يمثّل قرار سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، بتشكيل «اللجنة الوطنية لسردية الاتحاد»، خطوة مهمة على طريق تعزيز الهوية الوطنية، وتدعيم أركانها، وتقوية اللُحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ومواجهة السرديات الخاطئة أو المضلّلة، وتوفير إطار موثوق يساعد المؤسسات الوطنية، التعليمية والإعلامية والثقافية، على تقديم خطاب وطني منضبط ومتّسق، يضيف إلى قوة الدولة ومنعتها ووعيها بذاتها وتاريخها.
وكان طبيعياً أن تتمحور السردية الوطنية حول الاتحاد، بوصفه نقطة الارتكاز التي يمكن على أساسها تفسير ما سبقها وما تلاها من تطورات وتحولات، والحدث المحوري الذي عبر بأبناء دولة الإمارات من مرحلة تاريخية إلى أخرى، ووضع الأساس المتين للملحمة الكبرى التي أنجزوها في ظل قيادتهم الرشيدة، لتصبح دولتهم الفتية واحدة من أكثر دول العالم تماسكاً واستقراراً ورخاء وأمناً في سنوات قلائل من عمر الدول، وأتاح لهم الآن، في ظل قيادة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن يمضوا بثبات نحو تحقيق هدفهم في أن تكون دولة الإمارات أفضل دول العالم على الإطلاق، في الاحتفال بمئويتها عام 2071، وربما قبل ذلك، وفق وتيرة التقدم المتسارع الذي يجعل تحقيق هذا الهدف أقرب بكثير.

تعريف السَّرديّة
يمكن تعريف السَّرديّة بأنها منظومة من الأحداث والأفكار تُنظَّم وفق ترتيب معيّن، زمني أو سببي أو دلالي، لتمنح الوقائع معنى واتجاهاً وتأويلاً. وبهذا المعنى فإن «السردية الوطنية» هي طريقة تفسر بها الدولة أو المجتمع تاريخها ومسيرتها، من خلال مكونات عدة، منها الأحداث التاريخية المؤثرة، والنماذج الوطنية من قادة سياسيين أو اجتماعيين أو أبطال أدوا أدواراً مهمة في مراحل مصيرية، ومنظومات القيم والسلوك التي يتقاسمها مواطنو الدولة ويتوافقون عليها، والرؤية المنسجمة للماضي والحاضر والمستقبل.
السردية إذنْ هي طريقة الحكي، لا الحدث نفسه. وهي لا تكتفي بوصف ما حدث، بل تُشكِّل الوعي بما حدث. ومن هنا، فإن السردية ليست مجرد قصة، بل هي رؤية للعالم وللأحداث وللوقائع التاريخية تُصاغ عبر الحكي. ويلزم هنا التفرقة بين «السردية الوطنية» و«الذاكرة الوطنية»، حيث يقع الخلط بينهما كثيراً، على الرغم من وجود اختلافات جوهرية بينهما. 
في حين تُصاغ السردية الوطنية بشكل واعٍ ومقصود عبر الأجهزة والمؤسسات المعنية في الدولة، بهدف توحيد المجتمع وتقوية روابطه وتعزيز الانتماء بين أبنائه، فإن «الذاكرة الوطنية» هي ما يتذكره المجتمع من الوقائع والأحداث التي شهدها تاريخه، وهي تكون تلقائية وانتقائية، وقد تتسم في كثير من الأحيان بالتناقض والاختلاف، وربما تكون عامل تفرقة واختلاف إذا اختارت التركيز على وقائع بعينها أو تعظيمها مقابل إهمال وقائع أخرى.

أهمية متزايدة

وتكتسب «السردية الوطنية» المتسقة والموثوق بها لأي دولة أهمية متزايدة في الوقت الحالي، في ظل ثورة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والإعلام الجديد التي تتيح لسرديات مغلوطة أو مضللة فرصة الشيوع والانتشار واختراق الحواجز والحدود. وليس هناك شك في دقة المهام التي كُلفت بها اللجنة، وحاجتها إلى جهود كبيرة على مسارات مختلفة، إذ تتضمن هذه المهام «إعداد واعتماد الوثيقة الرسمية لسردية الاتحاد التي تتضمن التسلسل الدقيق للأحداث التاريخية المتعلقة بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، باستخدام المصطلحات والمرادفات المعتمدة وتوحيد السردية الوطنية وضمان اتساق جميع أشكال المحتوى الوطني والإعلامي والتعليمي والثقافي مع المعلومات الدقيقة المعتمدة في الوثيقة الرسمية. واعتماد الحملات الوطنية المتعلقة بالاتحاد والرموز الوطنية قبل إطلاقها، والتأكد من اتساقها مع سردية الاتحاد بالتنسيق مع الجهات المعنية».
وبالنظر إلى دقة المهمة، جاء تشكيل اللجنة برئاسة معالي أحمد جمعة الزعابي، مستشار صاحب السمو رئيس الدولة، وعضوية عدد كبير من الهيئات والمؤسسات الوطنية، ليمهّد الطريق أمام إنجاز هذه المهمة على الوجه الأكمل، استناداً إلى تراث راسخ من العمل التعاوني، الذي تتضافر فيه جهود المؤسسات الوطنية وتتكامل من أجل إنجاز مشروعات وطنية جليلة، في ظل دعم غير محدود من القيادة الرشيدة للدولة، وإصرار من جانب كل المشاركين على بذل أقصى جهد ممكن، والتغلب على كل العقبات التي يمكن أن تطرأ خلال المراحل المختلفة للعمل.

الأرشيف والمكتبة الوطنية

وإنه لمن دواعي الفخر، أن يكون من بين الموارد والمكونات المعتمدة في إعداد هذه السردية الوطنية، الأرشيف والمكتبة الوطنية، بما يملكه من المدونات الشخصية المنشورة وغير المنشورة، والوثائق الرسمية، والسجلات العمومية، والمدونات التاريخية، فضلاً عن المرويات الشفوية لأشخاص عاشوا تجارب تاريخية مهمة في الدولة خلال فترة تشكل الاتحاد، ثم قيام الدولة، وانطلاق مسيرة النجاح والإنجاز، حيث يمتلك «الأرشيف والمكتبة الوطنية» تاريخاً طويلاً في توثيقها وتنميتها، منذ بدأ مسيرته عام 1968 على يد المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي أنشأه، وتابع خطواته، وتعهده بالرعاية والدعم، ووفّر له كل إمكانات النجاح.