
صدر الصورة، Getty Images
قبل 2 ساعة
في جولة اليوم على أبرز الصحف العالمية، تصدرت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واستراتيجيته الجديدة للأمن القومي، صفحات الرأي في أهم الصحف الأوروبية، إذ اعتبرتها “لوموند” بمثابة “خيانة” وتشكل خطراً حقيقياً على القارة الأوروبية والاتحاد الأوروبي، فيما ردّ كاتب رأي في “الغارديان” بحزم على السياسات المناهضة للمهاجرين، وتحدثت “نيويورك تايمز” الأمريكية عن “حرب حضارية” يقودها الرئيس الأمريكي.
نبدأ جولتنا مع الغارديان ومقال رأي لجورج مونبيو بعنوان: “الحقائق واضحة: على أوروبا أن تفتح أبوابها أمام المهاجرين، وإلا ستواجه حتمية زوالها”.
انتقد الكاتب استخدام إدارة ترامب مصطلح “محو الحضارة” في استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، التي نُشرت الأسبوع الماضي، زاعمةً أنّ الهجرة، من بين عوامل أخرى، ستؤدي إلى تدمير الحضارة الأوروبية.
إلا أنّ مونبيو يعتقد عكس ذلك، ويقول: “في الواقع، بدون الهجرة، لن تكون هناك أوروبا، ولا حضارة، ولن يبقى أحد ليجادل في ذلك”، وهذا لأنّ معدل الخصوبة في الاتحاد الأوروبي الذي انخفض مرّة أخرى هو ما يشكل فعلياً “محواً للحضارة”.
ويشير الكاتب الى أنّ هذا الاختلاف في وجهات النظر يعود إلى أنّ “إدارة ترامب تنظر إلى الحضارة على أنها ملكية غربيّة بيضاء، مهددة من قبل السود والملونين”.
ويضيف أنّ ترامب ادّعى هذا الأسبوع، أنه باستثناء بولندا والمجر، فإنّ الدول الأوروبية “لن تكون دولاً قابلة للحياة بعد الآن” نتيجة للهجرة.
ويقول الكاتب إنّ “الحضارة، كما كانت في كثير من الأحيان على مدى القرنين الماضيين، هي في حالة ترامب، مفهوم عنصري ومتعصّب للعرق الأبيض. يبدو أن حكومة ترامب تخشى طمس الثقافة البيضاء”.
ويجادل الكاتب أنّه لم يكن هناك ثقافة بيضاء خالصة يوماً. ويضيف: “لغتنا، وعلومنا، ورياضياتنا، وموسيقانا، ومطبخنا، وأدبنا، وفنوننا، وبفضل إرث النهب الاستعماري وما بعد الاستعماري، الكثير من ثرواتنا، نشأت في أماكن أخرى”.
ويعتقد أنّ من يُبالغون في القلق بشأن عدد السكان يُحاربون معادلةً رياضية. وأنّ عدد السكان العالمي سيستمرّ في الارتفاع لفترةٍ من الزمن، قبل أن يشهد انخفاضاً حاداً بسبب الزخم الديموغرافي.
ويضيف: “الشيء الوحيد الذي يستطيع هؤلاء المهووسون فعله لتغيير ذروة النمو السكاني لأكثر من عامين هو ارتكاب مجازر جماعية غير مسبوقة: ذبح مئات الملايين من البشر”.
ويتابع أنّ “من المفارقات أن الشخص الذي ربما يكون قد تسبب في أكبر انخفاض في عدد السكان هو إيلون ماسك، الذي يُعلن صراحةً عن دعمه للإنجاب، والذي قد يؤدي تفكيكه لوكالة التنمية الدولية الأمريكية، وفقاً لتقديرات مجلة لانسيت، إلى وفاة 14 مليون شخص”.
وبالعودة لأهمية الهجرة يقول: “بدون الهجرة، لن تبقى أوروبا ولا المملكة المتحدة خلال أجيال قليلة. ستبدو هواجسنا العنصرية الحالية غير مفهومة لأحفادنا المسنّين، الذين يتوقون إلى شباب يعتنون بهم ويحافظون على استمرارية بلدانهم”.
ويختتم قائلاً: “إنّ استراتيجية ترامب الأمنية، ككل سياسات اليمين المتطرف، سخيفة ومريبة في آن واحد. ولكن قبل كل شيء، هي خاطئة”.
“يريد حرباً حضارية جديدة”

صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصوله إلى قاعدة إلمندورف- ريتشاردسون المشتركة يوم 15أغسطس/آب 2025 في أنكوريج، ألاسكا.
ننتقل الى نيويورك تايمز ومقال رأي لتوماس فريدمان بعنوان: “ترامب ليس مهتماً بخوض حرب باردة جديدة. بل يريد حرباً حضارية جديدة”.
يقول الكاتب إنّ مقاله يأتي ردّاً على استراتيجية الأمن القومي التي أصدرتها إدارة ترامب الأسبوع الماضي، والمؤلفة من 33 صفحة. ويعلق عليها قائلاً: “لقد لوحظ على نطاق واسع أنه في حين تشتد حدة التنافس الجيوسياسي بيننا وبين روسيا والصين أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، وفي ظل تقارب موسكو وبكين المتزايد ضد أمريكا، فإنّ عقيدة الأمن القومي لترامب لعام 2025 تكاد لا تذكر هذين الخصمين الجيوسياسيين”.
ويضيف أنّه وبينما يستعرض التقرير مصالح الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، “فإنّ أكثر ما يثير اهتمامي فيه هو تناوله لحلفائنا الأوروبيين والاتحاد الأوروبي. فهو يشير إلى أنشطة تقوم بها ديمقراطياتنا الأوروبية الشقيقة ويعتبر أنها: تقوّض الحرية السياسية والسيادة، وسياسات الهجرة التي تُغيّر وجْه القارة وتخلق الصراعات، والرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية، وانخفاض معدلات المواليد بشكل حاد، وفقدان الهويات الوطنية والثقة بالنفس”.
ويشير الكاتب إلى أنّه يُفهم ضمنياً – وإن لم يُذكر صراحةً – من ورقة الاستراتيجية، “أننا سنحكم عليكم ليس بجودة ديمقراطيتكم، بل بمدى صرامة إجراءاتكم في كبح تدفق الهجرة من الدول الإسلامية إلى جنوب أوروبا”.
ويعتقد الكاتب “أنها لغة لا تشبه أي استطلاع سابق للأمن القومي الأمريكي، وفي رأيي تكشف حقيقة عميقة عن إدارة ترامب الثانية: حقيقة مجيئها إلى واشنطن لخوض حرب أهلية ثالثة في أمريكا، وليس لخوض حرب باردة جديدة للدفاع عن حدود الديمقراطية وتوسيع نطاقها”.
ويضيف: “يسعى، في رأيي، إلى خوض حرب حضارية حول مفهوم الوطن الأمريكي ومفهوم الوطن الأوروبي، مع التركيز على العِرق والعقيدة المسيحية اليهودية، ومن هو الحليف في هذه الحرب ومن ليس كذلك”.
وينقل فريدمان ما نشره الكاتب الاقتصادي نواه سميث على مدونته على موقع “سابستاك” هذا الأسبوع بأنّ “هذا كان السبب الرئيسي وراء بدء حركة ماغا (المناصرة لترامب) في الابتعاد عن أوروبا الغربية والاقتراب من روسيا فلاديمير بوتين – لأنّ أنصار ترامب رأوا بوتين كمدافع عن القومية المسيحية البيضاء والقيم التقليدية أكثر من دول الاتحاد الأوروبي”.
وبمعنى آخر، يقول الكاتب “تصبح حماية الحضارة الغربية – مع التركيز على العِرق والدين – محور الأمن القومي الأمريكي، ويصبح التهديد الأكبر هو الهجرة غير المنضبطة إلى أمريكا وأوروبا الغربية، وليس روسيا أو الصين”.
وينقل عن المحلل الدفاعي ريك لاندغراف على موقع “وور أون ذا روكس” المتخصص في الشؤون الدفاعية، فإن “حماية الثقافة الأمريكية”، و”الصحة الروحية”، و”الأُسَر التقليدية” تُصوَّر على “أنها متطلبات أساسية للأمن القومي”.
“يريد تفكيك أوروبا”

صدر الصورة، Getty Images
وأخيراً من الصحيفة الفرنسية “لوموند” ومقال افتتاحي بعنوان: “صدمة الرؤية الاستراتيجية لإدارة ترامب بالنسبة للاتحاد الأوروبي”.
اعتبرت الصحيفة أنّ “استراتيجية الدفاع الوطني” لإدارة ترامب تهدف إلى “تفكيك أوروبا” وتتميز “بوضوحها، حتى في الأمور التي لم تذكرها”.
وتضيف أنّ ذلك يبرز بجلاء في قضية التهديد المناخي، “الذي بات من المحرمات في واشنطن”.
إلا أنّ “الأمر الأكثر إثارة للدهشة” بالنسبة لـ”لوموند” هو “أنّ التهديد الذي يشكّله الانتشار النووي يكاد لا يُذكر، أو حتى يُتجاهل تماماً في حالة كوريا الشمالية”.
وتقارن الصحيفة بين استراتيجية إدارة ترامب الحالية والرؤية التي تبنّتها إدارته الأولى عام 2017 في العلاقة مع روسيا والصين، اللتين اتُهمتا آنذاك بالسعي إلى “الإضرار بأمن الولايات المتحدة وازدهارها”.
وتقول الصحيفة الفرنسية إنّ ذلك “لم يعد هو الحال اليوم”.
وتكرر “لوموند” مجدداً أنّ الاستراتيجية لا تتضمن سوى تصوُّر “علاقات اقتصادية حقيقية ذات منفعة متبادلة” مع بكين. أمّا بالنسبة لموسكو، “التي لا تعتبرها الإدارة الأمريكية تهديداً إلا في نظر الأوروبيين” بحسب رأي إدارة ترامب، فإن الأولوية هي “إعادة تهيئة الظروف للاستقرار الاستراتيجي” في القارة.
اعتبرت “لوموند” أنّ استراتيجية ترامب للدفاع الوطني “خيانة” لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، الذين “أُجبروا على الرضوخ رغم ثمانية عقود من الشراكة المخلصة” بحسب الصحيفة التي أضافت: “ومع ذلك، قد يكون لنشر هذه الوثيقة بعض الفائدة، إذا ما ساهمت في إخراج عددٍ كبيرٍ من القادة الأوروبيين من حالة الإنكار التي يعيشونها، لأن ساكن البيت الأبيض ليس مخطئاً عندما ينتقد بازدراءٍ مماطلتهم وترددهم” بحسب تعبيرها.
تذهب الصحيفة في اتهاماتها إلى أبعد من ذلك وتقول إنّ “الاستقلال الاستراتيجي (الأوروبي) لم يعد خياراً بل واجباً”، إذ “يجب ألّا نسيء فهم نواياها الحقيقية حين تدّعي رغبتها في تصحيح المسار الأوروبي، فالهدف واضح: تفكيك الاتحاد الأوروبي إلى سبعة وعشرين كياناً، مُجرّدة من قوة السوق الموحدة والحماية التي يكفلها التشريع السيادي الذي يُقرّه برلمان منتخب ديمقراطياً”.
وتضيف: “يريد دونالد ترامب أوروبا خاضعة للمصالح الاقتصادية الأمريكية، بدءاً بمصالح عمالقة التكنولوجيا”.
وتعتبر الصحيفة أنه لتحقيق ذلك، يعتزم رئيس الولايات المتحدة دعم ما سمّتهم “الوطنيين قصيري النظر”، عبر “تدخلات واسعة النطاق، والذين هم على استعداد للتضحية بالمشروع الأوروبي من أجل سيادات وهمية هامشية، يمكن لواشنطن، وكذلك موسكو وبكين، أن تُحرّضها ضد بعضها البعض متى شاءت. سنخسر نحن الأوروبيين كل شيء”.
