تبدأ الإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة بشأن اللاجئين وطالبي اللجوء الإيرانيين اعتبارًا من عام 1980. وقبل ذلك التاريخ، لم تنشر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أي أرقام تتعلق بطالبي اللجوء أو اللاجئين الإيرانيين، رغم أن هذه الجهة بدأت جمع بيانات اللاجئين منذ عام 1951.

وقبل قيام النظام الإيراني عام 1979، وباستثناء الطلاب المبتعثين والمهاجرين الإيرانيين النظاميين، لم تُسجَّل أي حالة لجوء واحدة، وإن وُجدت روايات شخصية عن عدد محدود من أعضاء “حزب توده” الذين فرّوا من إيران إلى الاتحاد السوفيتي السابق، مثل عطاالله صفوي، العضو السابق في الحزب، الذي أُرسل بعد فراره إلى الاتحاد السوفيتي إلى معسكرات الأشغال القسرية في سيبيريا.

العقد الأول: زمن الحرب تحت قيادة الخميني ورئاسة وزراء موسوي

بدأت الموجة الأولى من لجوء الإيرانيين عام 1980. وبعد وقت قصير من قيام النظام الإيراني، كان الإيرانيون لا يزالون قادرين على الهجرة بسهولة باستخدام جوازات السفر الصادرة في عهد الحكم السابق. وخلال هذه الفترة، سافر عدد كبير من الإيرانيين بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة.

ومنذ عام 1980، بدأ تسجيل طالبي اللجوء الإيرانيين بعدد بلغ 44 شخصًا.

وشهدت السنوات العشر الأولى من 1980 إلى 1989، المتزامنة مع حرب السنوات الثماني بين إيران والعراق، فترة رئاسة علي خامنئي للجمهورية ورئاسة مير حسين موسوي للوزراء، بينما كان روح الله الخميني يتولى قيادة النظام الإيراني.

وخلال هذه السنوات العشر، لجأ أكثر من 312 ألف إيراني. وكان عام 1985 الأعلى من حيث عدد اللاجئين، إذ سُجِّل فيه أكثر من 88 ألف لاجئ.

العقد الثاني: مرحلة “إعادة الإعمار” وبداية قيادة خامنئي

في عام 1989 بدأت قيادة خامنئي للنظام الإيراني، وبالتزامن تولّى أكبر هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية. ويُعرف هذا العهد في الأدبيات السياسية الرسمية بمرحلة “إعادة الإعمار”. وبلغ معدل التضخم في نهاية فترة رئاسته زيادة قدرها 478 في المائة مقارنة بالعام الأول، ولا يزال الرقم القياسي لأعلى معدل تضخم سنوي مسجّلاً باسم حكومة رفسنجاني، بأكثر من 49 في المائة.

وخلال هذه المرحلة، تسارع مسار لجوء الإيرانيين. ففي الفترة الممتدة من 1990 إلى 1999، لجأ نحو مليون و60 ألف إيراني، وبلغت ذروة اللجوء عام 1991 بتسجيل 130 ألف لاجئ.

وفي السنوات، التي تلت عام 1997، المعروفة بمرحلة “الإصلاحات”، تراجع لجوء الإيرانيين لفترة إلى أقل من 100 ألف شخص سنويًا.

العقد الثالث: مرحلة “الإصلاحات” وأحمدي نجاد

في عام 1997، ومع بدء رئاسة محمد خاتمي، سادت حالة من التفاؤل النسبي في المجتمع الإيراني.

وخلال السنوات الثلاث الأولى من حكومة “الإصلاحات”، تراجع مسار اللجوء إلى حد ما، لكنه سرعان ما عاد إلى الارتفاع.

ومن عام 2000 حتى 2009، لجأ أو طلب اللجوء نحو مليون و100 ألف إيراني (مع احتمال انتقال بعض طالبي اللجوء في سنوات لاحقة إلى فئة اللاجئين).

وكما في فترة الإصلاحات، شهدت السنوات الأولى من رئاسة محمود أحمدي نجاد تراجعًا سنويًا في عدد اللاجئين، لكن بعد العامين الأولين عاد المسار إلى الارتفاع، وبلغ ذروته عام 2009، بالتزامن مع الاحتجاجات المعروفة باسم “الحركة الخضراء”.

العقد الرابع: تصاعد أزمة الملف النووي والاتفاق النووي

على خلاف الفترات السابقة، لم يتراجع لجوء الإيرانيين منذ عام 2013 وبداية رئاسة حسن روحاني، بل استمر في الارتفاع. ولم يتوقف هذا المسار حتى بعد إقرار الاتفاق النووي عام 2015.

ومع بدء رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، شهد لجوء الإيرانيين زيادة ملحوظة.

وتزامنت هذه المرحلة أيضًا مع ظهور تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.

وخلال هذه السنوات العشر، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء الإيرانيين نحو مليون ونصف المليون شخص.

منذ “نوفمبر الدامي” حتى اليوم

ازدادت الأوضاع الاقتصادية في إيران سوءًا في عام 2020. وكان مسار اللجوء في السنوات، التي تلت 2019 تصاعديًا، باستثناء عام 2022. وإلى جانب التطورات السياسية الداخلية والخارجية، شهد العالم أيضًا جائحة “كورونا”.

وبدأت القيود المرتبطة بكورونا في إيران عام 2019، ورُفعت بالكامل عام 2022.

وخلال فترة ست سنوات، سُجِّل مليون و266 ألف شخص كلاجئين أو طالبي لجوء.

واحد من كل 15 إيرانيًا خارج إيران

تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن لجوء الإيرانيين لا يرتبط مباشرة بتغيّر الحكومات في بلادهم. ويبدو أن مغادرة إيران قرار طويل الأمد، لا يتأثر بتبدّل الحكومات.

ولا توجد أرقام دقيقة بشأن العدد الإجمالي للإيرانيين في الخارج. وتقدّر مصادر داخلية، مثل مرصد الهجرة، عدد المهاجرين الإيرانيين بنحو مليوني شخص، فيما تعلن وزارة الخارجية الإيرانية أن العدد يبلغ أربعة ملايين شخص، بمن فيهم المولودون في إيران وأبناء الجيل الثاني المولودون في الخارج.

ومع ذلك، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه منذ عام 1980 وحتى اليوم، تحمّل خمسة ملايين و183 ألف إيراني مشقة الهجرة وطلب اللجوء.

ومن هذا العدد، يبلغ عدد اللاجئين نحو أربعة ملايين و142 ألف شخص.

وبالإجمال، يُقدَّر أنه إضافة إلى هؤلاء اللاجئين، غادر قرابة مليوني إيراني البلاد عبر الهجرة القانونية.

وبعبارة أخرى، يعيش واحد من كل 15 إيرانيًا خارج البلاد.

لماذا تحمّل الإيرانيون مرارة الغربة؟

يواجه المهاجرون الإيرانيون تحديات اللغة والثقافة والمناخ المختلف من جهة، والبعد عن الأسرة من جهة أخرى. فلماذا قبلوا بهذه المعاناة؟

طرحت “إيران إنترناشيونال” أسئلة متطابقة على عدد من الإيرانيين في مهن مختلفة داخل إيران وخارجها، من بينها: كم يساوي دخل يوم واحد من عملهم من حيث شراء اللحم الأحمر في مكان إقامتهم؟

وقالت ساناز (38 عامًا)، تقيم في أصفهان، درست الهندسة المعمارية ولا تزال تعيش في إيران، إنها قد تتمكن خلال عشر سنوات من الوصول إلى مستوى يتيح لها امتلاك مسكن صغير بمساعدة دعم مالي.

وعن الإنجاب، تقول إنها ترغب في إنجاب أطفال، لكنها لا تستطيع تحمّل هذه المسؤولية قبل أن تستقر حياتها. وتضيف أنها إذا أتيحت لها فرصة الهجرة، فستغادر إيران. كما أن دخلها لا يسمح لها بالمساهمة في تكاليف سكن الأسرة.

وأما أمير حسين، فهو مهندس كهرباء يبلغ من العمر 25 عامًا، ويقيم في طهران، يخصص 30 في المائة من دخله للمساهمة في تكاليف سكن الأسرة. ويقول عن مستقبله: “عملت منذ سن مبكرة وتمكنت من شراء دراجة نارية بالتقسيط، لكنني لا أرى أي مستقبل لنفسي. فقط أواصل”.

ويضيف أنه يرغب في الهجرة رغم صعوبتها، موضحًا: “هناك كثير من المهاجرين يتحدثون عن صعوبة العمل. أنا أعمل في إيران، لكن لا أستطيع العمل في تخصصي، لأن الوظائف موزعة بين من لهم صلة بالسلطة”. ويتابع: “حتى لو كان العمل شاقًا في الخارج، يمكنك على الأقل أن تعمل في مجال تخصصك”.

وتحدث مهدي (42 عامًا)، المقيم في لندن، ويشغل منصب مدير تسويق في شركة اتصالات، يقول عن الفرق بين بيئة العمل في إيران وبريطانيا: “أنا مطلع عن قرب على أوضاع زملائي في إيران. البيئة المهنية هناك أيديولوجية للغاية مقارنة بما هي عليه هنا”.

وهو يتحمّل وحده تكاليف السكن، ويمتلك منزلاً في لندن اشتراه بالتقسيط، ويخصص 25 في المائة من دخله الشهري لأقساطه. ولديه ابن وابنة، ويطمح إلى تأسيس شركة خاصة وتوفير رفاه أكبر لأطفاله.

وقال كيان، جندي في الجيش الأميركي، هاجر من إيران منذ ست سنوات وتزوج قبل ثلاث سنوات، إنه لو كان يشغل الوظيفة نفسها داخل إيران لشعر بالخجل. وعن اندماجه في المجتمع الجديد يقول: “أنا أنتمي إلى هذه الأرض. لقد قبلتني، وأعيش في بلد غني بحكومة طبيعية”.