واشنطن- أظهرت قمة مارالاغو وحدة موقفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إزاء القضايا التي تناولها لقائهما وعلى رأسها قطاع غزة وإيران.

ورغم عدم صدور قراءة رسمية من البيت الأبيض عما دار في اللقاء المغلق بين الجانبين وكبار مساعديهما، تبنى ترامب موقفا متناغما تماما مع الموقف الإسرائيلي في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد انتهاء الاجتماعات الثنائية، خاصة في ما يتعلق بنزع سلاح حركة حماس، والوقوف في وجه طموحات طهران النووية، كما سمّاها.

وغادر نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة– منتجع ترامب بعدما أغدق عليه الرئيس الأميركي بالمديح ووصفه بأنه “منقذ إسرائيل”، وقال ترامب عن نتنياهو “كنت بحاجة إلى رجل مميز جدا ليواصل ويساعد إسرائيل حقا في تجاوز هذه الأزمة الرهيبة”.

صفقات عسكرية

وبعد ساعات من انتهاء لقاء ترامب ونتنياهو، منحت وزارة الحرب (البنتاغون) شركة بوينغ عقدا بقيمة 8.6 مليارات دولار لتزويد إسرائيل بـ25 طائرة مقاتلة متقدمة من طراز “إف-15” مع خيار شراء 25 طائرة إضافية، وذلك ضمن برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية.

وتتميز الطائرة بأنظمة إلكترونيات طيران متقدمة، وقدرات تسليح أكبر، وسيتم الإنتاج في سانت لويس بولاية ميزوري.

كما دعمت بعثة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة الخطوة الإسرائيلية بالاعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال الانفصالي كدولة مستقلة، وذلك خلال مشاورات مجلس الأمن حول هذه الخطوة الإسرائيلية المثيرة للجدل.

من جانبها، منحت الحكومة الإسرائيلية “جائزة إسرائيل” لترامب، ليصبح أول شخص غير إسرائيلي يحصل على هذه الجائزة.

وردّ ترامب بتوقع بأن نتنياهو سيفوز قريبا بجائزة خاصة به متمثلة في عفو رئاسي في محاكمته الجارية بتهم وقضايا فساد، وكرر ترامب أنه حث رئيس إسرائيل، إسحاق هرتسوغ، على منح نتنياهو عفوا.

وجاء في بيان صادر عن منظمة “جي ستريت”، وهي جماعة ضغط يهودية في واشنطن تدعم حل الدولتين، أن نتنياهو حقق على مستوى الصورة العلنية ما كان يسعى إليه، إذ نال دعما علنيا كاملا من الرئيس ترامب يمكنه توظيفه داخليا أمام الناخبين الإسرائيليين.

غير أن البيان أشار إلى أن مضمون اللقاء يبدو أقل وضوحا، مع بروز تباينات في مقاربة الجانبين لملفات تركيا وسوريا والضفة الغربية، إضافة إلى المرحلة المقبلة من الحرب في غزة، في حين لا تزال تفاصيل ما دار خلف الأبواب المغلقة غير معروفة.

President Donald Trump shakes hands with Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu as he listens to a question from a reporter at the end of a news conference at Mar-a-Lago, Monday, Dec. 29, 2025, in Palm Beach, Fla. (AP Photo/Alex Brandon)ترامب (يمين) ونتنياهو اتفقا على نزع سلاح حماس وهددا بالعواقب مع إعادة طرح تهجير جزء من سكان غزة (أسوشيتد برس)مستقبل غزة

اتفق ترامب مع نتنياهو على ضرورة نزع سلاح حركة حماس، وأطلق تهديدا جديدا للحركة بأن تقوم بذلك سريعا، وإلا ستكون هناك “عواقب وخيمة” إذا لم تلتزم.

ولم يوضح ترامب كيف سيتم التقدم إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ من المفترض أن تنزع حماس سلاحها، وأن تنسحب إسرائيل من مناطق تمركزها الحالية، وأن تبدأ عدة دول في إرسال عناصرها لتشكيل “قوة الاستقرار الدولية”، في حين أشاد ترامب بما وصفه بالتزام إسرائيل ببنود اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي مكسب سياسي لنتنياهو، أعاد ترامب طرح فكرة تهجير سكان قطاع غزة. وردا على سؤال بشأن هذا الطرح، قال إن نحو نصف سكان القطاع سيغادرون إذا أُتيحت لهم الفرصة، مكررا اعتقاده بأنهم سيفضّلون الانتقال للعيش في ظروف أفضل متى توفرت لهم إمكانية ذلك، ومؤكدا في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات كبيرة لسكان القطاع.

في السياق، قال الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الخارجية ولفغانغ بوستزتاي إن “نتنياهو شرح الوضع الحالي في غزة من منظور إسرائيلي، وأكد أنه بدون تقدم نحو نزع سلاح حماس، فإن تجدد الأعمال العدائية واسعة النطاق خلال العام المقبل أمر مرجح للغاية”.

وأشار بوستزتاي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه حتى الآن لا توجد دولة واحدة محتملة للمساهمة بقوة السلام في غزة، “ولذلك يجب حسم مسألة نزع سلاح حماس قبل نشر أي قوة سلام”.

بدوره، أكد البروفيسور ستيفن هايدمان، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة سميث بولاية ماساتشوستس الأميركية، إن “اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يبدو صامدا، لكن دون وجود مسار واضح بعد لتحقيق الأهداف الأوسع للاتفاق”.

وهايدمان، وهو أيضا خبير غير مقيم بمركز سياسات الشرق الأوسط في معهد “بروكينغز” بواشنطن، أشار في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الوقت الراهن هناك “متطرفون داخل حكومة نتنياهو يواصلون الدفع نحو استئناف القتال بينما تسعى حركة حماس لإعادة بسط نفوذها وبناء قوتها في بعض المناطق المحدودة من غزة”.

وأضاف “حتى الآن ليست هناك التزامات من دول لتوفير قوات عسكرية لتأمين الاتفاق، ولم يتم التعهد بأي أموال لإعادة إعمار القطاع”.

تشدد مع إيران

وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء، أكد ترامب أن بلاده ستدعم ضربات إسرائيلية مستقبلية على إيران إذا استمرت طهران في تطوير برامجها للصواريخ الباليستية والأسلحة النووية.

وقال ترامب إنه سمع أن إيران “تتصرف بشكل سيئ”، وتسعى لإعادة إطلاق برنامجها النووي، لكنه رفض تقديم تفاصيل إضافية.

ويزداد الحديث في واشنطن عن قلق المسؤولين الإسرائيليين من أن طهران توسع إنتاج برنامجها الصاروخي الباليستي، الذي تضرر جراء الضربات العسكرية الإسرائيلية الصيف الماضي.

وعرض نتنياهو على ترامب خيارات للولايات المتحدة للانضمام أو المساعدة في أي عمليات عسكرية جديدة، وسط تلميحات من ترامب تشير إلى أنه قد يكون منفتحا على العودة إلى المحادثات مع طهران.

ويرجح المحللون أنه في ضوء الانتخابات النصفية الأميركية القادمة، فبالتأكيد لا يريد ترامب حربا جديدة في غزة، لأنها ستقوض مصداقيته بوصفه صانع سلام.

وفي الإطار ذاته، أوضح الدبلوماسي السابق بوستزتاي أن ترامب وإسرائيل يتشاركان قناعة بضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، مشيرا إلى أنه في حال توافرت مؤشرات ــوفق تقدير ترامب ونتنياهوــ على عودة طهران إلى استئناف برنامجها للتخصيب، فإن احتمال تنفيذ ضربات عسكرية إسرائيلية إضافية سيبقى قائما.

وبيّن أن هذا التوجه يستند إلى اعتبار أن تنفيذ ضربات جوية ضد إيران سيكون أسهل قبل أن تتمكن من إعادة ترميم منظومتها للدفاع الجوي، فضلا عن أن ترامب، في سنة انتخابية، لن يرغب في الظهور بمظهر المتهاون أو الضعيف أمام إيران في مواجهة خصومه السياسيين.