يبرز اسم الخطاط العراقي باسم المهدي، في إطار الحديث عن الحرف العربي وتحوّلاته المعاصرة، عبر مشاركته الأخيرة في معرض “طواف” في قاعة “بيت الجمال” بشارع المتنبي في بغداد.
جمع المعرض الفنان المهدي بالدكتور رسول الزركاني، في تجربة مشتركة قدّمت مقاربة بصرية تسعى إلى تحرير اللوحة الخطّية من معاييرها التقليدية، والانفتاح على صياغات حداثية أكثر جرأة وابتكاراً.
شكّل المعرض محطة لافتة في مسار المهدي، الذي يمزج في أعماله بين عمق الموروث وبراعة التصميم، مع توظيف خامات وتقنيات معاصرة، تحافظ على أصالة الحرف وروحه الجمالية.
باسم المهدي المولود عام 1973، من الأسماء التي أسهمت في تجديد الخط العربي عبر مسارات عدّة. فهو يعمل منذ عام 1991 في مجال الخط والتصميم الطباعي، وطوّر حتى اليوم 14 خطاً عربياً معتمداً، في محاولة مستمرة لابتكار توازن بصري جديد بين الرسم والحرف.
تتسم أعماله باتساع مساحات الفراغ وغياب المركز، في إطار رؤية فنية تتعامل مع الفضاء بوصفه عنصراً فاعلاً في البناء التشكيلي، لا مجرد خلفية. أما اللون، فيحتلّ موقعاً محورياً في تشكيل لوحته، إذ يختاره وفق الدلالة التي يفرضها النص.
“الشرق” التقت الفنان باسم المهدي وتحدثت معه حول “طواف”، ورؤيته الفنية وتحوّلات مشروعه.
انطلاقاً من المعرض الأخير “طواف”، كيف يرتبط العنوان بفكرة الأعمال، وما التطوّر الذي ظهر في معالجة الخط في هذا المعرض؟
يحمل معرض “طواف” عنوانه من المعنى الروحي المرتبط بالحركة الدائرية حول مركز ثابت. فالدائرة هي الشكل الوحيد الذي تتساوى فيه المسافة بين المركز والمحيط، لذلك أصبحت رمزاً للتوازن والاكتمال.
إن أغلب الأعمال اعتمدت هذا المفهوم بصرياً. إذ سعى المعرض -المشترك مع الدكتور رسول الزركاني- إلى إخراج اللوحة الخطّية من قياسها التقليدي نحو صياغة حديثة، مستخدمين تقنيات وخامات جديدة، مع الحفاظ على أصالة الحرف وجماله.
إلى أي مدى نجح المعرض في تحقيق توازن بين الرسم والخط، وهل يمثل ابتكاراً مقارنة بتجارب حروفيين عراقيين سابقين؟
نجح المعرض بدرجة كبيرة في تحقيق هذا التوازن. هدفنا لم يكن تقديم أنفسنا كرسّامين، بل الاستعانة بالرسم لإظهار جماليات الحرف، وتعزيز الرسالة التي يريد العمل الفني إيصالها.
ما رأيك بالحروفية الرقمية الجديدة، وتأثيرها على أعمالك في المعرض، وهل يعكس ذلك تحوّلاً من الكلاسيكي إلى الحديث؟
لا أؤمن بمصطلح “الحروفية الرقمية”، لكن أثر التكنولوجيا حاضر بقوّة في أعمالي. أردت أن أبرهن أن الخطاط الذي يمتلك أدوات العصر، قادر على إنتاج أعمال فنية تحترم عقل المتلقي، وتحافظ في الوقت نفسه على روح الحرف الأصيل.
في ضوء تاريخ الحروفية العراقية منذ أربعينيات القرن الماضي، مع مديحة عمر وشاكر حسن آل سعيد، هل يمثّل “طواف” استمراراً للتأويلات الصوفية في نسج العمل الفني؟
يشكّل “طواف” امتداداً للبعد التأويلي الصوفي في الفن الحروفي، لكنه لا يُعَدّ استمراراً مباشراً لتجارب الروّاد مثل مديحة عمر وشاكر حسن آل سعيد. فهُم فنانون تشكيليون وظّفوا الحرف، أما نحن فخطّاطون نستعين بأدوات التشكيل لإبراز الحرف ومنحه حضوره الجمالي الكامل.
هل ترى أن اختيار الخط المناسب للعبارة هو عملية حدسية أم مبنية على قواعد فنية دقيقة؟
أرى أن لكل عبارة خطاً ولوناً وتكويناً يليق به؛ فلا يمكن لأي خط أن يعبّر عن روح نصّ من دون غيره. عملية الاختيار ليست حدسية بالكامل، بل تستند إلى معرفة عميقة بطبيعة الحروف وبُعدها التعبيري.
كيف ترى دور الفراغ داخل اللوحة، وهل تتعامل معه كعنصر تصميمي مستقل أو كامتداد للحرف؟
الفراغ عنصر أساسي لا غنى عنه في اللوحة. إنه المسرح الذي تجري عليه أحداث الحكاية البصرية، ولا أتعامل معه كمساحة مهملة، بل كجزء فاعل في البناء العام.
ما التحوّل الأبرز الذي مررت به في رحلتك الفنية؟
إنجاز لوحة “ملأى السنابل”. أخرجني هذا العمل من إطار الخطّاط الكلاسيكي إلى فضاء أكثر تحرّراً وابتكاراً، قدّمت من خلالها رؤية جديدة في الخطوط والأفكار والإخراج الفني.
إلى أي مدى ترى أن الحروفية العربية قادرة على التجديد مقارنة بجيل الروّاد؟
الحروفية العربية تمتلك قدرة كبيرة على التجديد اليوم. فمعطيات العصر ووسائله لا يمكن تجاهلها. من يتمسّك بحدود الماضي وحده يبقى خلف الركب. أما التطوير فيتطلب مسايرة الزمن، وإنتاج لغة تشكيلية جديدة تستند إلى الأصالة ولا تتوقف عندها.
ما دور التكنولوجيا في تطوير الحرف العربي؟ وهل تخشى أن تطغى الحروفية الرقمية على الخط اليدوي؟
التكنولوجيا لعبت دوراً مهماً في تطوير الحرف العربي، سواء في الأعمال الفنية أو في تصميم الخطوط الطباعية. ولا أخشى أبداً أن تطغى التقنيات الرقمية على الخط اليدوي. فالخطاط المتمكن قادر على إنتاج ما يعجز عنه المصمّم غير المتمرّس بالخط، مهما بلغت مهارته التقنية.
