كيغالي: 30 ديسمبر 2025 :راديو دبنقا

تقرير : عباس محمد عباس

لم يكن فيلم “الخرطوم” مجرد عملٍ وثائقي يوثق مدينة، بل محاولة حثيثة للإمساك بروح كانت تمشي في الشوارع، وتجلس على الأرصفة، وتشرب الشاي في الصباح، وتحلم رغم كل شيء.

الفيلم، الذي صور قبل اندلاع حرب منتصف ابريل، يتتبع حيوات خمس شخصيات تنتمي إلى خلفيات اجتماعية وتعليمية مختلفة، عرض في مهرجانات دولية عدة، متنقلًا من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وصولًا إلى الدوحة حيث شهد عرضه الأول في العالم العربي.

في قلب هذا العمل تقف المخرجة السودانية راوية الحاج، إحدى المخرجين الأربعة المشاركين في إنجاز الفيلم، والتي ترى أن “الخرطوم” لم يكن مجرد توثيق، بل محاولة لقول الحقيقة. تقول راوية في مقابلة مع ( راديو دبنقا) إن المدينة تتعافى لكنها لن تعود كما كانت،فالسودانيون – بحسب تعبيرها –”يحملون داخلهم ذاكرة مدينة” ، غير أن الذاكرة وحدها لا تعيد الشوارع ولا تعيد الرفاق كما كانوا.

توضح أن الفيلم، بالنسبة لهم كصناع، كان بمثابة صوت للسودانيين موجه إلى العالم، ورسالة تقول إن ما يجري في الداخل ليس حربًا أهلية بالمعنى التقليدي، بل صراع تحركه أطراف خارجية متعددة الأجندات، فيما يظل المواطن السوداني الخاسر الأكبر.

ولا تفصل (ضيفتنا) بين مضمون الفيلم والواقع الذي صنع فيه. فهي تشير إلى أن التحديات التي واجهت صناعة السينما في السودان كانت قائمة حتى قبل الحرب، خاصة ما يتعلق بالتصوير في الأماكن العامة. تقول : الوصول إلى المشهد الحقيقي، وردود الأفعال الطبيعية للناس في الشارع، كان أمرًا بالغ الصعوبة، حتى مع توفر التصاريح

لقاء دبنقا مع المخرجة راوية الحاج مع الزميل عباس محمد عباس : راديو دبنقا

تستعيد راوية بداياتها الفنية منذ أيام الجامعة، حين انخرطت في المسرح الطلابي قبل أن تنتقل إلى السينما.وعن كونها امرأة تعمل في الإخراج، لا ترى راوية أن التحدي الأساسي نابع من النوع الاجتماعي بقدر ما هو مرتبط ببنية صناعة السينما نفسها، معتبرة أن التحديات الأساسية – مثل التمويل، والتصوير، والمواقع، والعقبات القانونية – يواجهها الرجال والنساء على حد سواء داخل المجتمع السينمائي. لكنها لا تنفي في الوقت ذاته وجود قيود اجتماعية إضافية قد تطال المخرجات تحديدًا، خاصة تلك المرتبطة بالأسرة ونظرة المجتمع.

بعد خروجها من السودان، واصلت راوية الحاج الاشتغال على السينما بوصفها فعل مقاومة، من خلال فيلمها القصير “خارج عن نطاق التغطية” الذي يروي حكاية حب سودانية في المنفى. يتتبع الفيلم قصة شاب وفتاة سودانيين يقرران الزواج، غير أن ظروف اللجوء تفرض عليهما واقعًا مختلفًا، فيقيمان عرسًا “أونلاين” ، يختزل في شاشة يتشاركان من خلفها فرحتهما مع أسرهم داخل السودان وخارجه.
وتقول راوية إن الفيلم كان محاولة لحكي قصة اللاجئين ، ومعاناة السودانيين في الداخل، وتجسيد التحولات القاسية التي فرضتها الحرب على أبسط تفاصيل الحياة.

ورغم الحرب والمنفى، لا تخفي راوية تفاؤلها بمستقبل السينما السودانية. ترى أن السنوات الأخيرة شهدت صعود جيل جديد من المخرجين الشباب، يحملون قصصًا جريئة، ويفتحون نوافذ الضوء على بيوت السودان وشوارعه، بعد أن ظل لسنوات منطقة معتمة في عين العالم. وتربط هذا التحول بتأثير ثورة ديسمبر، التي كسرت الصمت، ووسّعت مساحة الحكي.

تختتم راوية حديثها لراديو دبنقا بحلمٍ يبدو بسيطًا وهو أن يتواصل السينمائيون السودانيون، ويتبادلوا الخبرات، وأن يكون لهم كيان جامع يعبر عنهم. تحلم بيوم تفرش فيه سجادة حمراء داخل السودان، وتقام مهرجانات سينمائية تستضيف فنانين من مختلف دول العالم.

Continue Reading