الشارقة 24:
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، شهدت الجمهورية التونسية احتفاءً ثقافياً واسعاً بمناسبة مرور عشرة أعوام على تأسيس بيت الشعر في القيروان (2015)، وذلك خلال حفل انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان القيروان للشعر العربي، الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة، في الفترة من 19-21 ديسمبر الحالي، بمشاركة أكثر 40 مبدعاً من شعراء وشاعرات وفنانين ونقاد تونسيين وعرب.
وأقيم حفل الافتتاح في قصر النجمة الزهراء المُطل على ساحل “المتوسط” في منطقة سيدي بوسعيد بالعاصمة التونسية تونس، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والأستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة، ود. توفيق قريرة، نائباً عن وزيرة الشؤون الثقافية التونسية معالي أمينة الصرارفي، مدير عام معهد الترجمة في وزارة الشؤون الثقافية، سعيد راشد الحفيتي القائم بأعمال سفارة دولة الإمارات لدى تونس، إضافة إلى مثقفين وأدباء وأكاديميين تونسيين وعرب، وعدد كبير من محبي القصيدة.
وحمل افتتاح المهرجان طابعاً احتفائياً انعكس على مداخلات الشعراء المشاركين في الجلسة الشعرية الأولى، إذ ثمّنوا، قبل إلقاء قصائدهم، مبادرة صاحب السموّ حاكم الشارقة بتأسيس بيوت الشعر، واصفين الشارقة بـ “أميرة الثقافة”، مؤكدين في الوقت نفسه أنها لم تتردد يوماً في دعم هذا المشروع الثقافي الريادي على امتداد الوطن العربي.
ملتقى للإبداع
وزفَّ عبد الله العويس إلى جمهور مهرجان القيروان للشعر العربي بشرى ثقافية جديدة، تمثّلت بإصدار أول نسخة من المرحلة الأولى لمشروع الموسوعة العربية الشاملة للعلوم والآداب والفنون والإعلام، قائلاً: “ما أن انتهى مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، ها هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يزف لنا بشرى ثقافية جديدة وهي إصدار أول نسخة من المرحلة الأولى لمشروع الموسوعة العربية الشاملة للعلوم والآداب والفنون والإعلام، وما توقيع النسخة الأولى من المشروع إلّا قطاف أول لمشروع ينقسم على أربع مراحل، ويضم 700 عالم من خيرة هذه الأمة، يعملون كخلية نحل بين شرق الأمة وغربها، وإن ما أنجز في المرحلة الأولى هو 60 مجلداً ورقياً، وستكون متاحة للجميع من خلال الشبكة العنكبوتية”.
وفي كلمته حول مهرجان القيروان للشعر العربي، قال العويس: “يسعدنا أن نجتمع مجدداً في رحاب مهرجان القيروان للشعر العربي في دورته العاشرة، ضمن مشهد ثقافي بديع يمتد عبر ربوع البلاد التونسية، منطلقاً من القيروان العريقة إلى كافة أنحاء الجمهورية التونسية، التي رحبت بمبادرة تأسيس بيوت للشعر في الوطن العربي”.
وأشار إلى أن بيت الشعر في القيروان منارة مضيئة لمبادرة بيوت الشعر، مبرزاً ما أضافه البيت للمشهد الثقافي، وقال: “جاءت هذه المبادرة لتعزيز حضور الشعر العربي وترسيخ مكانته الرفيعة في وجدان الأمة، باعتباره أحد أهم ركائز الهوية العربية ورافداً أصيلاً من روافد الإبداع، ولقد كان بيت الشعر في القيروان منارة مضيئة لهذه المبادرة، إذ أتاح منذ افتتاحه فرصاً حقيقية للشعراء الشباب لإبراز نتاجاتهم الشعرية إلى جانب الشعراء الرواد الذين أسهموا في تشكيل الذاكرة الشعرية العربية، وبفضل هذا التنوع غدت القيروان ملتقى للإبداع تلتقي فيه التجارب وتتواصل فيه الأجيال، كما كان البيت محطّة مرحّبة بالشعراء من الدول العربية، فكان البيت بيتهم والقيروان فضاء رحباً يشرّع أبوابه للإبداع العربي”.
وأعرب رئيس دائرة الثقافة عن شكره لوزارة الشؤون الثقافية التونسية على تعاونها الثقافي المثمر مع الشارقة، قائلاً: “في هذه المناسبة العزيزة، يسعدنا أن نتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى وزارة الشؤون الثقافية التونسية على دعمها المتواصل واحتضانها لبيت الشعر في القيروان، ليؤكّد هذا التعاون على عمق العلاقات الأخوية بين الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التونسية”.
كما نقل رئيس دائرة الثقافة تحيات صاحب السمو حاكم الشارقة للمشاركين في المهرجان، بقوله: “أتشرف في هذا المقام بأن أنقل إليكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وتمنياته لكم بالنجاح والتوفيق وللمشهد الثقافي العربي بمزيد من الازدهار والإشراق”.
حضور متوهج
رحّبت جميلة الماجري بدايةً بالحضور، وقالت: “ونحن نجتمع اليوم للاحتفاء بعشرية تأسيس بيت الشعر في القيروان، يسعدنا أن نرفع عالي التحية، وأجل آيات العرفان لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الحاضر بيننا بجليل أعماله ونحن نجتمع اليوم بفضل مبادرة سموّه التاريخية الرائدة: تأسيس بيوت الشعر في الوطن العربي، ونهنئ سموّه على تحقيق الأهداف السامية لمبادرته، ولا أدل على نجاح تحقيقها من بلوغ هذه البيوت الممتدة من خليج الوطن العربي إلى محيطه”.
وأضافت الماجري: “عشر سنوات من العمل المستمر الدؤوب، بل والمتزايد إنجازا وإقبالاً عليه من شعراء ومثقفين ورموز راقية، ومن حضور متوهج في الساحة الثقافية العربية، وقد أضحت بيوت الشعر منارات عالية مشعة، ومقصداً مطلوباً يتزايد المقبلون عليه، ونجحت في التأسيس للمبادئ الراقية التي أرادها لها صاحب السمو حاكم الشارقة، للارتقاء باللغة العربية وترسيخ السعي لحماية هويتنا العربية التي يمثل الشعر أحد عناوينها الهامة، وبيت الشعر في القيروان يقدّم بعض شهادات سعيه الصادق على الوفاء لأهداف سموّه من تأسيس بيوت الشعر، ويسعدنا أن نبشّر أن نبلّغ سموّه بشائر نجاحها، واعدين بمزيد العمل والجهد بإخلاص وحماس لا يفتر على مواصلة العمل، ومزيد استقطاب المقبلين على بيتنا العتيد واحتضان المواهب وتطوير والتجارب وتوسيع دائرة إشعاعه.. دامت بيوت الشعر جميعها مشعة تستقطب الشعراء وتخدم وتؤسس لخدمة الشعر العربي عبر التاريخ، والشكر موصول لسموّه ودائرة الثقافة الداعمة والمرافقة لنا في كل خطوة نخطوها، هذه المؤسسة الثقافية العربية التي ما فتئت تقطع المسافات بين الدول لمواكبة بيوت الشعر ودعم مسيرتها والعمل على تطويرها”.
كما أعربت مديرة بيت الشعر في القيروان عن شكرها لوزارة الشؤون الثقافية التونسية، وقالت: “نشكر الوزارة التي آمنت بهذا المشروع، وحرصت منذ البداية على دعمنا وتشجيعنا على المضي قدما في نشاطنا في القيروان، وأخص معالي أمينة الصرارفي التي ما فتئت تشجع بيت الشعر، وتتابع أنشطته أولاً بأول”.
وقدّمت مديرة بيت الشعر بالقيروان إحصائيةً شاملة لمسيرة البيت منذ تأسيسه، مشيرةً إلى أنّه نظّم أكثر من 450 فعالية ثقافية، بمشاركة نحو 1300 مبدعٍ ومبدعة من تونس ومختلف الدول العربية، كما لفتت إلى أنّ حصيلة العام الحالي شملت إقامة 44 نشاطاً ثقافياً، شارك فيها 140 مبدعاً ومبدعة.
ثمار أدبي وجمالي
وألقى د. توفيق قريرة كلمة وزيرة الشؤون الثقافية معالي أمينة الصرارفي، التي ثمّنت، في بداية كلمتها، جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، معبّرة عن عمق إيمانها بالمشروع الثقافي الحضاري الذي يقوده سموّه، مؤكدة أن دعم سموّه ساهم في إنبات شجرة فيحاء عطرة هي بيت الشعر في القيروان ثمارها أدبي ونقدي ولكن أيضا فكري وجمالي وحضاري، لافتة إلى أن تونس مفتوحة الأبواب لمبادرات الشارقة على الدوام.
وهنأت الصرارفي بيت الشعر في القيروان بمناسبة مرور 10 أعوام على تأسيسه، معربة عن شكرها لكل سعي صادق من أجل إعلاء راية الثقافة في تونس ولا سيما الشعر ودعم جهود الشعراء والكتّاب.
وثمّنت وزيرة الثقافة في كلمتها جهود بيت الشعر في القيروان طيلة العقد الماضي للحركة الثقافية التونسية، ودعمه المتواصل للشعراء والنقاد من تونس ومختلف الدول العربية، مشيرة إلى أن البيت استطاع أن يخلق حركة إبداعية لا تفتر، وأن يوقع نبض الحياة الثقافية في القيروان.
وقالت معالي أمينة الصرارفي: “نجاح بيت الشعر سيكبر أكثر فأكثر ونحن نقبل على العشرية الثانية التي ستبدأ في غدنا القريب، إنه لشعور مشترك مبهج أن نحتفي بعقد الولادة وننتظر عقد التحليق وكلنا أمل بأن يواصل بيت الشعر انفتاحه المشرع على دفتيه، على التجارب المتنوعة من الولايات في محيط القيروان في شرقها وغربها وجنوبها”.
وقالت وزيرة الثقافة التونسية: “بالوفاء للشعر بنيتم هذا البناء الجميل الذي اجتمعنا اليوم في ميلاده وجئنا من مشرق لنا ومن مغرب، ومتعتم بالألق ودام الألق والحرف سعيدا بوزنه وقافيته”.
قراءات
استمراراً لنهج البيت في إشراك براعم بيت الشعر في القراءات الشعرية؛ شهدت الجلسات الأولى مشاركة أربعة من المواهب الناشئة على جلستين، هم: رتيل فضة (7 سنوات)، يقين فضة (13 سنة)، أمينة القيزاني (10 سنوات)، ومريم الجوادي (13 سنة)، حيث لاقت قراءاتهم تفاعلاً لافتاً من الجمهور، عكس حجم الاهتمام بتشجيع الأصوات الشعرية الصغيرة واحتضانها منذ البدايات الأولى.
وشهدت الجلسة الأولى مشاركة الشعراء: منصف المزغني، ويوسف رزوقة، وسوف عبيد، وخديجة الطيّب (الجزائر)، وفوزية العلوي، وهود الأماني (ليبيا)، وتنوعت القراءات بين الوجداني والإنساني والوطني لترسم القراءات لوحة إبداعية مميزة.
وقرأت خديجة الطيب:
طفلٌ من المعنى استقرّ بخاطري
أوحى المجازُ إليَّ فيه بخاطرِ
أن أرضعيهِ من الحقيقةِ ريثما
يشتدُّ منه العودُ عودُ الشاعرِ
لا تجبريهِ على الكلام فإنّهُ
مثلُ النبّيِ، فزمّليهِ وآزري
ولتُمعني في الوقتِ حتى ينجلي
بينَ الأضالعِ مثلَ صُبحٍ سافرِ
وأنشد هود الأماني، يقول:
بريئةٌ من دُخانِ الجَوّ أنمُلتِي
وهل تصاعد منها غير تسبيحي؟
كأنّها -ويدي أعلى تُصَوِّبُها-
تصطادُ أمنيةً عُليَا بتلميحِ
وفي الجلسة الثانية، شارك الشعراء: هشام شرقي (الجزائر)، وعبد الرزاق شيدة، والحبيب المبروك زيطاري، ومريم ذياب، ومنير صويدي.
وقرأت مريم ذياب:
فاض الشُّعورُ فهل لو قلتُ تسمعُني
ياصاحُ ناءت بحمل الهَجْرِ أشْواقِي
والقلبُ يسأل هل أمضي مجازفةً
على جناحين من حبّ وإطلاقِ
أمشي إلى قلقي والنّار تأكلني
وحدي ويكوي الجوى قلبي وأحداقي
لمّا سمعتُ الهوى للحُبّ يطلبني
لبّاه قلبي الذي أضنته أطواقي
وقرأ الحبيب المبروك، يقول:
أقرطاج قد حزتِ الفخارَ فهلِّلِي
وصلِّ على الهادي كثيرا وبسملِي
وأهلا وسهلا بالضُّيوفِ ومرحبا
بِجَمعٍ اتى مِن كلّ قُطرٍ ومَنزِلِ
ألا فاكرمي الأخيار منك مودَّة
وهيا افرحي بالقوم حبًّا ودلِّلِي
فقد كان من أرض الوفاء قدومُهُم
وفي العرفُ تبجيلُ الكرام فَبجّلي
إصدارات وشهادات
وقدّم صاحب المهرجان معرض إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة وبيت الشعر في القيروان، ومن بينها: مجلة الشارقة الثقافية، ومجلة الرافد، ومجلة القوافي، ومجلة المسرح، وعدد من مؤلفات لمثقفين تونسيين وعرب، كما رافق المعرض عرض شهادات ودروع تذكارية حازها بيت الشعر في القيروان من مؤسسات ثقافية محلية احتفاءً بالتعاون الثقافي المثمر، والحراك الأدبي المميز الذي بصمة البيت في الساحة الثقافية التونسية على مدار السنوات الماضية.
توثيق
وتابع الحضور شريطاً مصوراً يوثّق أبرز محطات بيت الشعر في القيروان خلال العقد الماضي، وأظهرت المشاهد الحصاد السنوي للعام 2025 للبيت من خلال تنقل الفعاليات بين الأمسيات والندوات والجلسات الحوارية والفقرات الفنية، ليستكشف الجمهور العمل اليومي الذي لا يتوقف على مدار العام داخل وخارج البيت.
النجمة الزهراء
ويعدّ النجمة الزهراء، أو قصر النجمة الزهراء، أو قصر البارون ديرلانجي، من أبرز معالم التراث المعماري في تونس، وتجمع هندسته بين خصائص المعمار التونسي الأصيل وعناصر معمارية وزخرفية تعود إلى الفن الأندلسي، وقد شيّده البارون ديرلانجي بين الأعوام 1912 و1922، وسط حديقة شاسعة تُطل من فوق هضبة مدينة سيدي بو سعيد على خليج تونس، يحتضن قصر النجمة الزهراء مركز الموسيقى العربية والمتوسطية.
