سور الدرعية التاريخي الذي يمتد لمسافة نحو 13 كيلومترًا يقف شاهدًا على زمن شيد فيه، ليحمي المدينة في عهد الإمام محمد بن سعود عام 1759. وكما كان يضم أبراج المراقبة والثكنات العسكرية، يحتضن اليوم مشاريع تطوير ضخمة تجعل الدرعية واحدة من أبرز الوجهات الثقافية العالمية، مع الحفاظ على إرثه التاريخي المتجذر في الأرض.
يضم السور في بدايته المنطقة الشمالية من منطقة الدرعية 1، حيثُ تتركز الأصول الثقافية والتعليمية، ثم يمر على “ميدان الدرعية” القلب النابض لمشاريع الدرعية، الذي تتقاطع فيه الأعمال والمساحات المكتبية والمطاعم والتسوق، قبل أن ينتهي عند “حي القرين”، الذي يحتوي هو الأخر الأصول الثقافية والقطاع الخاص ومواقع استثمارية ومكاتب أعمال.
في الدرعية 1، كما أُطلق عليها خلال جولة نظمتها شركة الدرعية للصحافيين، سيكون الطابق الأرضي خاليًا تمامًا من السيارات، حيثُ تنتقل كل الحركة المرورية تحت الأرض. المكان مصمم لدعم المشي والتنقل سيرًا على الأقدام ويعزز مفهوم الأنسنة الشاملة، حيث أسلوب حياة يعود بك إلى روح حقبة قبل 3 قرون، مستشعرًا زمنين في آن واحد.
حساسات لرصد الاهتزازات
بحسب أحمد النويصري، مدير العلاقات الإعلامية في شركة الدرعية، فإنه جرى تدعيم سور الدرعية والأصول التاريخية بحساسات لرصد الاهتزازات، لضمان حماية المواقع التراثية والحفاظ على سلامتها.

ويتم الوصول إلى الدرعية عبر نفق الدرعية الجديد، الذي انتهت أعمال البنية التحتية له مطلع عام 2024، ويقع على طريق الدائري الغربي بطول يتجاوز 400 متر ويضم 4 مسارات، ليسهم في ربط الرياض بالدرعية وتسهيل حركة المرور، بقدرة استيعابية تتجاوز 10,280 مركبة في الساعة.
على طريق الجولة، يبرز مشهد حراك لا يتوقف: أصوات المحركات، عمّال منهمكون في أعمالهم، رائحة غبار الحفر، ورافعات تعلوها أعلام السعودية، في مشهد يُجسد ملامح رؤية السعودية 2030 على أرض الواقع. ويشمل ذلك مشروع ميدان الدرعية الممتد على مساحة 186 ألف متر مربع، ودار الأوبرا الملكية التي تزيد مساحتها على 45 ألف متر مربع، وصولًا إلى “الدرعية أرينا” بمساحة 76 ألف متر مربع.

default
ميدان الدرعية
2028 الاكتمال المتوقع لميدان الدرعية
ميدان الدرعية متوقع أن يكتمل بحلول عام 2028، ليصبح إحدى أكبر وجهات التسوق في السعودية، محتضنًا نحو 450 علامة تجارية فاخرة، إلى جانب المطاعم والمقاهي، و6 فنادق، و5 مبانٍ مكتبية، وعدد من الوحدات السكنية الفاخرة. وتبلغ قيمة عقد المشروع 600 مليون دولار مع شركة ساليني العربية السعودية التابعة لمجموعة “وي بيلد” الإيطالية.
وتضم المساحات المكتبية أكثر من ألف موقف للسيارات، بطاقة استيعابية تصل إلى 4 آلاف شخص، إضافة إلى منشأة لرياض الأطفال. وتعكس واجهات المباني الطابع المعماري للدرعية، الممتدة جذوره لأكثر من 300 عام.
يبدو ميدان الدرعية وكأنه يعيد إحياء “سوق الدرعية”، أحد أقدم أسواق نجد في عهد الدولة السعودية الأولى، حين كانت القوافل التجارية تتدفق من الهند والعراق واليمن وشرق الجزيرة والحجاز. واليوم، تستهدف الدرعية استقبال أكثر من 50 مليون زيارة سنويًا بحلول 2030.

وبنهاية عام 2024 تجاوز عدد زوّار الدرعية 3 ملايين زائر، فيما يُتوقع أن يسهم المشروع في رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 3% إلى 10% بحلول عام 2030.
كم تبلغ ميزانية مشروع الدرعية؟
وتبلغ ميزانية مشروع الدرعية 236 مليار ريال، مع توقعات بأن تسهم بأكثر من 70 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.

default
دار الأوبرا الملكية بالدرعية
مشروع دار الأوبرا الملكية، الذي تمت ترسيته بتكلفة استثمارية تبلغ 5.1 مليارات ريال، سيكون أول دار أوبرا في السعودية، وقد صُممت من قبل شركة “سنوهيتا” العالمية، ضمن المرحلة الثانية من المخطط الرئيسي للمشروع.

default
الدرعية ارينا
أما “الدرعية أرينا”، فهي إحدى الأصول الأيقونية البارزة في المشروع، بطاقة استيعابية تصل إلى 20 ألف مقعد، لتكون من أكبر الوجهات الترفيهية والثقافية في الشرق الأوسط. وبلغت قيمة عقد الإنشاءات 5.75 مليارات ريال مع فرع شركة الصين لهندسة الموانئ، ويشمل مبنى الأرينا و3 مبانٍ مكتبية متعددة الاستخدامات ومواقف للسيارات.
يعتمد مشروع الدرعية في تصميمه على تكسية المباني بالطوب والطين، في تجسيد لشعار الدرعية “من هالأرض”، إذ يُعاد استخدام مواد مستخرجة من الموقع نفسه خلال أعمال الحفر مثل الرمل، إلى جانب الحجر الطبيعي في الأرصفة والمباني، وسعف النخيل، ليعكس الاستدامة الثقافية والعضوية والطبيعية.
وتبقى الدرعية، منذ عام 1727م، موطن انطلاق الدولة السعودية ومهد تأسيسها، وحاضنة حي الطريف التاريخي المسجّل في قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ 2010م، ورمزًا لهوية وطنية تتجدد دون أن تنسى جذورها.
