لا تسنح لي الكثير من الفرص لزيارة المناطق الجبلية في هذا الوطن الغالي، ولذلك أحرص كلما لاحت مناسبة أو مهرجان أو فعالية كبرى على اغتنامها، لأقضي بعض الوقت بين ربوع تلك الجبال الشامخة التي تختزن في صخورها حكايات الإنسان والمكان، وتختصر مسيرة وطن آمن بالحلم فصار حقيقة.
في الطريق من أبوظبي إلى جبال الحجر في رأس الخيمة، حيث يقف جبل جيس كأعلى قمة في دولة الإمارات، وتتوزع القرى الجبلية بين الأودية والمرتفعات، يستحضر المرء تلقائياً الإرادة القوية والرؤية الثاقبة للمغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وما بذله مع إخوانه من الآباء المؤسسين، ثم واصلت المسيرة قيادتنا الرشيدة، لربط أطراف الوطن بعضه ببعض عبر شبكة متطورة من الطرق والأنفاق، شقت الجبال الوعرة، واختصرت المسافات، وجعلت الوصول من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق رحلة لا تتجاوز ساعات معدودة. 
 هذه الطرق لم تكن مجرد مشاريع إسفلت وجسور، بل كانت ترجمة حقيقية لإيمان عميق بأن الإنسان هو محور التنمية وغايتها، وأن لا مكان في هذا الوطن لمنطقة نائية أو معزولة. واليوم، ونحن نترقب بكل فخر تدشين «قطار الاتحاد»، نشهد إضافة صفحة جديدة ناصعة إلى سجل إنجازات الدولة في قطاع النقل، تعزز التكامل بين المدن، وتفتح آفاقاً أوسع للتنمية المستدامة، وتؤكد أن ما تحقق لم يكن نهاية الطريق بل بدايته. 
اليوم، ولله الحمد، نتنقل عبر شبكة واسعة من الطرق والأنفاق العصرية، المشيدة وفق أعلى المعايير الهندسية وأرقى المواصفات العالمية في السلامة، تحفها اللوحات الإرشادية، وأنظمة المراقبة، وأجهزة رصد المخالفات. وقد وضعت هذه الجهود دولة الإمارات في صدارة المؤشرات الدولية المتعلقة بجودة البنية التحتية وسلامة الطرق.
ومع مشاعر الشكر والامتنان لله عز وجل على ما أنعم به علينا، وللقيادة الرشيدة التي واصلت تحقيق حلم المؤسس، يساور المرء شعور بالألم والأسف تجاه النزيف الذي تشهده هذه الطرق بين حين وآخر بسبب الحوادث المرورية، رغم الجهود الاستثنائية التي تبذلها إدارات المرور ووزارة الداخلية. فبعض هذه الحوادث يحصد أرواحاً بريئة، وبعضها يترك شباباً في عمر الزهور أسرى الأسرّة البيضاء أو الكراسي المتحركة.
إنها لحظة تأمل صادقة تستدعي منا جميعاً، أن نكون على قدر هذه النعمة، وأن نحافظ على الأرواح كما نحافظ على المنجزات، فالوطن الذي شق الجبال لأجل الإنسان، يستحق منا وعياً ومسؤولية تليق بعطائه.