محمد الماضي

سجل صناعة الفعاليات في السعودية توسعا لافتا جعلها أحد أكثر القطاعات نموا خلال السنوات الأخيرة، مدعومة بزخم الاستثمارات وتوسع الطلب محليا ودوليا، وبحراك تنظيمي متسق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. ويظهر اتساع قاعدة الشركات هذا التحول بوضوح، إذ ارتفع عدد الشركات العاملة في قطاع المعارض والمؤتمرات والفعاليات إلى نحو 17 ألف شركة، مقارنة بنحو 400 شركة فقط في 2018، في إشارة إلى انتقال القطاع من نشاط موسمي محدود إلى سوق أكثر نضجا وتكاملا، يتوسع فيه عدد المشغلين والموردين وشركات الإنتاج والخدمات.

وعلى الصعيد العالمي، تبدو الصناعة أمام موجة نمو كبيرة. وبحسب بيانات شركة Allied Market Research للأبحاث، بلغ سوق صناعة الفعاليات 736.8 مليار دولار في 2021، مع توقعات بوصوله إلى 2.5 تريليون دولار بحلول 2035، بمعدل نمو سنوي مركب نحو 6.8% خلال الفترة من 2024 إلى 2035. كما تشير بيانات شركة Grand View Research للأبحاث إلى أن أوروبا استحوذت على أكبر حصة من السوق في 2024 بنحو 34.86%، مدعومة ببنية تحتية متقدمة وكثافة الفعاليات الدولية، فيما يواصل السوق الأمريكي نموه بدعم من تنوع الفعاليات واعتماد النماذج الهجينة وقوة منظومة الرعايات.

وقراءة هذه الأرقام لا تظهر حجم السوق فقط، بل تؤكد أن المنافسة العالمية باتت على الجاهزية والبنية التحتية وقدرة المدن على تشغيل الفعالية وتحويلها إلى قيمة اقتصادية تنعكس على الناتج المحلي.

في هذا السياق، تدخل السعودية مرحلة مختلفة مع استضافة إكسبو الرياض 2030 وكأس العالم 2034. أهمية هذه الاستضافات لا تتعلق بالحدث وحده، بل بما تفرضه من توسع في البنية التحتية ورفع الطاقة الاستيعابية، وما تخلقه من دورة اقتصادية تمتد إلى السياحة والضيافة والنقل والخدمات اللوجستية، وصولا إلى تطوير المدن وتجربة الزائر.

ومع الأحداث الكبرى عادة يرتفع الطلب على الفعاليات المصاحبة، ما يحول الموسم إلى سلسلة مواسم وفعاليات متتابعة على مدى العام. وضمن هذا الزخم، برز دور صندوق الفعاليات الاستثماري، الذي يرتبط تنظيميا بصندوق التنمية الوطني، بوصفه أحد العوامل التي تدفع التحول من التخطيط إلى التنفيذ على الأرض.

ويخطط الصندوق لتطوير 20 مشروعا في الرياض وجدة بقيمة 8 مليارات ريال خلال 5 سنوات بالشراكة مع القطاع الخاص، أبرزها ميدان رماية في القدية باستثمار 491 مليون ريال وبمساحة 450 ألف متر مربع. وتستهدف المشاريع إضافة أكثر من 20 مليار ريال للناتج المحلي، مع اكتمال 13 مشروعا في 2028 واستكمال المشاريع المتبقية في 2030. مثل هذه الاستثمارات تُبرز انتقال القطاع من الاعتماد على فعاليات مؤقتة إلى بناء أصول ومنشآت قادرة على التشغيل المستدام ورفع قدرة المدن على استضافة فعاليات أكبر وأعلى عائدا.

ولا يقتصر أثر صناعة الفعاليات على الضيافة والنقل والبنية التحتية، بل يمتد إلى المنصات الإعلامية التي تستفيد عبر حقوق البث والإعلانات والرعايات وإنتاج المحتوى. ومع فعاليات بحجم إكسبو وكأس العالم، ترتفع جاذبية الاستثمار في منصات البث الرقمي والمنصات الإخبارية والرياضية وشركات الإنتاج، إذ تمثل الفعاليات عامل جذب للنمو يوسع المخزون الإعلاني، ويرفع قيمة حقوق المحتوى، ويعزز العائد لكل مستخدم، ويحول التغطية الإعلامية من تكلفة تشغيلية إلى أصل قابل للتسييل عبر حقوق البث والترخيص والتوزيع الإقليمي والدولي.

وعليه، ما يحدث في السعودية ليس مجرد زيادة في عدد الفعاليات، بل بناء صناعة متكاملة تتسع فيها قاعدة الشركات وتتعمق فيها سلسلة القيمة، وتتحول معها الفعالية من حدث عابر إلى منصة اقتصادية قابلة للتكرار والاستثمار. ومن المتوقع خلال الفترة المقبلة أن يواصل القطاع نموه بدعم من الاستثمارات وتوسع الفعاليات الكبرى، مع انتقاله تدريجيا من مرحلة التوسع الكمي إلى تعظيم الأثر الاقتصادي طويل الأجل وترسيخ موقع السعودية كمركز إقليمي وعالمي للفعاليات الكبرى.

كاتب ومحلل في شؤون المال والأعمال