ثمة توقعات محددة ترافق أي فيلم لعيد الميلاد تُخرجه كايت وينسلت. وفيلم “وداعاً جون” Goodbye June يلبي هذه التوقعات كلها. يضم العمل طاقماً تمثيلياً من الصف الأول، إذ تنضم وينسلت على الشاشة إلى هيلين ميرين، وتيموثي سبال، وتوني كوليت، وأندريا رايزبورو، وجوني فلين. لم تُثقل المخرجة أداء ممثليها بالتدخل أو التوجيه الزائد، إذ عملت بفريق تصوير محدود وبأقل قدر من التدخل البصري، بحيث تبدو مشاهد الدموع وتشابك الأيدي صادقة إلى حدّ بالغ، ومصقولة بعناية شديدة، إلى درجة تجعلك تتوقع [على سبيل السخرية] أن تُدس قطعة شوكولاتة من “كادبوري” [المعروفة بإعلاناتها العاطفية في موسم الأعياد]، في يد أحدهم، وأن يظهر الشعار على الشاشة في أي لحظة. ولو حدث ذلك فعلاً، لكان الإعلان حديث البلاد طوال الأسابيع الثلاثة التالية.
يؤدي جميع الممثلين أدوارهم، على نحو أو آخر، ضمن النبرة العاطفية المألوفة لكايت وينسلت، القائمة على الصدق والبساطة العملية. فلطالما عُرفت بقدرتها على الوصول مباشرة إلى مشاعر الجمهور بدمعة واحدة. وقد كتب فيلم “وداعاً جون” ابنها جو أندرز في أولى تجاربه الكتابية، مقدّماً معالجة مشوبة بالحزن والدفء لموسم الأعياد تجمع أربعة أشقاء متباعدين: جوليا (وينسلت)، ومولي (أندريا رايزبورو)، وهيلين (توني كوليت)، وكونور (جوني فلين)، يلتقون عند سرير احتضار والدتهم، فيما يتساءلون عمّا إذا كانت أمهم المحبوبة “جون” (التي تؤدي دورها هيلين ميرين)، المصابة بسرطان عضال، ستتمكن من البقاء حتى يوم عيد الميلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن حس وينسلت التمثيلي يطغى هنا على حسها الإخراجي. فالأداءات هنا متقنة، بل إنها تنجح حتى في انتزاع لحظات جميلة من العدد الكبير من الأطفال المشاركين في الفيلم، لكن ما يحيط بها من بناء سينمائي يبدو محدوداً إلى حدّ بعيد. “لا تمانعين إن متُّ الآن، أليس كذلك يا عزيزتي؟” تهمس جون لجوليا من سرير المستشفى. فعندما تنتقل الكاميرا إلى جون، يغلب على الصورة تركيز ناعم حالم، بينما تبدو اللقطات المقابلة من زاوية جوليا أكثر حدّة ووضوحاً. هذا التباين يخدم الانفعال العاطفي للممثلة، لكنه يخلق اختلالاً بصرياً مربكاً للمشاهد، ويجعل من الصعب في كثير من الأحيان الإحاطة بالمكان الذي تتحرك فيه الشخصيات.
هؤلاء ممثلون متمرسون إلى حد لا يحتاجون معه إلى شخصيات مكتوبة بإحكام كي يقنعونا عاطفياً. ومع ذلك، تبدو العائلة التي يرسمها جو أندرز بلا عمق يُذكر. فالسرد ينحاز بوضوح إلى جوليا ومولي، وهما الشقيقتان الأمّان. جوليا موظفة غارقة في دوّامة العمل المؤسسي، لا تنزع سماعتيها اللاسلكيتين وتطاردها حسرة الوقت الذي لم تمضِه إلى جانب أطفالها في مباريات كرة القدم. أما مولي، فمهووسة بالأنظمة الغذائية العضوية، ومتزوجة من زوج ثقيل الظل (ستيفن ميرشنت)، وتضمر غيرة واضحة من قدرة جوليا على إيواء والدتهما في جناح مستقل أسفل منزلها بحمامه الخاص (وأرضيته المدفّأة!).
مواجهات الشقيقتين مؤثرة ومتماسكة درامياً. لكن الفيلم يتعامل مع هيلين وكونور بالقدر نفسه من الإهمال الذي يلقَيانه داخل العائلة نفسها. تظهر هيلين للمرة الأولى وهي تستمع إلى تسجيل تأملي يطمئنها إلى إمكانية العيش منفصلة عن فكرة العائلة، فيما لا يزال كونور مقيماً في المنزل، تائهاً بلا اتجاه واضح. وتُحل أزماتهما بسرعة عابرة تكاد لا تُرى. في المقابل، يؤدي فيسايو أكينادي دور ممرض يدعى “آنجل”، في حضور يبدو أقرب إلى وظيفة رمزية منه إلى شخصية مكتملة. آنجل، كما يعرّفه الفيلم، يسعى إلى أن يودع الناس الحياة “وداعاً جيداً”. وللحظة، يبدو أن فيلم وينسلت يحاول التعامل مع صعوبة هذا الواقع من الناحية العملية. لكن كيف يمكن لنا أن نتعاطف مع هذه الفوضى حين يظل الكثير منها مخفياً عن أعيننا على الشاشة؟
الإخراج: كايت وينسلت. البطولة: كايت وينسلت، هيلين ميرين، أندريا رايزبورو، توني كوليت، جوني فلين، تيموثي سبال.
التصنيف الرقابي: مناسب لمن هم فوق 15 عاماً. المدة: 114 دقيقة.
يتم حالياً عرض “وداعاً جون” في بعض دور السينما، وسيكون متاحاً للمشاهدة عبر منصة “نتفليكس” اعتباراً من ليلة عيد الميلاد.
