بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، شهد لبنان موجة هرب شخصيات سورية تنتمي إلى النظام السابق، حيث بات لبنان بحكم القرب الجغرافي، وتشابك العلاقات السياسية والأمنية، وواقع الحدود المفتوحة بين البلدين، إحدى المحطات الأساسية للمقربين من آل الأسد، بعض هؤلاء غادر الأراضي اللبنانية لاحقاً إلى دول ثالثة، فيما بقي آخرون داخل لبنان، من دون أن يصدر أي إفصاح رسمي من السلطات اللبنانية يحدد عدد الداخلين أو طبيعة أو صفات من استقروا على أراضيها بعد انهيار النظام السوري.
غير أن غياب الأرقام الرسمية لم يمنع تبلور صورة عامة، تستند إلى معلومات متقاطعة، تفيد بوجود كثيف لشخصيات سورية محسوبة على النظام السابق أو متعاطفة معه داخل لبنان، تتنوع أدوارها بين سياسيين، وصحافيين، وأمنيين سابقين، وحتى شخصيات مدنية لا تحمل صفة عامة، لكنها ترتبط اجتماعياً أو سياسياً ببنية النظام الذي سقط. هذا الواقع، وفق مصادر متعددة، أنتج حالة التباس أمنية وسياسية، ليس فقط داخل لبنان، بل أيضاً في دمشق، حيث ينظر إلى هذا الوجود بعين الريبة، في ظل مرحلة انتقالية لم تستقر فيها السلطة السورية الجديدة بعد.
ومن هذا المنطلق، بدأت تتنامى في الكواليس السياسية والأمنية أخطار أن يتحوّل لبنان تدريجاً إلى ساحة تقاطع وصراع غير معلن بين ثلاث قوى سورية: معارضين سابقين، فلول ومؤيدين للنظام المنهار، وأنصار الحكم الحالي في دمشق. هذه الهواجس تتغذى من معلومات عن استياء السلطات السورية من وجود معارضيها في لبنان، ومخاوف من أن تتحول الأراضي اللبنانية إلى قاعدة خلفية لإعادة تنظيم خصومها أو لإطلاق أنشطة سياسية أو أمنية تهدد استقرارها الداخلي.
ملاذات آمنة
وفق مصادر سورية مطلعة، فإن سقوط النظام السابق في دمشق لم ينه شبكاته الأمنية والسياسية والمالية دفعة واحدة، بل دفع جزءاً منها إلى البحث عن ملاذات آمنة خارج سوريا. ويشار إلى لبنان بوصفه إحدى هذه الوجهات، ليس فقط لسهولة الدخول والخروج، بل لوجود بيئات سياسية وأمنية يعتقد أنها لا تزال قادرة على تأمين غطاء أو تسهيل إقامة. هذه المصادر السورية لا تتحدث عن لجوء فردي فحسب، بل عن شخصيات تصنفها دمشق الجديدة كـ”فلول خطرة”، وترى أن بقاءها خارج السيطرة يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي السوري، خصوصاً إذا ما اقترن بنشاط سياسي أو أمني منظم.
في المقابل، تنقل مصادر لبنانية رسمية وأمنية مقاربة أكثر تحفظاً، تشدد على أن الدولة اللبنانية لا تملك هامش التحرك خارج الأطر القضائية. فالتوقيف أو التسليم أو الملاحقة، بحسب هذه المصادر، لا يمكن أن يتم إلا استناداً إلى مذكرات قانونية واضحة، لبنانية أو دولية، وأن الانتماء السياسي السابق لا يشكل بحد ذاته جرماً. هذا التباين بين المقاربتين بدأ ينعكس توتراً مكتوماً في الاتصالات غير المعلنة، خصوصاً مع تداول معلومات عن طلبات أمنية سورية لتوقيف أشخاص داخل لبنان، قابلها رد لبناني مفاده أن غياب السند القضائي يمنع أي إجراء.
ضمن هذا السياق، برزت حادثة مقتل الضابط في استخبارات النظام السوري السابق، غسان نعسان السخني المعروف بـ”الطرماح” والمقرب من العقيد سهيل الحسن، وعلى رغم تأكيد مصادر لبنانية أن الجريمة ذات خلفية جنائية مرتبطة بخلاف مالي، وأن القاتل أوقف والتحقيقات جارية، فإن الحادثة اكتسبت بعداً سياسياً وأمنياً استثنائياً لأنها شكلت أول واقعة قتل تطاول شخصية أمنية سابقة من الحلقة الضيقة للنظام المنهار على الأراضي اللبنانية بعد التغيير السياسي في دمشق. ولم تخف مصادر لبنانية أن هذه الحادثة أعادت إحياء مخاوف من تحول لبنان إلى ساحة تصفية حسابات، حتى وإن لم تتوافر أدلة على أن ما جرى يندرج في إطار صراع منظم.

تخشى دمشق أن يتحول لبنان إلى قاعدة خلفية لإعادة تنظيم خصومها أو لإطلاق أنشطة معادية لها (الوكالة الوطنية اللبنانية)
ضبط الحدود
وتربط مصادر أمنية سورية هذا القلق بسياق أوسع: وجود شخصيات أمنية سابقة، تحركات غير واضحة، وحدود سائبة تاريخياً، إضافة إلى مخاوف من أن تستثمر بعض المناطق اللبنانية كمساحات خلفية لإعادة تنظيم شبكات معادية للحكم الجديد.
من هنا، تشير إلى أن تشديد الوجود العسكري والأمني السوري على الحدود مع لبنان، هو لأسباب تتعلق بمكافحة التهريب ومنع التسلل، وتلفت إلى ضبط محاولات تهريب أسلحة يشتبه في أن بعضها موجه إلى “حزب الله” وبعضها الآخر إلى مجموعات مرتبطة بفلول النظام السابق على الأراضي اللبنانية.
في هذا الإطار، لا تخفي المصادر السورية هواجسها من دور “حزب الله”، انطلاقاً من كونه كان شريكاً مركزياً للنظام السابق ضمن منظومة إقليمية ربطت دمشق بطهران مروراً ببغداد. ومع انهيار هذه المنظومة، تخشى “دمشق الجديدة” أن يتحول الحزب إلى عامل إرباك، أو إلى بيئة حاضنة لفلول النظام السابق، سواء بدافع حماية المصالح المشتركة أو منع قيام سلطة سورية جديدة قد تقطع خطوط الإمداد الإقليمية. وتضاف إلى ذلك معلومات متداولة عن تجمعات سكنية كبيرة في مناطق بقاعية قريبة من الحدود، تضم عائلات سورية مقربة من النظام السابق، مع شكوك حول إمكان تحول هذه المناطق إلى بؤر مغلقة ذات طابع أمني.
في المقابل، ترفض مصادر لبنانية رسمية هذا المنطق، وتؤكد أن الأجهزة الأمنية تتابع بدقة كل الأسماء المتداولة، وأن لبنان لا يسمح بأي نشاط أمني موجه ضد سوريا انطلاقاً من أراضيه، كما أنه لن يقبل بأي عمل أمني سوري داخل أراضيه تحت أي ذريعة. وتضيف هذه المصادر أن القلق الحقيقي يكمن في احتمال تحول الصراع السوري الداخلي إلى تصفيات متبادلة داخل لبنان، لما يحمله ذلك من أخطار أمنية وسياسية، وإحياء لمناخات ما قبل عام 2005 حين كان لبنان ساحة مفتوحة للأجهزة المتعددة.
غير أن القلق يبقى قائماً، خصوصاً مع إعلان السلطات السورية عن توقيف 12 ضابطاً سابقاً أثناء محاولتهم الدخول إلى سوريا من لبنان، وهو تطور تعده مصادر سورية مؤشراً إلى حجم التشابك الأمني القائم، وإمكانية أن يتحول لبنان إلى منصة للاعتداء على سوريا لا سيما أن الحادثة وقعت عشية التظاهرات التي اندلعت في مدن الساحل السوري.
هذا التباين بين النظرتين السورية واللبنانية بدأ ينعكس توتراً مكتوماً في الاتصالات غير المعلنة بين الطرفين، خصوصاً مع تردد معلومات عن طلبات أمنية سورية وصلت إلى بيروت لتوقيف أشخاص تعدهم دمشق خطرين، في حين رد الجانب اللبناني بأن غياب المذكرات القضائية يمنع أي إجراء. هنا تحديداً بدأ النقاش يتخذ منحى أكثر حساسية، فهل يمكن أن تلجأ أطراف محسوبة على السلطة السورية إلى العمل الأمني خارج القنوات الرسمية، إذا ما اعتبرت أن الدولة اللبنانية عاجزة أو غير راغبة في تنفيذ هذه الطلبات؟
فلول النظام
في السياق يرى رئيس منظمة “لايف” الحقوقية المحامي نبيل الحلبي، أن ما يجري يفترض أن يضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولياتها الدولية والأخلاقية، لا أمام حسابات سياسية ظرفية. بالنسبة إليه، فإن سقوط نظام بشار الأسد لا يعني نهاية ملفات الانتهاكات، بل يفتح عملياً مرحلة جديدة من الملاحقة والمحاسبة، خصوصاً في ما يتصل بوجود شخصيات أمنية أو سياسية سابقة متهمة بارتكاب جرائم جسيمة من “فلول النظام”، سواء داخل سوريا أو خارجها. ويؤكد أن وجود هذه الشخصيات في لبنان لا يمكن التعامل معه بوصفه مجرد ملف لجوء أو إقامة، بل كملف قانوني بامتياز، متى توافرت الشبهات والأدلة.
ويشدد الحلبي على أن عدم انضمام لبنان إلى نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لا يسقط عنه واجب التعاون في ملاحقة الجرائم الخطرة، ولا يبرر الامتناع عن اتخاذ إجراءات قانونية عندما ترد مذكرات توقيف دولية أو طلبات قضائية مكتملة الشروط. ويذكر بأن “القانون اللبناني نفسه يتيح، في حالات محددة، اتخاذ قرارات بالتوقيف أو التسليم عبر مجلس الوزراء، بعد مراجعة النائب العام التمييزي، عندما تكون الجرائم ذات طابع دولي أو تمس حقوقاً أساسية”.
من هذا المنطلق، ينتقد الحلبي مقاربة “غض النظر” التي تبرر أحياناً بحجج السيادة أو الاستقرار، معتبراً أن التساهل في هذا الملف قد يحول لبنان إلى ملاذ آمن لمرتكبي الانتهاكات، ويضعه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي ومع منظمات حقوق الإنسان. وفي رأيه، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في تطبيق القانون، بل في تعطيله، لأن ذلك يفتح الباب أمام شريعة الغاب وتصفية الحسابات خارج القضاء.
وفي ما يتصل بحادثة مقتل نعسان السخني، يرى الحلبي أن التعامل معها يجب أن يبقى ضمن المسار القضائي، لكن من دون تجاهل دلالتها الأوسع. فوجود ضابط استخبارات سابق من الحلقة الضيقة للنظام المنهار على الأراضي اللبنانية يطرح، برأيه، أسئلة مشروعة حول طبيعة هذا الوجود وحول مسؤولية الدولة في التدقيق والمتابعة، من دون القفز إلى استنتاجات سياسية غير مثبتة. ويختم بتأكيد أن “حماية لبنان تمر عبر دولة القانون، لا عبر التسويات الرمادية”.
ساحة صراع مفترضة
في المقابل، يلفت العميد المتقاعد منير شحادة إلى أنه “لا يمكن إنكار حساسية المرحلة الانتقالية في سوريا، ولا حجم القلق الذي يساور السلطة الجديدة في دمشق”، لكن في المقابل، يحذر من “تحويل لبنان تلقائياً إلى متهم أو ساحة صراع مفترضة من دون أدلة موثقة”. ويؤكد أن “الأجهزة الأمنية اللبنانية، حتى الآن، لا تملك معطيات تؤكد وجود تشكيلات مسلحة منظمة تابعة للنظام السوري السابق تعمل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية”.
ويرى شحادة أن “تسليم دمشق لوائح أسماء أو طلبات أمنية إلى بيروت يمكن قراءته بأكثر من اتجاه: فهناك من يراه إجراء تقنياً مرتبطاً بتأمين الحدود، وهناك من يقرأ فيه رسالة سياسية تتجاوز الإطار الأمني”. المشكلة، برأيه، هي أن “تضخيم هذا الملف إعلامياً وسياسياً يضع لبنان في موقع دفاعي دائم، ويزيد من حدة الانقسام الداخلي حول كيفية التعاطي مع سوريا الجديدة، خصوصاً في ظل غياب رؤية لبنانية موحدة للعلاقة مع دمشق بعد سقوط النظام السابق”.
وفي ما يخص “حزب الله”، يعتمد شحادة مقاربة تقوم على الفصل بين النفوذ والاتهام، فهو يقر بأن “الحزب لاعب أساس في المعادلة الحدودية بحكم الواقع، لكنه يشدد في الوقت نفسه على غياب الأدلة العلنية التي تثبت تورطه المباشر في رعاية مجموعات من النظام السابق أو في إدارة نشاط أمني ضد السلطة السورية الجديدة”. ويحذر من أن “الاتهامات غير المسندة قد تستخدم لتبرير تدخلات أو ضغوط خارجية على لبنان”.
أما في ما يتعلق بحادثة مقتل نعسان السخني، فيعد شحادة أن “الخطر يكمن في إسقاط سيناريوهات كبرى على حادثة فردية ذات طابع جنائي، وفق ما أظهرته التحقيقات الأولية”. ويذكر بأن “التجربة اللبنانية مليئة بأمثلة حوادث جرى تضخيمها سياسياً ثم تبين أنها لا تحمل أبعاداً استراتيجية”. ويخلص إلى أن “الأولوية اليوم هي تحصين الداخل اللبناني، وضبط الحدود، وتعزيز التنسيق المؤسساتي، لمنع انزلاق البلاد إلى دور الساحة، سواء عبر التهويل أو عبر التراخي”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العمل السري
من جانبه يرى المحلل السياسي السوري فراس علاوي، أن “سقوط نظام بشار الأسد لم يكن حدثاً إدارياً أو سياسياً عادياً، بل انهياراً لبنية أمنية حكمت سوريا لعقود، وما رافق ذلك من تفكك شبكات النفوذ والضبط التي كانت تمسك بمفاصل الدولة والمجتمع”. من هذا المنطلق، يرى علاوي أن “أخطر ما تواجهه السلطة السورية الجديدة لا يكمن في المعارضة العلنية، بل في بقايا هذه الشبكات التي لم تفكك بالكامل، والتي تبحث عن فضاءات خارجية لإعادة التموضع، ولبنان يأتي في مقدمة هذه الفضاءات”.
بحسب علاوي، فإن “وجود عناصر أمنية وعسكرية سابقة من النظام المنهار في لبنان لا يمكن قراءته بوصفه لجوءاً سياسياً تقليدياً”. فهؤلاء، كما يقول، “يحملون خبرة طويلة في العمل السري، وإدارة الاختراق، وبناء الشبكات غير المرئية، مما يجعلهم قادرين على التحرك بأقل قدر من الضجيج، وضمن بيئات رمادية يصعب ضبطها”. الخطر، في نظره، لا يكمن فقط في احتمال تنفيذ عمليات أمنية مباشرة، بل في القدرة على إدارة الفوضى، عبر تسريب معلومات، وتغذية توترات داخلية، أو استثمار أي حادثة أمني لإرباك الداخل السوري وإظهار السلطة الجديدة بمظهر العاجز.
ويحذر علاوي من أن لبنان، بسبب هشاشته السياسية وتعدد مراكزه الأمنية والسياسية، قد يتحول من دون قصد إلى “عمق خلفي” تدار منه عمليات ضغط غير مباشرة على دمشق. لذلك، يرى أن القلق السوري ليس موجهاً ضد الدولة اللبنانية بحد ذاتها، بل نابع من خشية حقيقية من أن تتحول الأراضي اللبنانية إلى مساحة غير مضبوطة تستخدم لإعادة إنتاج صراع مؤجل.
ويخلص علاوي إلى أن “أي تساهل مع هذا الواقع، سواء من الجانب اللبناني أو الدولي، قد يدفع سوريا الجديدة إلى اعتماد مقاربة أمنية أكثر تشدداً، قائمة على مبدأ أن حماية الأمن القومي لا تبدأ عند الحدود فحسب، بل عند منع تشكل بؤر تهديد في الجوار المباشر، وهو سيناريو يحمل أخطاراً كبيرة على استقرار البلدين معاً”.
بدوره يشير العميد السوري المنشق أحمد رحال، أن “الحديث عن عناصر وضباط سابقين من نظام الأسد موجودين في لبنان ليس أمراً ثانوياً، بل هو ملف أمني بالغ الحساسية، لأن هؤلاء لا يشبهون اللاجئين السياسيين التقليديين، بل ينتمون إلى مدرسة أمنية قائمة على العمل الخفي والتخريب المنهجي”.
ويرى أن “الخطر الأساس يكمن في طبيعة هؤلاء الضباط، فهم يمتلكون معرفة دقيقة بتركيبة الأجهزة السورية، ونقاط ضعفها، وأساليب عملها، إضافة إلى علاقات عابرة للحدود بنيت على مدى أعوام”. وجودهم في لبنان، بحسب رحال، “يمنحهم بيئة مثالية لإعادة التواصل مع شبكات قديمة، سواء داخل سوريا أو خارجها، مستفيدين من الجغرافيا المعقدة، والحدود المتداخلة، وواقع الانقسام السياسي في لبنان”.
ويحذر رحال من سيناريو “العمليات غير المنسوبة”، أي “تلك العمليات التي لا تعلن مسؤوليتها عنها، لكنها تستخدم لإرباك السلطة الجديدة: اغتيالات غامضة، تفجيرات محدودة، أو حتى جرائم ذات طابع جنائي تستثمر لاحقاً سياسياً وإعلامياً”. مثل هذه العمليات، برأيه، لا تحتاج إلى بنية عسكرية كبيرة، بل إلى عقول أمنية مدربة، وهو ما يتوافر لدى ضباط النظام السابق.
ويشير رحال إلى أن “أي تساهل لبناني، حتى لو كان نابعاً من اعتبارات قانونية أو سيادية، قد يفسر في دمشق على أنه عجز عن ضبط الساحة، مما يفتح الباب أمام خيارات أكثر خطورة. لكنه في الوقت نفسه يحذر من أن أي تحرك أمني سوري مباشر داخل لبنان سيكون كارثياً، لأنه سيعيد إنتاج مناخات صدامية لا تخدم أحداً”. ويختم رحال بتأكيد أن “الحل الوحيد يكمن في تنسيق أمني–قضائي واضح بين الدولتين، وفي منع تحويل لبنان إلى مساحة رمادية، لأن الفوضى، في النهاية، لا تتوقف عند حدود بلد واحد، بل ترتد على الجميع”.

تؤكد السلطات اللبنانية أن أي توقيف أو تسليم يخضع حصراً للأطر القضائية والمذكرات القانونية (سانا)
ملاحقة المعارضين
في المقابل، يرفض الناشط والإعلامي السوري عمر رحمون، الروايات التي تتحدث عن أخطار أمنية ناجمة عن وجود شخصيات سورية معارضة أو محسوبة على النظام السابق في لبنان. وبرأيه، فإن “هذا الخطاب لا يستند إلى وقائع ميدانية بقدر ما يعكس محاولة سياسية لإعادة شيطنة فئات واسعة من السوريين الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم، ليس لأنهم يشكلون خطراً، بل لأنهم لا يستطيعون العيش داخل سوريا في ظل السلطة الحالية أو في ظل تسويات لم تشملهم”.
ويؤكد رحمون، أن غالبية السوريين الموجودين في لبنان هم في موقع دفاعي بحت، وأن الحديث عن “قواعد خلفية” أو “منصات تهديد” هو توصيف مبالغ فيه يستخدم لتبرير سياسات أمنية استباقية. ويشدد على أن هؤلاء لا يمتلكون لا القدرة ولا البنية ولا المصلحة للدخول في أي مواجهة مع الدولة السورية، معتبراً أن تصويرهم كخطر أمني يخدم أجندات إقليمية أكثر مما يعكس الواقع.
في المقابل، يحذر رحمون مما يصفه بانزلاق خطر في سلوك السلطة السورية، يتمثل في التعامل مع كل معارض أو غير موال بوصفه تهديداً أمنياً مشروع الاستهداف. ووفق طرحه، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في وجود هؤلاء الأشخاص في لبنان، بل في احتمال لجوء دمشق إلى إرسال أشخاص مقربين منها أو الاعتماد على شبكات غير رسمية لملاحقة أو تصفية معارضين خارج الأراضي السورية، تحت شعار حماية الأمن القومي.
ويرى رحمون أن “مثل هذا السلوك، إذا حصل، لا يعكس قوة الدولة السورية، بل هشاشتها السياسية، لأنه ينقل الصراع من الداخل السوري إلى دول الجوار، ويضع لبنان في قلب مواجهة لا مصلحة له فيها ويعتبر أن أي حادثة أمنية تفسر تلقائياً على أنها جزء من صراع منظم تفتح الباب أمام فوضى اتهامات، بدل معالجتها ضمن إطار قضائي واضح”.
ويخلص رحمون إلى أن “الاستقرار، سواء في سوريا أو لبنان، لا يتحقق عبر تصدير الصراع أو ملاحقة الخصوم خارج الحدود، بل عبر معالجة الخلافات السياسية داخل سوريا نفسها”، محذراً من أن “تحويل لبنان إلى ساحة تصفية أو ترهيب سيؤدي إلى نتائج عكسية تطاول الجميع”.
