الصاروخية، وتفتح الباب أمامها للاستفادة من أدوات جديدة في إدارة المعارك الجوية مثل الذكاء الاصطناعي”.

ضرورة الدفاع المشترك

على مدى العقود الماضية، تطوّر التعاون العسكري والأمني بين الدول الخيجية، لكن الحروب والأحداث الأمنية الكبرى حول العالم، زادت من التحديات أمام الجيوش للتعامل مع التهديدات المختلفة، كما زادت الحاجة إلى التنسيق بين الدول من أجل التصدي لها.

ويقول رئيس مركز الإنفراد للاستشارات والتدريب عبد المحسن الشمري إن “دول الخليج تمتلك القدرة التقنية للوصول إلى مستويات عالية من مشاركة البيانات الرادارية والاستخبارية في الزمن الفعلي”، لكنه يوضح أن “هذه القدرة ما تزال دون مستوى التطبيق الممكن بسبب مجموعة من العوامل السياسية والسيادية، منها حساسية المعلومات واختلاف مصادر السلاح وتفاوت معايير السرية وعدم وجود مركز قيادة موحّد”.

ويرى الشمري أن تجاوز هذه العقبات يتطلب إنشاء شبكة إنذار مبكر خليجية موحدة وتوحيد مراكز القيادة وتحديث التشريعات العسكرية وتحصين البنية السيبرانية”.

أما الحربي فيعتبر أن “الهجمات المركبة العابرة للحدود أثبتت أن أمن الخليج كلّ لا يتجزأ، وأن الردع الجماعي هو الأداة الوحيدة الكفيلة بحماية البنى التحتية الحيوية”.

ويعزز هذه القراءة ما يطرحه الحجري، الذي يربط بين طبيعة التهديدات وضرورة بناء دفاع مشترك، معتبراً أن التهديدات الصاروخية والجوية العابرة للحدود أكبر من قدرة أي دولة على مواجهتها منفردة”.