منذ أسابيع قليلة أصدرت وزارة الزراعة اللبنانية بياناً أعلنت فيه تسجيل حالات من مرض الحمى القلاعية في مزارع عديدة للمواشي. وكانت الوزارة قد حذرت قبل أشهر من هذا الخطر ومن انتقاله إلى الثروة الحيوانية في البلاد بعدما أعلنت دول مجاورة عديدة رصد حالات لديها، حتى إن المنظمة العالمية لصحة الحيوان كانت قد تحدثت في تقارير سابقة عن وجود أنواع جديدة من الحمى القلاعية، وهي تشكل تحدياً كبيراً لقدرة الدول على الاستجابة السريعة، خصوصاً في المناطق ذات الحدود المفتوحة، حيث تزيد عمليات التهريب والنشاط التجاري غير المنظم. وبالفعل، بعد تحذيرات متجددة، وفي ظل مخاوف من دخول هذا الخطر إلى لبنان ليطال الثروة الحيوانية فيه، حصل ما كان متوقعاً بما أن لبنان له حدود مفتوحة، وبوجود أعمال تهريب ونشاط غير مشروع عبرها.

مصدر الخطر في أعمال التهريب

كان هناك تخوف، منذ أشهر، من وصول فيروس الحمى القلاعية إلى لبنان بسبب انتشار الفيروس في دول عديدة مجاورة. وهذا ما كان يضع لبنان في دائرة الخطر بعدما رصدت الدول المجاورة سلالات جديدة من الحمى القلاعية لم تكن مسجلة سابقاً في لبنان أو في الدول المحيطة، بحسب ما أكد وزير الزراعة نزار هاني لـ”اندبندنت عربية”، وأشار إلى أن وجود الفيروس في الدول المجاورة كان يشكل مصدر خطر للبنان وللثروة الحيوانية فيه، “ومع دخول الفيروس، أصبح انتشاره في البلاد بين المواشي يشكل التحدي الأكبر لجميع المعنيين بشؤون الثروة الحيوانية، علماً أن فيروس الحمى القلاعية يصيب الحيوانات ذات الحوافر المشقوقة مثل الأبقار والأغنام والماعز والخنازير وهو شديد العدوى بينها فينتقل بالاتصال المباشر أو عبر التعرض لمساحات ملوثة به. أما النتائج فتكون خسائر اقتصادية كبرى، فقد تسببت بوفيات كثيرة، خصوصاً بين العجول الصغيرة، إضافة إلى ما تسببه من تراجع في إنتاج الحليب واللحوم نظراً إلى تداعيات المرض من حمى وتقرحات في الفم والأقدام وفي حلمات الأبقار، ونقص إنتاج الحليب لدى المواشي، ولدى الإصابة بها تمتنع الحيوانات المصابة عن الأكل بسبب الأعراض المزعجة المرافقة للمرض وتصبح عاجزة عن المشي، وتصاب بالنحول فيتراجع إنتاج الحليب واللحوم”.

IMG-20251229-WA0336.jpg

فيروس الحمى القلاعية لا ينتقل من الحيوانات إلى البشر (اندبندنت عربية)

“من المفترض أن تخضع الحدود لرقابة شديدة وإجراءات صحية بيطرية صارمة في مختلف الظروف، خصوصاً في ظل تفشي أوبئة مثل الحمى القلاعية في دول الجوار. وبالفعل، كانت هناك إجراءات مشددة وخطوات صارمة لوقف الاستيراد من الدول الموبوءة، إضافة إلى عزل صارم لمنع دخول المرض، لكن على رغم تشديد الإجراءات البيطرية في الموانئ والحدود، وعلى رغم التحاليل للمواشي على الحدود، والجهود التي بذلت في مواجهة أعمال التهريب، دخلت الحمى القلاعية، وضربت الثروة الحيوانية في لبنان فشكلت تهديداً حقيقياً لها، إذ إن مصدر الخطر الذي لم يكن من الممكن ضبطه كانت المعابر غير الشرعية، وتحديداً البرية منها. فتدخل المواشي عبر الحدود المفتوحة ويحصل الاتصال المباشر الذي يزيد معه خطر انتقال العدوى بين المواشي نظراً إلى خطر الانتشار السريع الذي يميز هذا الفيروس”، وفق ما أوضح مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة اللبنانية إلياس إبراهيم، مضيفاً “يعرف عن فيروس الحمى القلاعية أنه مرض فيروسي عابر للحدود وواسع الانتشار، كان من المتوقع أن يصل الفيروس إلى لبنان نظراً إلى انتشاره في دول المنطقة كونه مرضاً عابراً للقارات، وبوجود المعابر غير الشرعية لكننا لم نتوقع وصوله بهذه السرعة، حتى إن كل الإجراءات التي تتخذ على الحدود لمراقبة عملية الاستيراد من تحاليل للتأكد من أن الحيوانات خالية من الأمراض بإشراف بيطري، ودراسة لتحليل الأخطار عبر المعابر الشرعية، لم تنفع في منع وصوله، فكانت هناك إجراءات رسمية مشددة لمنع الاستيراد العشوائي وفق بروتوكولات صحية معينة، لكن وصوله إلى لبنان على رغم ذلك يؤكد أن ذلك حصل من خلال الاستيراد غير الشرعي، ما كان من الممكن أن يحصل بغير الحركة غير الشرعية، لأن التهريب وحده يشكل خطراً ومعه يزيد احتمال دخول المواشي التي لا يعرف وضعها الصحي وما تحمله من أمراض”.

مناطق موبوءة وإجراءات للعزل

بحسب ما تبين، كان الفيروس ظهر أولاً في لبنان في البقاع الغربي ومنطقة زحلة (شرق)، إضافة إلى وجوده في بؤر معينة في بعلبك – الهرمل (شرق)، والشويفات (جبل لبنان)، حيث تتجمع المواشي. وقد ظهر الفيروس أولاً في المناطق التي تشهد عادة تجمعات للمواشي المهربة التي دخلت لبنان بطرق غير شرعية ومن دون مراقبة، ومن دون الخضوع لإجراءات وتحاليل تؤكد سلامتها، و”بعد أن بدأ ظهور الفيروس، أجريت التحاليل اللازمة وسرعان ما تبين أن الطفرة الجديدة من الفيروس أصبحت موجودة في لبنان، كما كان متوقعاً. ففي مثل هذه الظروف، وبوجود المعابر غير الشرعية، تصعب السيطرة على فيروس سريع الانتشار مثل فيروس الحمى القلاعية. أما في عمليات التصدير والاستيراد العادية، فدخول الفيروس إلى البلاد مستبعد لأن لبنان يتشدد في الإجراءات المتخذة كباقي الدول المستوردة، كما أنه ليس من مصلحة الدولة المصدرة التهاون في هذا المجال”، بحسب إبراهيم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجدر الإشارة إلى أن المرض مستوطن أصلاً في المنطقة، وتدرك الدول ذلك وتحرص على التحصين في مواجهته لتحمي المواشي لديها، ما سمح بتوفير المناعة ضده. فكانت قد سجلت حالات سابقة، وعلى رغم الإجراءات في دول المنطقة وبعض دول أوروبا، لم يكن من الممكن القضاء عليه بصورة تامة. بالتالي، كان المرض موجوداً، لكنه كان تحت السيطرة نظراً إلى اعتماد الدول التي سجلت حالات لديها برامج التحصين، إلا أن برامج التحصين كانت تجرى في مواجهة متحورات سابقة كانت موجودة، في وقت ظهرت طفرة جديدة للفيروس الذي هو في تحور دائم كما بالنسبة إلى كل الفيروسات، ومع هذا المتحور الجديد، ظهرت أعراض أكثر حدة وكان الأثر أكبر بكثير على المواشي المصابة، خصوصاً أن هذه الحيوانات لم تطور أي مناعة ضده بعد.

وتابع مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة اللبنانية أنه “مع ظهور أولى الأعراض القاسية على الحيوانات المصابة في لبنان، شككنا مباشرة بأن الفيروس قد دخل إلى البلاد، وأجريت مباشرة التحاليل اللازمة. فلو كانت الإصابات ناتجة من متحورات سابقة لما كانت الأعراض بهذه الحدة لأن الحيوانات اكتسبت مناعة ضدها بوجود برامج التحصين التي تحمي من الأعراض القوية. هذا ما تسبب بخسارة كبرى في الثروة الحيوانية في لبنان، خصوصاً على المزارعين بما أن الانتشار كان سريعاً والأضرار كبرى، وقد أدى ذلك إلى وفيات بين العجول بنسبة 30 في المئة، إضافة إلى تأثير ذلك في إنتاج الحليب واللحوم، حتى إن المزارعين أرغموا على التخلص من المواشي المصابة لحماية ما تبقى من القطعان، وأيضاً حفاظاً على الإنتاج ما تسبب بخسائر كبرى لهم”.

AFP__20200730__1W10B0__v1__MidRes__LebanonEconomyEid.jpg

تتركز الهواجس على صحة المواطن وعلى سلامة الغذاء (ا ف ب)

مخاوف على صحة المواطن

منذ أن جرى التداول بانتشار الفيروس بين المواشي في لبنان، لم تتركز الهواجس في البلاد إلا على صحة المواطن وعلى سلامة الغذاء. فكثر تخوفوا من تأثير هذا الفيروس على صحة الإنسان لدى تناوله هذا النوع من اللحوم. في الواقع، أكد إبراهيم “أن المخاوف في هذه الحال غير مبررة لأن الفيروس ينتقل بالعدوى بين المواشي، إلا أنه لا ينتقل أبداً إلى الإنسان وحتى في حال تناول لحوم هذه المواشي، إذ إن الإنسان لا يملك المستقبلات التي يمكن أن تلتقط الفيروس المسؤول عن الحمى القلاعية، وفيما لا يشكل الفيروس خطراً على سلامة الغذاء، إلا أن خطورته الحقيقية هي على الأمن الغذائي في البلاد نظراً إلى ظروف العزل والإجراءات الصارمة التي يفرضها، إضافة إلى ما يسببه من تراجع في إنتاج اللحوم والحليب ومشتقاته”، لكن على رغم انتشار الفيروس في مناطق معينة، شدد إبراهيم على أن الأمور بدأت تصبح تحت السيطرة بعد اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحصر الفيروس ووقف انتشاره، “فكانت هناك خطة طوارئ لجأت إليها وزارة الزراعة سريعاً للحد من الانتشار وللتحصين في مناطق معينة، حيث لم تحصل إصابات بعد. وإلى جانب إجراءات العزل، والفحوص التي تجرى للمواشي المصابة وتلك التي على اتصال بها، أجريت عملية تحصين واسعة للمواشي بعد تلقي شحنة من اللقاح الخاص بالطفرة المعنية من فيروس الحمى القلاعية، بانتظار شحنة ثانية تصل قريباً، علماً أن اللقاح كان متوافراً خارج لبنان، ومع ظهور الفيروس في دول المنطقة، بدأت الاستعدادات لتأمينه في لبنان، لكن كانت هناك ضغوط كبرى بسبب ارتفاع الطلب عليه نتيجة انتشار الفيروس، فكانت هناك صعوبة في تأمينه”.

أما في ما يتعلق بالمواشي المصابة، ختم إبراهيم “فتكون فترة العزل 14 يوماً حتى تتعافى، فلا يتوافر العلاج الذي يساعد على تعافيها، بل تكفي السيطرة على الأعراض والحد من الأوجاع والالتهابات الثانوية لديها. وتكون عندها قد اكتسبت المناعة الطبيعية ضد الفيروس، بانتظار أن تجرى لها جرعة تحفيزية في حملة التحصين الثانية التي تقام، حرصاً على توفير مناعة إضافية، فحيث حصلت إصابات، لا يكون التحصين مجدياً في هذه المرحلة لأن المواشي المصابة تكون محمية وقد اكتسبت المناعة، بل الهدف الحالي هو حماية باقي المواشي التي لم تصب بعد. ويجرى التركيز أيضاً على القطعان التي لم تصب بعد في المناطق الموبوءة تحديداً حرصاً على حمايتها”.