خلال الدورة 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، التقى موقع “ميدل ايست اونلاين” بالممثلة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، التي اعتبرت السينما وسيلة لتحويل الغضب إلى طاقة بناء، لكنها أعربت عن خوفها الدائم من الرقابة الذاتية التي قد تحد من قدرة الفنان على أداء دوره في المجتمع. وخلال الحوار تحدثت لبكي عن تجربتها في أفلامها السابقة مثل “سكر بنات” و”كفر ناحوم”، وعن رؤيتها لدور المرأة والفنان في مواجهة القضايا الاجتماعية والإنسانية، وفيما يلي نص الحوار:
كيف تصفين علاقتك بالسينما ودورها في حياتك الشخصية والفنية؟
السينما بالنسبة إليّ هي استجابة لحاجة داخلية لتحويل الغضب إلى طاقة إيجابية، إذ أشعر أنني من خلال أفلامي أستطيع معالجة مواضيع تمس الذات والجماعة، لكن دائمًا هناك خوف من الرقابة الذاتية التي قد تجعل الفنان يتراجع عن مسؤوليته في المجتمع.
ما هو أكبر تحدٍ واجهته أثناء تصوير “كفر ناحوم”؟
هو تصوير الفضاءات والأحياء اللامرئية التي تعيش بؤسها خارج مظاهر الرفاهية في بيروت، والتكيف مع إيقاع الأطفال وبرمجة ساعات تصوير طويلة لتسجيل الانفعالات الحقيقية، وأحيانًا كانت فوضى التصوير تتحول إلى ارتجال فني يضيف أصالة للمشهد.
كيف تختارين الممثلين لأفلامك، خصوصًا الأطفال؟
أبحث عن أداء يمزج الواقع بالتمثيل، لذلك غالبًا أستعين بممثلين غير محترفين وأعمل على تجهيزهم لإنتاج ردود فعل عميقة وصادقة، كما أن الموسيقى أيضًا تلعب دورًا رئيسيًا، فهي تصاحب الفيلم منذ الفكرة وتعيد إحياء الروح الفنية للرحابنة، وهي جزء من الهوية السينمائية لأعمالي.
هل شعرتِ بعبء المسؤولية بعد نجاح “كفر ناحوم” عالميًا؟
نعم، النجاح العالمي جاء مع شعور دائم بالذنب تجاه الأطفال الآخرين الذين يعيشون ظروفًا صعبة، كما تم إنقاذ بطل الفيلم، اللاجئ السوري “زين”، لكن السؤال يبقى: ماذا عن باقي الأطفال في شوارع لبنان وخارجه؟ هذا الشعور يلازمني دائمًا.
كيف أثرت تجربتك السابقة في الإعلانات والفيديو كليبات على عملك السينمائي؟
هذه التجربة كانت مختبرًا مهمًا، وتعلمت تقديم الأغنية في شكل قصة جذابة، وهذا أثر بشكل كبير على قدرتي على سرد القصة السينمائية بشكل مشوق وقادر على لمس المشاهد.
وما هو الدور الذي تعطيه المرأة في أفلامك؟
المرأة دائمًا محور اهتمامي، ففي فيلم “هلأ لوين” على سبيل المثال، أعطيت الكلمة لنساء يرفعن أصواتهن لمواجهة الاحتراب الطائفي وضمان مستقبل آمن لأبنائهن، وهذا الدور سيتجدد في مشروعي القادم، لأن قضية المرأة لا تتقادم، طالما الرؤى النمطية ما زالت تعرقل مسارها التحرري.
ما الذي ترينه الأهم في مهمة الفنان اليوم؟
أرى أن الفنان يجب أن يثير الجدل ويفتح النقاش، وأن يخلخل الأفكار الجاهزة، لأن الفن مسؤولية اجتماعية وأداة للتغيير، ويجب ألا يسمح لأي رقابة، حتى رقابة الذات، بأن تعيقه عن أداء هذا الدور.
ونادين لبكي هي مخرجة وممثلة لبنانية، اشتهرت في صناعة أعمال سينمائية جريئة وعميقة تعالج قضايا اجتماعية وإنسانية حساسة، مثل فيلمها “سكر بنات” كمزيجًا شعريًا غنائيًا مرحًا يتناول التضامن النسائي بجرأة، محققة نجاحًا واسعًا وأثبتت قدرتها على تقديم السينما اللبنانية في الخارج بصورة متميزة، وتواصل استكشاف موضوعات أكثر تعقيدًا مثل التوترات الدينية وظروف عيش المرأة في فيلمها “وهأّل لوين؟” الذي يحمل صبغة كونية ويتطرق إلى التسامح والتعايش، ثم تؤكد حضورها العالمي بفيلمها المؤثر “كفرناحوم” الذي يعبر عن معاناة الطفولة المدَّمرة في مجتمع يتنكر لإنسانيته، محققًا لها جائزة لجنة التحكيم وترشيحات للغولدن غلوب والبافتا والسيزار والأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، لتصبح أول امرأة عربية تصل إلى هذا المستوى، كما تلعب دورًا فاعلًا في دعم السينما من خلال ترؤسها لجنة تحكيم مسابقة “نظرة ما” وعضويتها في لجان تحكيم مهرجان كان، مثبتة بذلك مكانتها المرموقة في الساحة السينمائية الدولية وقدرتها على الجمع بين الفن والرسالة الاجتماعية بأسلوب مؤثر وملهم.
