
الأوركسترا السعودية نشرت الإبداع والمشروع الثقافي حول العالم
في المشهد الموسيقي السعودي، لا يمكن النظر إلى تجربة حسن خيرات، المشرف على الفرقة الموسيقية بهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، بوصفها تجربة إدارية أو فنية فحسب، بل بوصفها مشروعًا ثقافيًا يتقاطع فيه الفن مع الوعي، والاستثمار مع المسؤولية، والموسيقى مع بناء الذائقة العامة، في تجربة تنطلق من إدراك مبكر لدور الإذاعة بوصفها مؤسسة ثقافية أسهمت في تشكيل الوجدان الجمعي، لا مجرد وسيلة بث، ومن فهم عميق لقيمة الصوت كأحد عناصر التأثير الثقافي المستدام.
لا يتعامل خيرات مع الموسيقى كمنتج سريع الاستهلاك، بل يضعها ضمن سياقها الثقافي الأعمق، بوصفها ذاكرة جمعية ولغة إنسانية قادرة على العبور بين الأجيال. ومن هذا المنطلق، تتجسد رؤيته منسجمة مع توجه وطني جعل من الإعلام شريكًا في صناعة الوعي، ومن الثقافة ركيزة أساسية في مسار التنمية.
وينطلق في عمله من مفهوم يرى في الموسيقى معنى قبل أن تكون لحنًا، فالصوت في تصوره حامل للقيم، ومخزن للذاكرة، ووسيط للتواصل الإنساني. لذلك، تتسم خياراته الفنية بالتركيز على الجودة والاستمرارية، بعيدًا عن الإنتاج اللحظي أو الخضوع لذائقة مؤقتة، حيث ينشغل بالأثر البعيد أكثر من انشغاله بالانتشار الآني.
وفي تعاطيه مع الاستثمار، لا يطرحه كهدف ربحي مجرد، بل كفعل رعاية ثقافية، يركز على تمكين المواهب، ودعم الصوت المحلي، وبناء تجربة موسيقية سعودية قادرة على الحضور بثقة في المشهدين المحلي والدولي. ويتقاطع هذا التوجه مع مفاهيم الاقتصاد الإبداعي، حيث تتوازى القيمة الرمزية مع القيمة الاقتصادية، وتتحول الموسيقى جزءاً من سردية وطن، لا مجرد سلعة للاستهلاك.
كما تتميز تجربة حسن خيرات بقدرتها على الموازنة بين الأصالة والتجديد، إذ لا يُقدَّم التراث بوصفه حالة جامدة، ولا تُستنسخ نماذج خارجية، بل تُعاد صياغة الموسيقى السعودية بروح معاصرة تحافظ على هويتها، وتمنحها قابلية العبور إلى العالم، في فعل يمكن قراءته بوصفه ترجمة ثقافية للإحساس المحلي إلى خطاب فني إنساني أوسع.
وفي ختام حديثه، يؤكد خيرات أن الجدل حول من «أسّس الأغنية السعودية» يظل طرحًا مبسّطًا لتجربة أعمق، لا يمكن فصلها عن سياقها الوطني، فالأغنية السعودية لم تكن نتاج فرد، بقدر ما كانت ثمرة بيئة متكاملة تشكّلت في ظل الأمن والاستقرار والرخاء الذي ينعم به الوطن، بفضل الله أولًا، ثم بما وفرته الدولة السعودية من دعم ورعاية، سخرت من خلاله كل الإمكانات عبر الإذاعة والتلفزيون السعودي، بوصفهما مؤسستين ثقافيتين أسهمتا في صناعة الذائقة، وحفظ الذاكرة الصوتية، وتمكين الفنانين، ليصبح هذا المناخ الآمن والمستقر الأساس الحقيقي لازدهار الأغنية السعودية، ونموها، وقدرتها على التطور والاستمرار.

الفنان حسن خيرات