في بلدٍ يُعاني من أزمات مُتراكمة تطالُ كلّ تفاصيل الحياة اليوميّة، تتحوّل سلامة الغذاء إلى أحد أكثر الملفات حساسيّة وخطورة خصوصاً مع استسهال بعض التّجار المتاجرة بصحّة الناس، ضاربين بعرض الحائط كلّ القوانين والمعايير الصحيّة، في مشهدٍ يعكسُ فوضى الأسواق وغياب الضمير الإنساني.
كثيرةٌ هي البيانات والفيديوهات والصّور الصّادرة عن القوى الأمنيّة ووزارة الاقتصاد في الآونة الأخيرة التي تكشف حجم التلاعب بغذاء اللبنانيّين. أطنانٌ من الطحين، واللحوم، والمكسّرات، والسكاكر المخصّصة للأطفال، والحلويات، والبهارات، ورب البندورة، والمعلّبات، وحتّى المعسّل، والأخطر هو ضبط آلات تُستخدم لتزوير تواريخ الصلاحية ما يحوّل المخالفات من إهمال أو تجاوز إلى جريمة موصوفة بحق الصحّة العامة، ويكشف مستوى الاستهتار بحياة المواطنين، خصوصاً من هم في فئة الطبقة الفقيرة.
تعكسُ الجهود الأمنية من مختلف المؤسّسات خلال الأشهر الفائتة بشكلٍ خاصّ محاولة جدّية لتفعيل الرقابة والتصدّي للفوضى التي سمحت لبعض التجّار بتحويل الأزمة الاقتصادية إلى فرصة مديدة لتحقيق أرباحٍ غير مشروعة، وما يجري يسلّط الضوء على حقيقة تناساها اللبنانيّون في ظلّ زحمة الملفات الخطيرة التي تطبع أيّامهم، وهي أنّ سلامة الغذاء ليست ترفاً ولا ملفاً ثانوياً، بل هي حقٌ أساسي من حقوق المواطنين، وأي تهاونٍ في هذا المجال يضع حياة الناس في دائرة الخطر، ويُعمّق الشعور بانعدام الأمان حتى في أبسط تفاصيل العيش في لبنان.
الغذاء الفاسد والمزوّر هو قتلٌ بطيء ومتعمّد، ومن يُتاجر به هو تاجر موت لا تاجراً مخالفاً. من هنا، المطلوب وضع حدّ لهذه الجريمة الجماعيّة، بلا خطوط حمراء ولا أسماء محميّة ولا استنسابية. المطلوب ملاحقة كل الشبكات من المستودع إلى التوزيع إلى المتاجر، وضربها من جذورها، ووضع كل المتورّطين خلف القضبان. فسلامةُ الغذاء ليست حملة موسميّة، بل قضية أمن صحي ووطني بامتياز.
وفي الختام، رسالةٌ الى القوى الأمنيّة: لا تفاوضَ على صحّة اللبنانيّين، ولا تراجع في هذه المعركة. أكملوا هذه الحرب حتى النهاية، فسلامةُ الغذاء خطٌّ أحمر لا يقبل المساومة.
