Published On 26/12/202526/12/2025
|
آخر تحديث: 18:06 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:06 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2
لم تتشكل هوليود الحديثة عبر الأفلام وحدها، بل عبر سلسلة من الصفقات الكبرى التي أعادت رسم خريطة القوة داخل الصناعة الأضخم في العالم، فقد دخلت الإستوديوهات في سباق محموم للاستحواذ على شركات الإنتاج والمكتبات السينمائية وحقوق الشخصيات والعلامات التجارية منذ العقد الأول من الألفية الجديدة، وذلك في محاولة للهيمنة على المستقبل وسط تغيّر نماذج المشاهدة وانتشار البث الرقمي.
هذه الصفقات لم تغيّر فقط ملكية الشركات، بل أعادت تعريف معنى الفيلم والنجاح السينمائي والسوق العالمية. فجأة لم يعد الفيلم مجرد عمل إبداعي مستقل، بل جزء من منظومة اقتصادية متكاملة تمتد من شباك التذاكر إلى المنصات الرقمية والحدائق الترفيهية وتصنيع الألعاب والملكية الفكرية والتنويع السردي.
اقرأ أيضا list of 2 itemsend of list
من هنا جاءت 5 صفقات يمكن اعتبارها نقاط تحوّل جوهرية في تاريخ السينما التجارية، وهي استحواذ ديزني على بيكسار عام 2006، ثم مارفل عام 2009، ولوكاس فيلم عام 2012، وفوكس عام 2019، وصفقة “إيه تي آند تي” مع وانر، التي مهدت الطريق لعصر جديد، اندمج خلاله إنتاج المحتوى مع شبكات الاتصال، ليتغير شكل الصناعة بعد ربط السينما بالملكية الفكرية، وتوحيد مكتبات المحتوى، وتسريع التحوّل من نموذج الإستوديو إلى نموذج الإمبراطورية المتعددة الوسائط.
ولا تكمن أهمية هذه الصفقات في أرقامها المالية الهائلة فقط، وإنما في التحوّل الثقافي والاقتصادي الذي فرضته داخل الصناعة. أعادت بيكسار تعريف الرسوم المتحركة، وأطلقت مارفل أكبر كون سينمائي في التاريخ، ووفرت لوكاس فيلم عالما أسطورياً جاهزاً للتوسع، بينما منحت فوكس ديزني مكتبة هائلة جعلتها اللاعب الأكثر نفوذاً في هوليود، وقدمت إيه تي أند تي مفهوما جديدا للعلاقة بين التكنولوجيا والمحتوى والتوزيع.
ديزني-بيكسار 2006
كانت بيكسار قد تحولت إلى قوة إبداعية هائلة في بداية القرن الـ21، وذلك بفضل سلسلة من الأفلام التي حققت تطورا هائلا في الرسوم المتحركة، ومنها “قصة لعبة” (Toy Story)، و”البحث عن نيمو” (Finding Nemo)، و”الخارقون” (The Incredibles). وفي المقابل كانت ديزني، صاحبة الإرث الأكبر في تاريخ الرسوم المتحركة، تواجه أزمة وتراجعا في الابتكار.
أعلنت ديزني، في بداية عام 2006، عن شراء بيكسار مقابل 7.4 مليارات دولار. نفذت الصفقة رسميا في مايو/أيار من العام نفسه، لتبدأ “مرحلة الدمج الإبداعي” التي اعتبرت نموذجا لما يجب أن يكون عليه الاندماج الناجح، من احترام الهوية الإبداعية للإستوديو الأصغر، وتوفير البنية التسويقية والمالية العملاقة التي تملكها الشركة الكبرى.
لم تشأ ديزني ابتلاع بيكسار، بل أرادت الاستفادة من ثقافتها التقنية والفنية، كما أرادت منحها قوة توزيع. ونتج عن هذا الاندماج تحديث شامل لإستراتيجية ديزني في الرسوم المتحركة، تجلى في أفلام مثل “وول-إي” 2008 (WALL.E) و”أعلى” 2009 (Up) و”قلبا وقالبا” 2015 (Inside Out)، التي أكدت استمرار بيكسار كعلامة فنية رائدة، وعودة ديزني إلى صدارة السوق.
وأدت الصفقة إلى الدفع بمنافسين مثل “دريم ووركس” (DreamWorks) و”سوني بيكتشرز”(Sony Pictures) لرفع مستوى الجودة وقبول فكرة أن عصر الرسوم المتحركة دخل مرحلة جديدة، حيث لا يكفي إنتاج فيلم جميل، بل يجب تقديم تجربة فنية وتقنية متكاملة. وأصبحت صفقة ديزني-بيكسار نموذجا يدرس في عالم الصناعة لأنها أظهرت كيف يمكن للاندماج أن يكون محركا للإبداع بدلا أن يكون قرارا ماليا فقط.
صفقة ديزني-بيكسار دفعت منافسين مثل سوني ودريم ووركس إلى إعادة تعريف معايير أفلام الرسوم المتحركة (سوني)ديزني-مارفل 2009
قبل الاستحواذ كانت مارفل شركة عملاقة في الرسوم المتحركة، لكنها كانت متعثرة في السينما، حيث تتعاون مع عدة إستوديوهات لإنتاج أفلام لشخصياتها، دون رؤية موحدة أو سيطرة على الجودة. وفي 2009 أعلنت ديزني شراء “مارفل إنترتينمينت” (Marvel Entertainment) مقابل 4 مليارات دولار. بدت الصفقة صغيرة مقارنة بقيمة مارفل اليوم، لكنها كانت خطوة إستراتيجية، إذ لم تقم ديزني بشراء إستوديو لإنتاج الأفلام فقط، لكنها اشترت مكتبة شخصيات قابلة للتطوير دون حدود.
وبدأت ديزني بناء الكون السينمائي (Marvel Cinematic Universe)، لتغير شكل الصناعة عبر إنتاج سلسلة أفلام مترابطة، كل فيلم يخدم الآخر، وكل شخصية يمكن أن تصبح سلسلة، وكل سلسلة يمكن أن تتحول إلى سلعة أو لعبة أو محتوى تلفزيوني. وجاء النجاح فوريا، ففي فيلم “النمر الأسود” 2018 ((Black Panther)، و”المنتقمون” 2012 (The Avengers)، و”حرب لانهائية” 2018 (Infinity War)، أعادت تقديم “الفيلم الجماهيري” وأثبتت أن الملكية الفكرية أقوى من أي نجم أو مخرج.
غيرت الصفقة أيضًا لغة التسويق والتوزيع، وبدلاً من الاستثمار في فيلم واحد، أصبحت الشركات تستثمر في عالم كامل. صارت هوليود ترى الأفلام كما لو كانت “أصولا طويلة الأجل”، وليست مشاريع قصيرة الأمد، كما دفعت شركات أخرى نحو صناعة أكوان سينمائية منافسة، مثل “دي سي” و”يونيفيرسال” وإن لم تحقق أي منهما النجاح نفسه.
بهذا المعنى، صفقة مارفل لم تغيّر ديزني فقط، بل غيرت شكل الصناعة العالمية، ودفعت السينما نحو عصر تعتمد فيه الأرباح على سلاسل متكاملة لا على أفلام منفردة.
لوكاس فيلم 2012
كانت “لوكاس فيلم” (Lucasfilm) قبل 2012 تمتلك سلسلة “حرب النجوم” (Star Wars)، ورغم قوة العلامة، إلا أن وتيرة الإنتاج كانت بطيئة، وعندما أعلنت ديزني شراء لوكاس فيلم في 2012، كان واضحا أن الشركة تشتري عالما كاملًا وليس مجرد استوديو. مقابل ما يقارب 4 مليارات دولار حصلت ديزني على حقوق عالم “حرب النجوم” (Star Wars) و”إنديانا جونز” (Indiana Jones)، وبالتالي امتلكت إمكانية لاستثمارها في المستقبل.
وكانت الخطوة الأولى هي إطلاق ثلاثية جديدة من “حرب النجوم”، فضلا عن مسلسلات مثل “الماندالوريان” 2019 (The Mandalorian) بعد ذلك، لكن الأهم هو انتقال السلسلة من كونها أفلاما تصدر كل عدة سنوات إلى علامة تجارية ضخمة تمتد عبر السينما والتلفزيون والألعاب والحدائق الترفيهية والمنتجات التجارية، لتصبح لوكاس فيلم حجر أساس في تحويل ديزني من شركة أفلام إلى إمبراطورية ترفيهية متعددة المنصات.
وأحدثت الصفقة تأثيرا موازيا على الصناعة، فلم يعد التنافس على إنتاج فيلم ناجح، بل على امتلاك عالم قابل للتوسع، فقد أعاد دخول ديزني عالم حرب النجوم توزيع موازين القوة في هوليود، ودفع شركات أخرى لمحاولة بناء علامات مشابهة.
ديزني-فوكس للقرن الـ21/ 2019
في 2019، اكتملت واحدة من أكبر الصفقات في تاريخ هوليود الحديث، وهي شراء ديزني للأصول الرئيسية لـ “فوكس 21” (21 Century Fox) مقابل 71.3 مليار دولار. لم تكن الصفقة مجرد توسع، بل إعادة رسم شاملة لخريطة الصناعة، فقد حصلت ديزني على إستوديوهات “فوكس 20″ (20th Century Fox)، و”فوكس سيرشينغ” (Fox Searchlight)، وقنوات “إف إكس” (FX)، وحقوق “ناشيونال جيوغرافيك” (National Geographic) وحصة كبيرة في منصة “هولو” (Hulu)، ومكتبة محتوى تمتد لأكثر من قرن.
وجعلت تلك الصفقة ديزني أكبر مالك للمحتوى السينمائي والتلفزيوني في العالم، ودفعت منافسيها مثل وارنر ويونيفرسال ونتفليكس إلى إعادة حساباتهم، وبفضل مكتبة فوكس أصبح بإمكان ديزني إطلاق خدمة “ديزني+” (+Disney)، وهي محملة بمواد جاهزة تجذب ملايين المشتركين، وهو ما أدى إلى تسارع عملية الانتقال من النموذج السينمائي التقليدي إلى نموذج البث الرقمي.
إيه تي آند تي-تايم وارنر/ وارنر ميديا 2018
لم تكن صفقة “إيه تي آند تي-تايم وارنر” (AT&T-Time Warner) مجرد توسيع لمكتبة محتوى، بل كانت بداية اندماج بين التكنولوجيا والمحتوى. عندما اشترت “إيه تي أند تي” شركة تايم وارنر، التي تضم “وارنر بروس” (Warner Bros) و”إتش بي أو” (HBO) و”سي إن إن (CNN) “وغيرهم، كانت الفكرة بسيطة لكنها ثورية، حيث تشتري شركة اتصالات واحدة من أكبر شركات الإعلام لتجمع المحتوى مع شبكة البث والتوزيع.
كانت الصفقة بمثابة علامة أولى لتغيير معادلة الصناعة، فلأول مرة يصبح مزود الخدمة هو أيضا منتج المحتوى، وأدت الصفقة نفسها -فيما بعد- إلى إنشاء “وارنر ميديا” (WarnerMedia)، ثم “إتش بي أو” و”ماكس”، وصعود نموذج يعتمد على تقديم المحتوى مباشرة للمستهلك عبر الإنترنت، وهو ما أجبر هوليود على إعادة التفكير في العلاقة بين السينما والتلفزيون والبث الرقمي.
ورغم أن الصفقة واجهت مشاكل تنظيمية، وانهيار جزء من المشروع عند بيع وارنر ميديا، فإنها أطلقت عصرًا جديدًا تتداخل فيه شركات التكنولوجيا مع صناعة السينما، وهو ما مهّد لصعود منصات مثل “آبل” و”أمازون برايم”.
