“مات روب راينر الذي كان يوماً مخرجاً موهوباً ونجماً كوميدياً، مع زوجته ميشيل نتيجة الغضب الذي سببه بنفسه للآخرين، نتيجة مرضه غير القابل للشفاء الذي أعاق عقله. هذا المرض الذي يسمى متلازمة اضطراب ترامب. (راينر) كان معروفاً بدفع الناس إلى الجنون بهوسه الهائج بالرئيس دونالد ترامب (…) ليرقد روب وميشيل بسلام”.
هذه التغريدة التي نشرها ترامب على حسابه في “تروث سوشال” الاثنين الفائت، يفترض أنها تنعى المخرج الهوليوودي وزوجته اللذين وجدا في منزلهما مصابين بطعنات سكين قاتلة، ليكون المشتبه الأول والوحيد بارتكاب الجريمة ابنهما نيك.
ومع أنه بدأ نعيه بأن “أمراً حزيناً للغاية وقع في هوليوود”، إلا أن المنشور استمر كما يظهر، متشفياً وشامتاً بنجم سينمائي وتلفزيوني اختصر الرئيس حياته ومقتله المأسوي بأنه خصمه، وقد زاد من مأسوية الأمر واقع أن أباً وأماً قتلا بطريقة وحشية بيد ابنهما. تراجيديا أميركية أخرى بطلاها ليسا عدوين متواريين عن أنظار العدالة مثلاً، بل هما ضحيتان مدنيتان، لكنها لم تجد في قلب ترامب أي شفقة أو تسامح ولو مصطنع من رجل في منصبه، يرى أن راينر كان واحداً ممن سوقوا لخدعة دعم روسيا لترامب في انتخابات 2016.
الذهول الذي عادة ما يصيب خصوم الرئيس وصل أخيراً إلى قاعدته. تعليقات مناصريه الـ”ماغَويين” على منشوره، حملت، لأول مرة على الأرجح، كماً هائلاً من التعبير عن الإحباط وخيبة الأمل والغضب من زعيمهم الذي جعل جريمة عائلية وقعت في أقصى غرب أميركا تدور حول شخصه الذي يقطن أقصى شرقها. تعليقات صعدت من العتب الرقيق على كلامه غير الموفق إلى وصفه بأنه معيب ومخزٍ، والشكر للسماء لأن ترامب يقضي آخر ولاية رئاسية له، يأتي من مناصر انتخبه ثلاث مرات من قبل.
معظم التعليقات، وبعضها من مؤثرين محافظين مشهورين، طالبت الرئيس بمحو المنشور والاعتذار عنه، وهذا ما لم يحصل حتى الساعات الأولى من الثلاثاء، وقد أعاد نشره أحد حسابات البيت الأبيض الرسمية على “إكس”.

روبرت راينر وزوجته ميشيل. (وكالات)
المفارقة التي تنبه إليها المحافظون تكمن في أن ترامب لجأ إلى تعنيف القتيل، هو الذي تعرض لمحاولتي اغتيال من قبل، وعقب مطالبة اليمين الأميركي بمحاكمة الذين سخروا من مقتل الناشط تشارلي كيرك، وتبريرهم للعنف الذي أودى بحياته.
غضب القاعدة من شماتة كبيرها بالموت تأتي لتعمّق شرخاً يتسع بينها وبينه منذ عودته إلى البيت الأبيض. وعلى أبواب سنة على رجوعه، تزداد العلاقة اضطراباً بين جمهور “أميركا أولاً” يرى قائده غير مهتم بتجفيف مستنقع الفساد السياسي في واشنطن، يصب جل اهتمامه على حل أزمات دولية لا تعني الأميركي العادي بشيء، ويحيط نفسه بأباطرة المال والنفوذ، بينما لا يتحقق شيء من الوعود التي أطلقها لرفع المستوى المعيشي للأميركيين دون الطبقة الوسطى، الذين كانوا يرون فيه نصيرهم ومنقذهم من مشاكلهم الاقتصادية المزمنة التي يرجعون أسبابها إلى فساد الطبقة السياسية بشقيها الجمهوري والديموقراطي.
هذا التباعد بين الرأس والجسد وجد في البيت الأبيض من ينبه الرئيس إليه وينصحه بتنظيم جولات تفقّد للرعية الماغوية التي تفلت من يده في زمن مصيري وأميركا تدخل مع العام المقبل موسم انتخاباتها النصفية. وإذا كان جمهور المحافظين ومعهم أتباع ماغا غاضبين أو محبطين، فهذا يعني نفوراً من السياسة وإقبالاً أقل على صناديق الاقتراع التي إذا ما قلب الديموقراطيون الأكثرية في الكونغرس لمصلحتهم، تعني أن ترامب سيمضي ما تبقى من ولايته في جحيم من الصراعات المتناسلة بعضها من بعض، وهذا ما لا يحتاجه لا هو ولا الحزب الجمهوري في الاستحقاق النصفي ومن ثم الذي يليه في الانتخابات العامة والرئاسية عام 2028.
كان باستطاعة ترامب أن يوفر على حزبه رعباً وإحراجاً ومزيداً من ضرب الأخماس بالأسداس لو أنه استمع إلى نصيحة أتباعه وتعاطى وفق أخلاقيات الأميركي الحقيقي وشهامته، مرتقياً عن الخصومات الشخصية. لكن النصيحة جاءت متأخرة عن التغريدة، وكردة فعل على الضرر الذي وقع، والذي لن يعترف به ترامب بطبيعة الحال، كما أنه لن يعتذر، كما العادة، عما فعل.
