فاطمة عطفة
«على مدى السبع عشرة سنة الماضية، تطوّر «فن أبوظبي» ليصبح نقطة التقاء عالمية حقيقية للمهنيين في الحقل الثقافي، مسهماً في تعزيز المنظومة الفنية المحلية من خلال شبكاته الدولية الواسعة، كما أن النمو الملحوظ في نسخة هذا العام يعكس مشاركة المعارض ضمن الفعالية والحضور الدولي المتزايد، ليس فقط تزايد الرغبة في التبادل الثقافي، بل أيضاً الثقة التي يوليها المجتمع الفني العالمي لرؤية أبوظبي، والتي أسهمت في تعميق مستوى الانخراط والتعاون مع شركائنا الدوليين. لقد بدأت الاستثمارات الكبيرة التي أولتها القيادة الرشيدة للمشاريع الثقافية في جزيرة السعديات وغيرها تؤتي ثمارها في مبادرات مثل (فن أبوظبي)».
هكذا تضيء ديالا نسيبة، مدير معرض «فن أبوظبي» في حديثها لـ(الاتحاد) على المستوى العالمي الذي حظي به المعرض ومدى تطوره في دورته دورته السابعة عشرة هذا العام، وهو ما أكده أيضاً الحضور العالمي المتمثل في زيادة عدد الجاليراهات والفنانين المشاركين، إضافة إلى اتساع حضور المعرض وانتقاله إلى مدينة العين، لما تمثله من أهمية تراثية وثقافية أصيلة.
وترى نسيبة في هذا النمو فرصة لتعزيز اندماج منظومتنا الفنية ضمن الأسواق العالمية. كما أصبحت أبوظبي مركزاً مالياً عالمياً رائداً، يجذب المعارض الفنية الراغبة في تنويع حضورها خارج مراكز سوق الفن التقليدية، والتواصل مع مناطق جغرافية جديدة تمتلك فرصاً واعدة للنمو. وفي هذا المنعطف بالذات، تبرز أهمية التوسّع المدروس في نطاق المعرض، مع الحفاظ بشكل كامل على هويته الفريدة المتجذّرة في دولة الإمارات.
ونظراً لأن الفنانين الإماراتيين الروّاد قد تجاوزوا بشهرتهم منطقة الخليج العربي وبلغوا الساحة العالمية، فإن ديالا نسيبة تقرأ هذا الإنجاز عبر المردود الثقافي، قائلة: «يمثل الاعتراف العالمي المتنامي بالفنانين الإماراتيين الروّاد محطة ثقافية بالغة الأهمية، فهو يبرز أثر الحضور العالمي لدولة الإمارات من خلال دبلوماسيتها الناعمة، ويؤكد في الوقت ذاته أهمية حضور الأصوات الإماراتية داخل الخطابات المعاصرة على الساحة الدولية. وعلى مستوى الوطن، يعزّز هذا الاعتراف الثقة بالهوية الثقافية ويكرس مكانة الإمارات كمساهم رئيسي في الإبداع العالمي. أمّا على مستوى المجتمع، فيشكّل مصدر إلهام لجيل جديد يسعى إلى التعمق في الممارسات الفنية، وينظر إلى الإنتاج الثقافي بوصفه جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية ووسيلة للمشاركة في النقاش المحلي حول ملامح هذه الهوية بتنوعها».

وترى نسيبة أن الإمارات تكاد تنفرد بميزة نابعة من روح مواطنيها العالية في خدمة الصالح العام، ودافعهم المستمر للمساهمة في تقدم الوطن وتعزيز التماسك الاجتماعي، وهي ميزة تترجم إلى شعور بأن الجميع يسيرون في الاتجاه نفسه نحو مستقبل مشترك. وفي نهاية المطاف، يسهم هذا الحضور المتزايد في إثراء فهم العالم للسرد الثقافي الإماراتي، ويعزّز دور الدولة كمركز إبداعي نابض بالحياة.
أما عن اتساع «فن أبوظبي» ليشمل مدينة العين في دورة هذا العام، فتقول ديالا نسيبة: «يمثل انتقال «فن أبوظبي» إلى مدينة العين توسعاً مهماً لحضورنا الثقافي. فالعين، بما تحمله من إرث تاريخي وثقافي عريق، توفّر بيئة مميزة يلتقي فيها التراث بالفن المعاصر في حوار غني ومثمر»، مبينة أن هذا يسمح بتوسيع البرامج إلى هذه المدينة بالوصول إلى جمهور أوسع، وتفعيل فضاءات ثقافية جديدة وتعميق التواصل مع المجتمعات عبر أرجاء الإمارة. ولا يُعد هذا التوسع جغرافيا فحسب، بل يعكس التزامنا بتوفير تجارب ثقافية متنوعة وشاملة ومتاحة لجميع من يعيش في دولة الإمارات.
وعن حضور المرأة الإماراتية في المشهد الفني الإبداعي، تقول ديالا نسيبة: «تتبوأ المرأة الإماراتية موقعاً محورياً في النهضة الثقافية التي تشهدها الدولة اليوم»، مؤكدة على أن حضورها القيادي في المتاحف والمؤسسات الثقافية والأوساط الأكاديمية والفنون يبرهن على رؤية واضحة وصلابة استثنائية. وتضيف نسيبة: «من خلال عملي الوثيق مع العديد من الإماراتيات المبدعات، أرى أن دورهن أساسي في إثراء المشهد الثقافي وتعزيز حيويته وتجدده».
الذكاء الاصطناعي
ترى ديالا نسيبة أن الذكاء الاصطناعي يوفّر آفاقاً مثيرة للاهتمام للقطاع الثقافي، سواء كأداة إبداعية أو كوسيلة لتوسيع نطاق الوصول إلى الفنون. وتوضح قائلة: «نحن في «فن أبوظبي» ننظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه شريكاً في الابتكار، إذ يتيح أشكالاً جديدة من التعبير الفني، ويعزز تفاعل الجمهور، ويدعم البحث والأرشفة. ومع ذلك، فإن مقاربتنا تعتمد على تفكير متأنٍ وأسس أخلاقية واضحة. نحن ندرك أهمية الحفاظ على البصمة الإنسانية وحدس الفنان، وبصيرة القيّم، وصوت المجتمع»، مؤكدة على أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً، بل فرصة لإثراء الإنتاج الثقافي وفتح حوارات جديدة حول الملكية الفكرية، والإبداع، ومستقبل الفن.
