أثار إعلان نتائج لجنة دعم الأفلام السينمائية، مطلع الأسبوع الجاري، موجة من الجدل داخل الأوساط المهنية، بعد تسجيل “غياب” شبه كلي لمشاريع مخرجين ينحدرون من الأقاليم الجنوبية، مقابل حضور أسماء وشركات إنتاج حديثة العهد بالمجال؛ ما فتح باب التساؤل حول معايير الانتقاء وشفافية تدبير هذا الدعم العمومي.
وفي هذا الإطار، توصلت جريدة هسبريس الإلكترونية بشكايات من عدد من مهنيي السينما بالصحراء المغربية، تحدثوا فيها عن إقصاء غير مبرر لمشاريع سبق أن راكمت حضورا مشرفا داخل مهرجانات وطنية ودولية، دون تقديم توضيحات كافية بشأن أسباب عدم اختيارها في الدورة الثالثة من السنة الجارية في صنف الأفلام الوثائقية حول الثقافة والتاريخ والفضاء الصحراوي الحساني.
وأفاد مهنيون بأن الدورة الأخيرة من الدعم كرست، حسب تعبيرهم، اختلالا في توزيع فرص الاستفادة، في ظل استفادة متكررة لمنتجين بأعينهم، أحيانا تحت مسميات شركات إنتاج مختلفة وحديثة التأسيس؛ الشيء الذي يطرح تساؤلات إضافية حول مدى احترام مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة في تدبير المال العام.
كما عبر فاعلون سينمائيون عن استغرابهم من تركيبة لجنة الدعم الحالية، معتبرين أن “وجود أعضاء لا يتوفرون على تجربة سينمائية فعلية قد يؤثر على جودة التقييم وموضوعيته، مع تسجيل تخوفات من تغليب منطق العلاقات على حساب الكفاءة والاستحقاق الفني”.
إيضاحات اللجنة
تفاعلا مع الشكايات التي توصلت بها هسبريس قال أمين ناسور، رئيس لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية بالمغرب، إن ما تم تداوله بخصوص نتائج اللجنة يستدعي توضيح عدد من المعطيات الأساسية، التزاما بأخلاقيات النقاش العمومي واحتراما للمؤسسات الوطنية المكلفة بدعم الثقافة والسينما.
وأضاف ناسور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن لجنة دعم الأفلام السينمائية تشتغل في إطار قانوني ومؤسساتي واضح وتخضع لمقتضيات دقيقة تضبط شروط الاستفادة ومعايير الانتقاء، والتي تشمل جودة المشاريع وقيمتها الفنية وقابليتها للإنتاج والتوزيع، إضافة إلى المسار المهني لحامليها، دون أي اعتبار للانتماء الجغرافي أو الخلفيات الشخصية.
وبخصوص الاتهامات المتعلقة بالإقصاء أو غياب التمثيلية، أوضح المخرج والمكون المسرحي المغربي أن القرارات الصادرة عن اللجنة تُبنى حصرا على تقييم فني وتقني جماعي، وأن الحديث عن “إقصاء ممنهج” يظل مجرد انطباعات ذاتية لا تستند إلى أي معطى قانوني أو تقني موثق.
وتابع قائلا: إن التنوع داخل لجان الدعم، بما في ذلك حضور كفاءات قادمة من مجالات مسرحية أو تلفزيونية أو ثقافية موازية، لا يشكل نقطة ضعف، بقدر ما يندرج ضمن مقاربة شمولية تراهن على تعدد الخبرات وزوايا النظر؛ تعزيزا لجودة القرار وحمايته من الأحكام الأحادية أو الانغلاق المهني.
وفي رده على سؤال تشكيلة لجنة الدعم، أكد المتحدث أن تركيبة اللجنة تخضع لضوابط مؤسساتية، وأن أعضاءها يشتغلون باستقلالية تامة، دون أي تأثيرات خارجية، مشددا على أن “أي تشكيك في نزاهتهم يظل دون أساس ما لم يكن مدعوما بحجج موثقة”.
ونبه رئيس لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية بالمغرب إلى أن الحديث عن “شركات إنتاج وهمية” أو “استفادة متكررة” يظل خطابا عاما وملتبسا، لا يرقى إلى مستوى الاتهام المسؤول، خاصة أن مساطر الدعم تخضع لمراقبة مالية وإدارية صارمة قبل صرف الدعم وبعده، وفق القوانين الجاري بها العمل.
وخلص أمين ناسور إلى أن النقاش الجاد والمسؤول حول دعم السينما ينبغي أن ينصب على تطوير جودة المشاريع والارتقاء بالمستوى الفني والإنتاجي، بدل الانزلاق نحو التشكيك المجاني أو منطق الضغط، مؤكدا أن “العدالة الثقافية تتحقق بقوة العمل واحترام قواعد التنافس والمؤسسات، خدمة للسينما المغربية ككل وتعزيز صورتها كفضاء للإبداع والتنوع”.
إنصاف مهني
سجل سعيد زريبيع، رئيس فيدرالية مهنيي السينما والسمعي البصري بالصحراء، أنه تابع باهتمام كبير ردود فعل صناع السينما بالأقاليم الجنوبية عقب إعلان نتائج الدورة الثالثة من هذه السنة، لافتا إلى أنه “استقبل بدوره عشرات الشكايات من منتجين ومخرجين صحراويين عبروا فيها عن استيائهم من قرارات لجنة الدعم”.
وأضاف زريبيع، في تصريح لهسبريس، أن المسؤولية الملقاة على عاتق لجان دعم الإنتاجات السينمائية تبقى ثقيلة وصعبة، بالنظر إلى العدد الكبير من الشركات التي تتقدم بطلبات الاستفادة، مقابل محدودية الميزانية المرصودة لهذا الغرض؛ الشيء الذي يجعل عملية الانتقاء معقدة وذات حساسية مفرطة”.
وأوضح العضو السابق في لجنة دعم الإنتاجات السينمائية أن دفتر تحملات المركز السينمائي المغربي ينص صراحة على أولوية استفادة شركات ومخرجي وتقنيي الأقاليم الجنوبية من صندوق الدعم، لا سيما ما يتعلق بالأفلام الوثائقية الحسانية؛ غير أن القرار النهائي يظل بيد لجنة الدعم وحدها، التي تتحمل كامل المسؤولية عن اختياراتها، سواء وُفقت فيها أو جانبت الصواب.
وفي خضم هذا النقاش، شدد رئيس فيدرالية مهنيي السينما والسمعي البصري بالصحراء على ضرورة إيلاء مهنيي المنطقة مزيدا من الاهتمام والإنصاف، مشيرا إلى أن “عددا من أعمالهم جابت مهرجانات سينمائية دولية كبرى وحازت جوائز مرموقة، فضلا عن كون السينما تمثل مصدر العيش الوحيد لغالبية المشتغلين بالقطاع في الصحراء المغربية”.
وأنهى سعيد زريبيع حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن مطالب المحتجين تبقى مشروعة في إطار إعطاء الأولوية لأبناء المنطقة، مستحضرا المثل القائل “أهل مكة أدرى بشعابها”؛ تفاديا لتكرار أخطاء سابقة عرفتها المنطقة في أعمال سينمائية لم يكن مخرجوها من الأقاليم الجنوبية.
